14.8 ألف عائلة لها صلة بداعش تنتظر العودة لمناطقها

تجد فاطمة صعوبة في إقناع الناس خارج المخيم بأن أحفادها لا يشكّلون خطرًا عليهم وأنهم لا يحملون مسؤولية ما فعله جدهم وآباؤهم. إرث داعش الثقيل لا يزال يرخي بظله على آلاف من عائلاتهم.

وتمضي فاطمة ساعات طويلة بالقرب من بوابة مخيم السلامية للنازحين جنوب شرقي الموصل، في انتظار إذن لعودتها مع أحفادها إلى منطقتها التي طردت منها عام 2017 بسبب انتماءات زوجها وأبنائها. وفاطمة التي تخطت عامها الستين، أرملة عراقية كانت متزوجة من مقاتل في تنظيم داعش، وثلاثة من أولادها انخرطوا أيضًا في التنظيم.

وتقول فاطمة: “قمت بإجراءات التبرئة من زوجي وأولادي ويمكنني التعهد بأي شيء يريدونه مني مقابل السماح لنا بمغادرة هذا السجن والرجوع إلى منازلنا”، تقول ذلك وهي تشير إلى سور المخيم المسوّر بالأسلاك الشائكة والذي يضم ثلاث بوابات محصّنة تمنع أي أحد من الدخول أو الخروج من دون موافقات أمنية. زوج فاطمة كان من مسلحي داعش، ويدعى إبراهيم أحمد الجبوري. قتلته غارة جوية مطلع عام 2017 خلال حرب تحرير نينوى، لكنها تجهل مكان قتله ودفنه. أما أبناؤها الثلاثة خالد ووليد ومصطفى، فلا تعرف عن الأول سوى أنه لحق بمصير أبيه، والثاني مفقود، أما ابنها الأصغر فهو في قبضة القوات العراقية.

نحو14,767 عائلة من نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى، انتمى فردٌ منها أو أكثر إلى داعش نزحت إلى مناطق أخرى أو جمعت في مخيمات خاصة.

وبخلاف فاطمة، فإن أخريات وعلى رغم عددهنّ القليل مقارنة بآلاف العاجزين عن العودة، حظين بغفران من سكان المناطق التي نزحن عنها مع أطفالهن، كأم محمد التي رفضت ذكر اسمها الصريح، إذ يمضي زوجها الذي سلم نفسه للسلطات الأمنية فترة حكم تمتد 15 سنة في سجن الحوت في محافظة ذي قار جنوبي العراق بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي.

وتقول إنها عادت إلى ناحية الشورة حيث أهلها الذين احتضنوها وجيرانها الذين رحبوا بها. وهي تريد مواصلة حياتها وأن لا تتوقف كثيرًا عند تصرفات بعض السكان، ممن قالت إنهم يحاولون باستمرار إظهار كرههم لها ولأطفالها بسبب زوجها. وتابعت: “ما فعله كان خارج إرادته، أعرف ذلك جيدًا. لقد تورط مثل كثيرين مع التنظيم في لحظة عجز ويأس”.

ويقول الرائد أحمد، وهو احد قيادات الحشد العشائري، إن “زوج أم محمد لا يحمل فكرًا متطرفًا وانضمامه إلى داعش لم يستمر سوى شهر واحد فقط وكان بسبب العوز المادي ولحماية أطفالهِ من الجوع الذي أصاب الناس آنذاك”. ويبرر سماح الأهالي بعودة عائلة أبو محمد دونًا عن عائلات أخرى: “لأنه لم يحمل سلاحًا ضد أحد لذلك سُمح لعائلته بالعودة إلى منزلها”.

وتصف منظمات حقوقية دولية ومن بينها هيومن رايتس ووتش احتجاز عائلات من نساء واطفال في المخيمات بسبب انتماء الزوج او الأب أو الأخ بمثابة اعتقال تعسفي يطال بالغين وأطفالًا ويمنعهم من التنقل بحرية من دون ذنب ووصمهم بأنهم دواعش.

وتضم محافظة نينوى أربعة مخيمات تأوي أفرادًا من عائلات التنظيم. وهي مخيمات “الجدعة 1، الجدعة 5، حمام العليل، جبل سنجار، ومخيم السلامية”، وجميعها تديرها منظمات دولية بالتنسيق مع وزارة الهجرة العراقية. يوضح خالد عبد الكريم، مدير الهجرة والمهجرين في نينوى أن عدد العائلات النازحة في المخيمات يبلغ 12 ألفًا أي ما يعادل 59 ألف نازح، بحسب تفصيله.

ويعاني هؤلاء من نقص في الخدمات الصحية والتعليمية ويعيشون حالة من الانتظار والترقب الدائمين خشية ترحيلهم قسرًا من هذه المخيمات التي لا يجد كثيرون ملاذًا غيرها بسبب الحرب التي أتت على منازلهم وأملاكهم.

ويوضح عبد الكريم أن المدارس التي افتتحتها المنظمات الدولية داخل المخيمات، تعاني نقصًا في الكوادر التدريسية كما هي الحال في بقية أنحاء محافظة نينوى وأن لا شيء يمكن القيام به حيال ذلك لأن مهماته تقتصر على تقديم المساعدات الإغاثية وتوزيع النفط الأبيض للتدفئة في الشتاء.

أما فيما يتعلق بدور المنظمات الإنسانية العاملة في المخيمات لإعادة تأهيل العائلات لا سيما التي تعود إلى عناصر من داعش، فيشير أحمد صبحي القره غولي ممثل منظمة (بريدج) للإغاثة والتنمية في العراق، إلى أن منظمته نفذت برامج داخل المخيمات منها ما يتعلق بالعلاج النفسي للأطفال إنما هناك نقصٌ كبير في الإمكانات والمشكلة الأساسية هي الافتقار إلى برامج تأهيل الأطفالِ والعائلات.

ويقترح القره غولي تعاون منظمات عدة في مشروع مشترك تدعمه الحكومة العراقية والأمم المتحدة لإعادة تأهيل الأطفال ودمجهم في المجتمع. ويشدد على أن “العائلات لا تزال وبعد 3 سنوات من وجودها في المخيمات مجهولة المصير، ولا تعرف ما ينتظرها في المستقبل”.

ويلفت القره غولي إلى أن البرنامج الأممي الذي يسمى شعبيًا “عودة عوائل الدواعش”، يدخل ضمن مهمات لجان المصالحة الوطنية وهنالك مناطق رحبت بعودة هذه العائلات كبعشيقة والمحلبية شرق الموصل وغربها. بينما رفضت ذلك مناطق أخرى إلا في حالات قليلة جدًا، مثل ناحيتي الشورة والقيّارة جنوب الموصل. الى ذلك، يحدد الشيخ ميسر الحاصود الدليمي أحد شيوخ محافظة نينوى شروطًا لعودة عائلات عناصر التنظيم إلى المناطق التي تتركز فيها عشيرته جنوب نينوى، تتمثل في أن “يتكفل ذووهم بدفع دية أبناء العشيرة الذين قتلوا على أيدي مقاتلي التنظيم. وتعمل العشائر حاليًا على وضع الحد الأدنى لها. وفي حال حصل ذلك، يُجبر العائدون على الخضوع لدورة تأهيلية في مجال مكافحة الفكر المتطرف وتقديم ما يثبت حصولهم على شهادة من منظمة متخصصة بهذا المجال تؤكد أن الفكر المتطرف لديهم قد زال”.

أحد القضاة في المحكمة المتخصصة بقضايا الإرهاب، فضل عدم ذكر اسمه أو مكان عمله، يقول إن “التبرئة” ليست قانونًا مشرعًا إذ لا أصل له في القوانين العراقية النافذة “إنما هو عرفٌ تبناهُ القضاء لتسيير معاملات العائلات التي انتمى أحد أبنائها إلى التنظيم”.

ويحذر القاضي من الاستمرار بعزل هذه العائلات، مشيرًا إلى أن “مرور الوقت وتراكم الكره تجاه المجتمع، سيجعلها تفكر بالانتقام مستقبلًا، ما يعني تدهورًا للأمن واستمرارًا لحلقة العنف إلى جيل آخر”.

ممثل عشائر جنوب الموصل في هيئة الحشد الشعبي أبو يحيى الحاتم، يتفق مع طرح هذا القاضي. ويؤكد أن بقاء هذه العائلات في المخيمات أمر سلبي وقد تترتب عليه لاحقًا مشكلات تصعب مواجهتها.

ويدعو الحاتم الحكومة العراقية إلى الاضطلاع بدورها والتنسيق مع شيوخ العشائر ووجهائها ومختاري المناطق، التي تمنع عودة عائلات داعش، للتوصل إلى ضمانات قانونية حقيقية لسلامتها وسلامة المنطقة ككل: “هنالك فارقٌ كبيرٌ بين أن يكبر الأطفال في مجتمع متسامح يعتبرهم جزءًا منه وبين أن يكبروا محاصرين في مخيمات ويفكروا باستمرار في الانتقام”.

عن: موقع درج / رياض الحمداني – صحافي عراقي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here