العالم بعد التطبيع؟!
علاء كرم الله
وأخيرا وصل موضوع أسرائيل والقضية الفلسطينية الذي شغل العالم على مدى قرابة القرن من الزمان وصل الى فصله الأخير، بعد أن أنظمت الأمارات والبحرين والسودان الى ركب المطبعين مع أسرائيل بكل فرح وسرور وبهجة وبلا أية كرامة!!، وبقية الدول العربية ستأتي تباعا، فالكل أصطف بالدور بل تزاحموا على من يكون منهم قبل الآخر!، والبقية التي أقصدها هي السعودية وما بقي من دول الخليج والدول العربية. ومن المفيد أن نذكر هنا أن مصر والأردن هم أول الدول الذين وقعوا معاهدة السلام مع أسرائيل،( معاهدة السلام بين مصر وأسرائيل وقعت بتاريخ 26/5/1979، أما أتفاق السلام بين الأردن وأسرائيل فقد تم التوقيع عليه بتاريخ 26/10/1994). وفي حقيقة الأمر لم تمر فترة طويلة على معاهدتي السلام المصرية والأردنية مع أسرائيل، فأربعون وثلاثون عاما ليست طويلة! في عمر الشعوب وفي عالم السياسة وخاصة في موضوع تطبيع علاقات وسلام مع أسرائيل بل يعتبر أنجازا كبيرا في عالم السياسة وبفترة قصيرة!، وخاصة بالنسبة لأسرائيل التي أستطاعت وخلال 80 عاما من بعد قيامها ان تضع كل العرب على سكة التسوية والصلح معها شاؤا أم أبوا ذلك!. وبالوقت الذي أرفع القبعة لقادة أسرائيل! على ما فعلوه خلال كل هذه السنوات من الصراع العربي الأسرائيلي من تخطيط وتدبير من أجل مصالحهم الوطنية والقومية العليا ومن أجل مصلحة شعبهم، وبالوقت الذي أهنئهم على ما حققوه من نجاحات علمية ومن تقدم تكنلوجي في كافة المجالات وخاصة في المجال العسكري والحربي والذي كان له الأثر بتفوقهم على العرب!، وبالوقت الذي أعزي فيه نفسي ونفس كل عربي وبخجل كبير على صورتنا نحن العرب أمام العالم، فأنا بالوقت نفسه، أنعل كل القادة العرب وأشتمهم ليل نهار وأبصق بوجوههم الواحد تلو الآخر لأنهم كانوا السبب فيما وصلنا أليه من أستسلام وخضوع وخنوع لأسرائيل، بسبب من سياساتهم الفاشلة وبسبب من دكتاتوريتهم العمياء، وأنشغالهم بالتآمرعلى بعضهم البعض من أجل البقاء على كراسي الحكم أطول مدة!، وتسلطهم على رقاب شعوبهم حتى أوصلوهم حد الكفر بكل القيم والمقدسات!، وان يقبلوا باليهودي أن يحكمهم بدل من رئيس عربي!، أليس هذا ما طلبه اللبنانيون بعد حادثة ( أنفجار المرفأ) وأثناء زيارة الرئيس الفرنسي(ماكرون) لهم عندما طلبوا منه أمام أنظار وأسماع العالم أجمع كله ( نريد عودة الأستعمار الفرنسي على لبنان بس خلصونا من رؤسائنا!)، وكأن لسان حالهم يقول كما في أغنيتنا العراقية، ( نارك ولا جنة هلي!). ومن يدري لربما أن مشاعر الرغبة بعودة الأستعمار هي رغبة بقية الشعوب العربية بدل حكامهم الظلمة الفاسدين!. فالعرب لم يخططوا ويتدبروا في أمورهم وصراعهم مع أسرائيل مثلما خططوا للأنتقام من بعضهم البعض!. أن نجاح أسرائيل بتحويل صراعها التاريخي مع العرب منذ أربعينات القرن الماضي الى صراع عربي عربي! لم يأتي من سهولة ومن فراغ بل جاء بسهر قادتهم وعملهم الدؤوب ليل نهار وبالأخلاص وبالتفاني وبذل الجهد والغالي والرخيص من أجل مصلحة أسرائيل وأنشاء الوطن القومي لهم!. نعود الى موضوع مقالنا ونقول الآن كل (فاركونات العرب) أصبحت على سكة التسوية والمؤدية بالسير نحو (تل أبيب)!، والكل بأنتظار أشارة السير بل أنهم يتعجلون ذلك!، ليتخلصوا من موضوع فلسطين وقضيتها التي سببت لهم ولأجيالهم صداعا مزمنا على مدى كل العقود التي مضت والتي توارثتها الأجيال العربية جيل بعد جيل منذ أربعينات القرن الماضي الى أن أنتهت الى ما هي عليه الآن من خزي وعار وأستسلام رخيص ومذل وتطبيع بلا أية أسترجاع لأية حقوق فلسطينية ولو لسنتمتر واحد!. ونأتي الى الجانب الآخر من مشهد التطبيع ونسأل: وماذا بعد التطبيع؟، وكيف سيكون شكل العالم وسياسته؟ وكيف سيكون حال المنطقة العربية والخليجية تحديدا؟ هل فعلا ستعيش المنطقة بسلام وأمان؟، بأعتبار أن كل الحروب التي حدثت بالمنطقة العربية كانت بسبب الصراع العربي الأسرائيلي وحتى حروب الخليج التي كان العراق العنوان الأبرز فيها، فلو بحثت ودققت البحث والفحص لوجدت أن هناك أيادي أسرائيلية خفية وغير ظاهرة في أمر هذه الحرب!، ونسأل أيضا: هل ستكتفي أسرائيل بهذا التطبيع وبما وصلت أليه من قوة وعنفوان؟ وهل هذا هو نهاية الحلم الأسرائيلي الذي ناظلت من أجله قرابة القرن من الزمان؟، أم ان حلمها لم يتحقق بعد بالكامل!، والمعروف بدولة اسرائيل الكبرى ( من النيل الى الفرات)؟ وأيضا نسأل: ماذا ستفعل أمريكا وباقي دول الغرب بمصانع الأسلحة لديها؟ ولمن ستبيع السلاح بعد أن تصافح غالبية العرب مع أسرائيل؟، حيث لم تعد عدوتهم الأولى، وآمنوا جانبها، بعد أن أصبحوا هم أعداء بعضهم البعض!، كما أن أسرائيل نامت مليء جفونها بعد الأحتلال الأمريكي للعراق، الذي مزق العراق وأوصله الى حال يشفق عليه حتى أعداءه! ،حيث أن العراق كان يمثل الخطر الحقيقي والوحيد الذي يهدد أمن أسرائيل، هذا بأعتراف قادة أسرائيل أنفسهم؟، وكذلك بعد أنتهاء سورية التي لم تقم لها قائمة حتى قيام الساعة!، بسبب الحروب الداخلية التي تعيشها منذ قرابة العشرة أعوام، والتي تغذيها أكثر من دولة خارجية وأقليمية، ونفس الشيء يقال عن ليبيا التي تأكل بعضها بعض والتي لا يعرف كيف سينتهي بها الأمر؟. نعود بالقول، أن كل المتابعين والمتخصصين بالمشهد السياسي العربي والأسرائيلي يعرفون بأن مصانع الأسلحة في كل دول العالم بما فيها الأتحاد السوفيتي السابق، وخلفه القوي روسيا (بوتن) القيصيرية الآن، كلها كانت تصنع وتنتج وتبيع السلاح لأدامة الصراع العربي الأسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر سواء لأغراض الدفاع أو الهجوم!، المهم كان سوق السلاح الغربي رائجا منتعشا بسبب الصراع العربي الأسرائيلي؟!، فهل ستتوقف بورصة سوق السلاح الرهيب بعد التطبيع؟. أن الكل يعرف بأنه وعلى مدى القرن الماضي كانت المنطقة العربية والخليجية تحديدا الملعب الرئيسي للحروب والأنقلابات والثورات والمؤامرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية وبقية دول الغرب، ونقول الملعب الرئيسي، ليس لوجود أسرائيل في هذه المنطقة فحسب بل لأن المنطقة أصلا تطفوا على بحر من الثروات النفطية والمعدنية والغاز الطبيعي وغيرها الكثير الكثير من المعادن الثمينة . الشيء الملفت للأنتباه أن خرائط الأستكشافات البحرية الحديثة كشفت عن وجود خزين هائل من الغاز الطبيعي لدى الدول العربية، حيث تفاجأ! وجوده وبشكل كبير وكبير جدا في لبنان على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وكذلك وجوده في سوريا، ناهيك عن وجوده في مدينة الأنبار العراقية وما فيها من كنوز من الثروات الوطنية المتنوعة فالعراق هو أصلا معروف بأنه وبكل محافظاته بأنه يطفوا على بحر من الخير والنعم الألاهية والتي لم يعرف حكام العراق كيف يصونوها؟!، فشعبه رغم كل هذه الخيرات والنعم يبحث عن لقمة العيش في المكبات! وقادته يتسولون في دول العالم من أجل الحصول على القروض لتأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين لشهر أو شهرين!. ونسأل هنا : هل هذا يعني أن المنطقة العربية ستبقى ملعبا للصراع بين الدول الكبرى بسبب ما تمتلكه من خيرات وثروات؟،أعود بالقول أذا كانت أسرائيل والقضية الفلسطينية هي عنوان القرن الماضي بكل تفاصيله ودهاليزه وأسراره ، ترى ماذا سيكون العنوان القادم بالنسبة لأمريكا والغرب على مستوى المنطقة العربية والخليجية تحديدا في الألفية الثانية التي نعيشها الآن؟، لا سيما وبعد أن أنتهت لعبة القرن الماضي بفوز واضح وساحق لأسرائيل وأمريكا وبريطانيا والغرب على العرب!. ترى ماذا ينتظر العرب بعد التطبيع؟ وهل سيعيش العالم والمنطقة العربية والخليجية تحديدا بسلام وأمان وخاصة بعد أن تعرت كل الوجوه وسقطت كل الأقنعة المزيفة من على وجوه الحكام العرب وقادتهم، تلك الأقنعة المزيفة التي خدعونا فيها طوال سنوات خلت، بأنهم ثوار ووطنيون وقوميون وعروبيون!، أم ستشهد المنطقة العربية والخليجية تقسيم (لسايكس بيكو)، جديد تقوده نفس وجوه الأمس (فرنسا- بريطانيا)، ولكن برعاية أمريكية وأسرائيلية هذه المرة؟!. الشيء المؤلم في كل صورة هذا المشهد العربي المتناقض الممزق الضعيف بأن أكثر البلدان العربية تضررا، من مجريات الأحداث التي جرت بالمنطقة طوال كل هذه السنوات هو العراق، حيث أنه حقيقة وبمنطق الضمير والأنسانية والحق وحتى بمنطق العدل الألهي! لا يستحق الحال والصورة التي هو عليها الان!، لأنه كان أول المضحين وأكثرهم عطاء من أجل الأمة العربية فلا العرب قابلوه وجازوه بالمثل، ولا الزمان الذي كان قاسيا جدا على العراق وشعبه!؟. فالعراق هو فعلا كما قيل عنه بأنه جمجمة العرب وبسقوطه وأحتلاله من قبل الأمريكان أصبحت كل الطرق سالكة لأمريكا وأسرائيل أن تفعل ما تشاء بالمنطقة!؟.ولذلك كانت المؤامرات عليه أشد وأقسى، فكل المتابعين للشأن العراقي ناهيك عن الملامح الواضحة لذلك بأن الجميع يرى أن العراق هو في طريقه للتقسيم الى أقاليم وكما مخطط له منذ الأحتلال الأمريكي له ولربما الى دويلات صغيرة طائفية متناحرة!، لا سيما وأن العراق شهد أنسلاخ الجزء الكردي منه منذ عام 1991. وهنا لا ننسى تركيا فصورة المشهد العربي والأقليمي والعالمي بعد التطبيع لا تكتمل ملامحه، بدون تركيا الأردوغانية القوية الطموحة الحالمة بأمجاد سلاطين آل عثمان!، وهي من أقوى اللاعبين الأقليميين بالمنطقة ولربما تناسى البعض بأن تركيا القوية التي تتعرض لحرب أقتصادية قاسية من قبل أمريكا وبعض دول الغرب!، لديها أطماع كبيرة وكثيرة بالمنطقة وتحديدا بالعراق! وهي بأنتظار الفرصة المناسبة والسانحة للحصول وتحقيق تلك الأطماع ، والمتمثلة في الأستيلاء وضم (الموصل وكركوك) لها!!، فلا زال اللعاب التركي يسيل على العراق وأزداد أكثر منذ الأحتلال الأمريكي له، وهي تتابع شؤونه وكل التدخلات الخارجية فيه التي جعلته ضعيفا ولقمة سائغة في فم هذه الدولة وتلك الدولة!، فتركيا لازالت تنظر الى العراق نظرة الأصل للفرع!، تلك النظرة القديمة، كأنه أحدى الولايات التابعة للدولة العثمانية قبل أنهيارها في الحرب العالمية الأولى( 1914- 1918). فمما لا شك فيه وعلى ضوء وصورة المشهد العراقي والعربي والأقليمي والدولي، بأنه سيكون هناك صراع وصراع قوي بين تركيا وبين من يمنعها من أسترجاع حقوقها التاريخية بالعراق!، كما ترى من وجهة نظرها ؟، لا سيما وأنها أقتربت من فك آخر قيود (معاهدة سيفر) التي تكبلت بها بعد خسارة الحرب العالمية الأولى وفرض الشروط عليها عام 1923 ولمدة 100 عام والتي ستنتهي عام 2023!. وطبعا أن أنتهاء معاهدة (سيفر)، والتحرر من كل قيودها سيجعل من تركيا قوة جبارة مرعبة في المنطقة أكثر مما هي عليه الآن!. ونفس الشيء يقال عن أيران بأعتبارها أحد اللاعبين الأقليميين الأقوياء ولها تأثيرها الواضح والقوي والمؤثر على دول المنطقة لاسيما مواقفها المعروفة والمتشددة تجاه اسرائيل وأمركا منذ منذ نجاح (خميني) بثورته على نظام الشاه عام 1979، ولا زالت لحد الآن تتبنى جبهة المقاومة والتصدي في المنطقة ضد أمريكا!، رغم الحصار القاسي الذي تفرضه امريكا وبعض دول الغرب عليها، لذا ان موقف ايران وصورتها على ضوء هذه المتغيرات ستحدده نتائج الأنتخابات الأمريكية!، ومن خلال قراءة المشهد الأمريكي الأيراني بصورته الحالية، فأن تأثير أيران في المنطقة سيكون قويا من جديد في حال فوز المرشح الديمقراطي!، وعلى العكس سيخفت دورها وتاثيرها في المنطقة في حال تجدد فوز المرشح الجمهوري (ترامب)، ولربما سيحدث تغييرات حتى في داخل أيران!، هذا وعلينا أن لا ننسى بأن أيران تعرف كيف تلاعب خصومها ، أي كيف تلاعب الرئيس (ترامب) الجمهوري وتتجنب شر تهديتاته تجاهها!. من جانب آخر نقول أذا كان القرن الماضي شهد الصراع البارد والتقليدي لتقاسم النفوذ على العالم بين أمريكا والأتحاد السوفيتي السابق، فالقرن الحالي شهد بروز التنين الصيني بشكل مرعب وقوي، فالصين تمتلك كل أسباب القوة والنجاح والتفوق على أمريكا علميا وأقتصاديا وماليا!، فهل سيقف التنين الصيني ندا أمام غطرسة أمريكا وتفردها بالعالم بعد أنهيار الدب الروسي نهاية ثمانينات القرن الماضي؟، لا سيما وأن التنين الصيني سيقف أمام أمريكا بأقتصاد قوي ومتين وبكامل عافيته وقوته وتقدمه التكنلوجي الخرافي؟. كما أن الصين لم تستنزف طاقتها البشرية والمالية، في الحروب وفي التدخل بشأن هذه الدولة وتلك كما فعلت أمريكا التي خسرت ترليونات الدولارات واللألاف من جنودها بسبب حروبها التي خاضتها هنا وهناك من أجل السيطرة والأستحواذ والتفرد بالعالم!. ومن جانب آخر أن الصين لا تعاني من كره غالبية شعوب العالم لها مثل أمريكا! التي خسرت أحترام وصداقة الكثير من شعوب العالم لأنها طالما وقفت مع الباطل ضد الحق!. حقيقة أن ملامح الصراع الأمريكي الصيني قد بدأ، وما جائحة كورونا ألا أول وجه لذلك الصراع!، ناهيك عن موضوع (طريق الحريرالصيني)(( وهو خط المواصلات البرية القديمة الممتد من الصين وعبر مناطق غرب وشمال الصين وآسيا كلها الى المناطق القريبة من أفريقيا وأوربا حيث تجري من خلال هذا الطريق كل التبادلات الواسعة النطاق من حيث السياسة والأقتصاد والثقافة بين مختلف المناطق والقوميات)). ومما لا شك فيه أن هذا الطريق سيمثل تهديدا أقتصاديا كبيرا وحقيقيا لأمريكا!، لأنه سيربط أقتصاد الدول العربية بالصين وسيسرق كل الأضواء الأقتصادية للعالم نحوه، بل أنه سيسحب بساط الأقتصاد العالمي ويطويه ليكون تحت أقدام التنين الصيني الرهيب!. أخيرا نقول: لك الله يا عراق ولشعبك وللأجيال القادمة، وكيف ستكون وكيف سيعيش شعبك في ظل هذه المتغيرات العالمية والتحديات الرهيبة، وأنت تعيش في ظل طبقة سياسية فاسدة دمرت كل شيء بالعراق، لا سيما وأن أمريكا والغرب وأسرائيل وأعداء الداخل والخارج جعلوا من العراق بقرة حلوب فقط ، تدر عليهم بخيرات النفط وباقي النعم والثروات الأخرى، ولكنها ترعى بين المزابل لتبحث عن طعامها!؟.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط