الهجرات العربية بأتجاه الشرق قديما ! حضرموت ودورها المحوري في نقل الثقافة الاسلامية الى بلدان جنوب شرق آسيا (اقتباس) ! ح2

الهجرات العربية بأتجاه الشرق قديما ! حضرموت ودورها المحوري في نقل الثقافة الاسلامية الى بلدان جنوب شرق آسيا (اقتباس) ! ح2
د. رضا العطار

كانت القبائل العربية عاد وثمود الموغلة في القدم قد سكنت حضرموت
زمن نبي الله هود الذي جاء ذكره في القران الكريم في سورة الفجر :

– الم ترى كيف فعل ربك بعاد ارم ذات العماد –

الذي يعتقد انهما من ذرية سام بن نوح، قد انقرضتا وتاريخهما مجهول والمتتبعات بشانهما متضاربة, واقدم الاخبار المتواردة عنهما تحدثنا عن حضارة السبئيين والمعينين الني ظهرتا في اعقابهما , 1300 ق م . وعرب حضرموت هم من نسل يعرب بن قحطان ولغتهم لغة سامية, تطل بلادهم على البحر العربي جنوبا و تتاخم الربع الخالي شمالا, وتمتد من وادي نبي الله هود شرقا الى اليمن السعيد غربا. ( 1 ) .

يروي الباحث الاسلامي حسن الامين ان المسلمين قد خرجوا من مدارج صباهم ومنابت اصولهم منذ القرن الاول للهجرة الى ممالك الهند الصينية سعيا وراء الرزق وممارسة التجارة او بحثا عن اوطان أمنة هربا من جور الحكام في وطنهم الام , كان من بينهم جمع من الاسرالعلوية الذين وجدوا في بلاد المهجر فرصتهم الذهبية في نشر العقيدة الاسلامية الصحيحة, بعد ان وصلوا اليها عبر اسفار محفوفة بالمخاطر والاهوال التي تفرزها ظروف البحار

خرجت التيارات الاسلامية الكبرى الى اقطار الهند الصينية من قبل المغامرين من التجار العرب في سفن شراعية كانت تمخر عباب البحار منذ اقدم العصور مستهلة رحلتها من ميناء قاليقوط على الساحل الغربي لشبه القارة الهندية, اكبر مركز تجمع للمراكب القادمة من مواني الشرق الاوسط, كعدن في اليمن و مسقط في عمان و مكلا في حضرموت او من احد مواني خليج البصرة. حيث كانت المراكب الشراعية تبحر عادة عبر مضيق سرنديب – سري لنكا – في فصل الخريف، مستفيدة من الرياح الموسمية في شهري سبتمبر و اكتوبر التي كانت تجرف سفنهم الشراعية شهورا عديدة حتى تصل بها الى جزر سومطرة وجاوه في سفر شاق وطويل, بعدها تواصل سيرها الحثيث باتجاه الشمال حتى تنتهي اخر المطاف في كانتون الميناء الجنوبي للصين.

لقد ثقل تاريخ حضرموت بكثرة الاحدات, وبسبب عدم توفر الدراسات الاثرية الكافية, غاب نصيبها من التدوين. رغم ذلك كله كانت فيها نوعا من الحياة البسيطة الهادئة. فبفضل الامطار الدائمية كانت اراضيها دائمة الخضرة عامرة بالمزارع وبساتين الثمر, لكنها تصحرت تدريجيا بعد ان تعرضت الى الجفاف الدائم بفعل انحسار الجليد في اوربا قبل اكثر من عشرة الاف سنة.
لقد تظافرت الاسباب من ضائقات اقتصادية ومنازعات داخلية ادت الى وقوع حضرموت فريسة للاحتلال الحبشي والفارسي . مع ذلك بقي فيها بعضا من نظم اجتماعية متحضرة ارقى من تلك التي كانت سائدة في مجتمعات القبيلة التي كان اهلوها يسكنون الخيام ويعيشون على رعي الانعام.

جاء الاسلام فكانت له في حضرموت نفس المئاثر التي تركها في المناطق الاخرى في مجال الحياة العقلية, فحل التوحيد محل الوثنية, والمعايير الدينية محل العصبيات القبلية الموروثة من زمن الجاهلية وانتشرت علوم اللغة العربية واتخذت اداب الجاهلية كالشعر والخطابة رونقا جديدا.

لم يكن تاريخ هجرة الحضارمة الى الخارج تاريخ حديث انما كانت بوادرها قد ظهرت منذ زمن الخلافة الراشدة, فقد تركوا بلادهم تحت راية الاسلام جنودا واشتركوا في حروب الروم والفرس فحضروا اليرموك والقادسية كما كانوا ضمن الجيش الاسلامي الذي فتح مصر في عهد الخليفة عمر، بعدها توالت هجراتهم الى اوطان بعيدة بحثا عن سبل العيش. وشواهد قبورهم التي ما زالت باقية الى الوقت الحاضر خير شاهد على ما اقول.

فسواء كان الحضارمة رحالة او تجارا او جنودا الا انهم وبقية المهاجرين من بلاد العرب قاموا في نشر الاسلام حيثما حلوا واينما ذهبوا بصورة سلمية متسمة بروح الاخاء والتسامح ! كما جرى في بلاد افريقيا المدارية والاستوائية, منها الحبشة والصومال وزنجبار وكينيا وتنجانيقا ومدغشقر وجزائر القمر وفي بعض بلدان امريكا اللاتينية غربا, والتي كانوا يبحرون اليها عادة من ميناء عدن في اليمن لقربه من الساحل الافريقي الشرقي, كذلك في الجانب الكبير من شبه القارة الهندية وفي جزائر جنوب اسيا وسيلان و تايلند واندونيسيا والملايو والصين وجزر الفلبين في المحيط الهادئ شرقا, وكان لهم في كثير من هذه الاقطار ثروة ونفوذ وسلطان.

ولما انتقل مركز الخلافة الاسلامية من دمشق الى بغداد عام 132 للهجرة وتغلبت على السلطة العباسية العناصر الفارسية والتركية, وقامت ثورات الخوارج , اصبحت حضرموت في شبه عزلة، يعمها التاخر المادي والثقافي, لكن بعض الاسر تمكنت بمجهودها الخاص ان تنهض بحركة التعليم في نطاق محدود, كانت النتيجة انجاب طليعة من المتعلمين الذين تلقوا تعليمهم التالي بعدئذ في كل من القاهرة ودمشق والقدس وعدن. لقد كان سبب ركود الحركة الفكرية عندهم يعود الى عدم تعاون السلطات المحلية, مما نتج عنها موجة طاغية من الجهل والعزلة الثقافية – وقبيل الحرب العالمية الثانية بادر بعض الحضارمة في جزيرة جاوه, بلاد المهجر في ارسال صحف ومجلات الى بلادهم، ساعدت نسبيا على تحطيم اسوار هذه العزلة.

جغرافيا تتكون حضرموت من وادي طويل يمتد بين ضفتين من الجبال الشاهقة . ومن زارها في القرن التاسع عشر – راى ان سيئون كانت تقبع وسط هذا الوادي كمدينة لكنها اختفت في مجاهل التاريخ , اما شيبان وتريم فهما مدينتان خرافيتان تقعان وسط واحات واسعة من النخيل, تتناثر فيهما ناطحات السحاب من الطين, اما عن قرية غراف فحدث ولا حرج فهي توحي لك بالوهم وتحسك بعزلة قاتلة تنسيك الواقع الذي تعيشه, فهي تقع في لا شئ وليس فيها ما يربطك بالعالم الذي نعرفه. واذا شئت ان ترى الوادي الاخر عليك ان تطرق مسالك وعرة محفوفة بالمخاطر حتى تصل بك الى كهوف وبيوت طينية واطئة تبدوا وكانها واحة باهتة في فصل الجفاف. كل شئ في سيئون مصنوع من الطين, فلا حجر ولا اسمنت, كما ان هناك وادي مكتظ بواحات النخيل تحيط بمدينة تريم وهي قلعة محاطة بسور من الطين وفي داخلها توجد اسوارا طينية متعددة تحيط حول بيوت الاغنياء. واحيانا يتجمهر الناس امام المدخل – يطلقون الرصاص في الهواء ابتهاجا لقدوم الصيادين الذين رفعوا رؤوس الغزلان المصطادة فوق حرابهم.

• مقتبس من كتاب دائرة المعارف الاسلامية لحسن الامين بيروت 1990
و من كتاب العرب في العهد الجاهلي لدزيرة سقال.

الحلقة التالية في الغد !

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here