من تأريخ الفقهاء

من تأريخ الفقهاء، الدكتور صالح الورداني
———-
روى الذهبي في تأريخه: في سنة ثلاث وأربعين ومائة : شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث، والفقه، والتفسير..
فصنف ابن جريج بمكة، ومالك الموطأ بالمدينة، والأوزاعي بالشام، وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة، ومعمر باليمن، وسفيان الثوري بالكوفة..
وصنف ابن إسحاق المغازي، وصنف أبو حنيفة الفقه والرأي..
ثم بعد يسير صنف هشيم والليث وابن لهيعة، ثم ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب..
وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودونت كتب العربية، واللغة، والتاريخ وأيام الناس..
وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم، أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة..
وروى في حوادث سنة سبع عشرة وثلاثمائة:
وَفِيهَا وَقَعَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ بِبَغْدَاذَ بَيْنَ أَصْحَابِ أَبِي بَكْرٍ الْمَرْوَزِيِّ الْحَنْبَلِيِّ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْعَامَّةِ..
وَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْجُنْدِ فِيهَا، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْمَرْوَزِيِّ قَالُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} الإسراء: 79
هُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُقْعِدُ النَّبِيَّ (ص)مَعَهُ عَلَى الْعَرْشِ..
وقَالَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى: إِنَّمَا هُوَ الشَّفَاعَةُ، فَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ وَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ قَتْلَى كَثِيرَةٌ..
وروى السيوطي في كتابه الحاوى في الفتاوى: أَنَّ محمود بن زنكي الملقب نور الدين الشهيد..
وأتباع آل زنكي هم بنو أيوب الأكراد -حاكم الشام- وهو عم صلاح الدين (ت 569ه ) لَمَّا فَتَحَ الْمَدْرَسَةَ الْكَبِيرَةَ بِحَلَبَ اسْتَدْعَى البرهان البلخي إمام الحنفية فِي زَمَانِهِ فَأَلْقَى فِيهَا الدَّرْسَ..
وَكَانَ الْأَذَانُ بِحَلَبَ عَلَى قَاعِدَةِ الشِّيعَةِ يُزَادُ فِيهِ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ مُحَمَّدٌ وعلي خَيْرُ الْبَشَرِ، فَلَمَّا سَمِعَ البلخي ذَلِكَ أَمَرَ الْفُقَهَاءَ فَصَعِدُوا الْمَنَارَةَ وَقْتَ الْأَذَانِ وَقَالَ لَهُمْ: مُرُوا الْمُؤَذِّنِينَ يُؤَذِّنُوا الْأَذَانَ الْمَشْرُوعَ وَمَنِ امْتَنَعَ مِنْهُمْ أَلْقُوهُ مِنْ فَوْقِ الْمَنَارَةِ عَلَى رَأْسِهِ فَفَعَلُوا فَلَمْ يَعُدْ أَحَدٌ يُؤَذِّنُ عَلَى ذَلِكَ..
وهذه صورة اخرى من صور الإرهاب والتعصب المذهبي وتطرف الفقهاء في مواجهة الآخر واستباحة دمه على أساس أقوال الرجال وروايات هى محل خلاف في ثبوتها..
وهى صورة تمثلت في شخص طالب علم تمرد على رؤية أهل السنة في الصحابة فأفتى الفقهاء بقتله..
روى ابن حجر الهيتمي في كتابه الصواعق المحرقة على أهل البدع والضلال والزندقة..
قال شيخ الإسلام مجتهد عصره التقي السبكي (ت 756ه) : كنت بالجامع الأموي ظهر يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وسبعمائة ،فأحضر إلي شخص شق صفوف المسلمين في الجامع وهم يصلون الظهر ولم يصل ،وهو يقول لعن الله من ظلم آل محمد..
وهو يكرر ذلك فسألته من هم..؟
فقال: أبو بكر..
قلت: أبو بكر الصديق..؟
قال : أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد..
فأمرت بسجنه ،وجعل غل في عنقه..
ثم أخذه القاضي المالكي فضربه، وهو مصر على ذلك..
وزاد فقال : إن فلاناً – أبو بكر- عدو الله..ن
شهد عليه عندي بذلك شاهدان..
وقال: إنه مات على غير الحق، وإنه ظلم فاطمة ميراثها، وأنه كذب على النبي (ص) في منعه ميراثها..
وكرر عليه المالكي الضرب يوم الاثنين ويوم الأربعاء الذي يليه ،وهو مصر على ذلك..
ثم أحضروه يوم الخميس بدار العدل، وشهد عليه في وجهه ،فلم ينكر ولم يقر ،ولكن صار كلما سئل يقول: إن كنت قلت فقد علم الله تعالى..
فكرر السؤال عليه مرات وهو يقول هذا الجواب، ثم أعذر عليه فلم يبد دافعاً ثم قيل له تب..
فقال: تبت عن ذنوبي..
وكرر عليه الإستتابة وهو لا يزيد في الجواب على ذلك..
فطال البحث في المجلس على كفره وعدم قبول توبته ،فحكم نائب القاضي بقتله ،فقتل..
وفصل لنا ابن كثير هذه الحادثة في البداية والنهاية حوادث سنة 755ه تحت عنوان : قتل الرافض الخبيث..
قال : وجد رجل بالجامع الاموي اسمه محمود بن إبراهيم الشيرازي، وهو يسب الشيخين ويصرح بلعنتهما، فرفع إلى القاضي المالكي قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي فاستتابه عن ذلك..
وأحضر الضراب فأول ضربه قال: لا إله إلا الله علي ولي الله..
ولما ضرب الثانية لعن أبا بكر وعمر، فالتهمه العامة فأوسعوه ضرباً مبرحاً بحيث كاد أن يهلك..
فجعل القاضي يستكفهم عنه فلم يستطع ذلك، فجعل الرافضي يسب ويلعن الصحابة..
وقال: كانوا على الضلال، فعند ذلك حمل إلى نائب السلطنة وشهد عليه قوله: بأنهم كانوا على الضلالة، فعند ذلك حكم عليه القاضي بإراقة دمه..
فأخذ إلى ظاهر البلد فضربت عنقه وأحرقته العامة..
ولم ينس ابن كثير في نهاية الحادثة ان يبرز حقده وتعصبه فقال: قبحه الله..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here