تقشير حراشف اللغة : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

صاحت عليه زوجته بنفاد صبر ، ربما أنها كانت تنتظره أو تريد منه شيئا ، فصاحت عليه :

ــ ماذا تفعل حبيبي ؟ .. تعال نام الوقت بات متأخرا

أجابها شارد الذهن وبلهجة لا مبالية ت

قريبا :

ــ اشتغل !..

فردت مستغربة بنبرة تساؤل :

ــ تشتغل الآن ؟.. في منتصف الليل . فيا ترى ماذا تشتغل يا حبي .. ؟

ــ أقوم بتقشير حراشف اللغة بمشرط التجديد الشاقولية ، لتتحول كل كلمة منها إلى لؤلؤيات كيمياء مشعة نجوما في آفاق قلبي لتستحيل أفراسا جموحة تصهل في برية رؤياي تواثبا جنونيا نحو ماورائيات ملتبسة غموضا من أكوان خفية ، تستوطن قلبي الهائج إعصارا لا يهدأ دمدمة غاضبة ، لالغمها ـــ فيما بعد ــ بديناميت الحواس التفكيكية تثويرا وتفجيرا في مناجم رغبات متلظية حمما من صواعق عملاقة ، وهي تعوي مقعية على سرير ليل يمخر سفنا من شُهب ساطعة

جبارة تتجول بين شرايين شهوات مستنفرة بين فخذي غابة تئن حنينا إلى قبلة بركان ثائر يأتيه موجات عالية من نار وصواعق رغبات ، و …… ………………

تقاطعه زوجته بنبرة متوسلة :

ــ لم أفهم ولا كلمة واحدة مما قلته الآن حبيبي .. أمل أنك لستَ مصابا بسخونة مجددا ؟..

ــ كم اتمنى لو كان حاضرا هنا شاعرنا المتجدد ” أبو التمام ” ” ليسمعكِ و يجيبكِ أيضا : ” وأنت لماذا تفهمينني ” .. ولكن لا بأس لاباس !..

ــ أبو التمام؟ .. ما دخله في هذا الأمر ؟ .

ـــ … تماثيل رخامية لإلهات ما قبل التاريخ

هربت متمردة من متحف منسي عند منحنيات ذاكرة مضرجة ،

فما من تقديسات أو قرابين في ذلك الزمن الهمجي

نحن لسنا بحاجة إليها ، قالت .

هنا طفل متحجر لزمن غابر

يستمتع بنومه اللذيذ والطويل

بينما نحن ننتظر بهوس و نفاد صبر

ذلك الذي لن يأتي أبدا

بديلا عنه هذا المهرج الصارم وهو يوزع كرستالاته هنا وهناك ..

ثم ها هم رجال سيرك يطوون خيمهم رحيلا

ربما لتسلية آخر إمبراطور روماني

يبحث عن صولجانه بين أعمدة بابل ….

و …………………

تقاطعه زوجته قادمة في هذه المرة مع حبة مسكنات سخونة و قدح ماء ، قائلة بلهجة لطيفة و حنونة :

ــ رجاء !..أترك لوحة الكلمات المتقاطعة هذه ليس وقت فك احاجيها الغامضة ! ..ابلع الحبه حبيبي حتى ترتاح ! .. فدعك من عملية تقشير البصل فهذا يقع ضمن شغلي أنا في المطبخ ..

يدمدم بنبرة متساءلة و ساخطة مكتومة :

ــ تقشير البصل ؟ .. أم تقشير حراشف اللغة و تفجيرها تجديدا ؟ ..أنا لست مصابا بحمى ولا مريضا ..كلما في الأمر أحاول تجديد لغتي الشعرية فحسب.!!.. فهل من الصعب عليك فهم هذا الأمر البسيط ,, فأنا لستُ شاعرا سهلا بل غامضا جدا فعلى القارئ أن يقرأني مرارا و تكرار حتى يفهمني إذ يريد الحصول على نشوة روحية مترعة

ــ عفو .. آسفة .. فكرتُ تتسلى بلوحة الكلمات المتقاطعة !.

ــ تصبحين على خير !.. سأواصل انشغالاتي بتقشير حراشف اللغة حتى آخر مسام .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here