دراسات في تاريخ الزرادشتية وعقائدها/ج7

ا.د. فرست مرعي

ففي علم 1898م تأسست لأول مرة في تاريخ إيران المعاصر الجمعية الزرادشتية في طهران في منطقة (خان مشير) ضمت أربعة عشر شخصية زرادشتية، وهم كل من:

1- کیخسرو شاهرخ

2- اردشیر مهربان

3- شهریار خداداد بهمن رستم

4- فریدون خسرو اهرستانی

5- جمشید مهربان کرمانی

6- جمشید خداداد

7- نامدار کیخسرو

8- اسفندیار رستم

9- بهمن بهرام

10- گیو شاهپور پارسی

11- اردشیر خسرو زارع قاسمآبادی

12- آقا بهمن رستم دینیار

13- شهریار بهرام

14- خسرو شاهجهان

ينظر: خاطرات مهرانگیز دولتشاهی، ، مجموعه تاریخ به روایت تاریخ سازان، شاهرخ مسکوب، غلامرضا کردگاری، تهران، صفحه سفید؛ چگونگی تأسیس انجمن زرتشتیان تهران. بایگانیشده از اصلی در ۳ ژوئیه ۲۰۱۶.

وفي عام1908م أسس زرادشتيو طهران النار المقدسة (آداران) التي خضعت لرعاية كهنة مدينة يزد، وفي عام 1914م تم بناء معبد النار الزرادشتية في طهران (= آتشكده آدريان) في شارع سيتير بمساعدة جمعية البارسيين الهنود والجالية الزرادشتية في طهران، بأمر من أرباب كيخسروشاهروخ، وتحت رعاية موبيدي مدينة يزد(= المقر الرئيس لزرادشتيي

إيران)، وبنوا لاجلها معبداً وفق الطراز البارسي(= على غرار معابد النار في بومباي في الهند)، ووضعوا النار في وعاء معدني ليراها كل متعبد يدخل المعبد.

وكان التاجر والصيرفي الزرادشتي (جمشيد باهملن جمشيديان) قد حافظ على النار المقدسة (= دادكاه) في بيته قبل أن يشعلها (أعضاء المجلس الزرادشتي) في معبد طهران، وفيما بعد صار( جمشيد) من أغنى الناس وأكثرهم نفوذاً وتأثيراً في أواخر العهد القاجاري في إيران. وهو الذي ساند ودعم الحركة الدستورية في إيران، وبعد صعوبات كثيرة دعي مجلس البرلمان للانعقاد في عام1906م، وأصبح التاجر الزرادشتي (جمشيد) أحد أول النواب في المجلس الجديد، وهكذا تعلق البروفيسورة البريطانية (ماري بويس) المختصة بالزرادشتية على هذا الحدث بالقول:” هكذا دوى الصوت الزرادشتي من جديد في برلمان إيران الحاكم بعد أكثر من ألف عام(= في إشارة الى حكم الدولة الفارسية الساسانية). وفي سنة 1909م قُرِرَ بأن تنتخب كلُ أقلية قومية في إيران ممثلاً لها في البرلمان”. ينظر: ماري بويس، تأريخ الزرادشتية من بداياتها حتى القرن العشرين.

ومن جانب آخر أصبح (أرباب كيخسرو شاهروخ) أول نائب زرادشتي في البرلمان الايراني، وهو من عائلة كرمانية قديمة ومتعلمة، أرسل عندما كان صغيراً للدراسة عند البارسيين الزرادشتيين في مدينة بومباي بالهند، حيث بهرته نجاحات البارسيين هناك، فضلاً عما عرفه عن المجد الغابر لتاريخ إيران القديم.

وفي القرن التاسع عشر انتشر اسم (كورش) مؤسس السلالة الاخمينية الفارسية بين البارسيين الزرادشتيين في الهند، واعترف بالقرص الدائري أحد رموز الامبراطورية الاخمينية (= الهخامنشية) والذي كان معلقاً في نقوش العاصمة الأخمينية الفارسية القديمة ( = برسيبوليس- تخت جمشيد) رمزاً للزرادشتية، وعلق بفخر على البوابات الخارجية أمام أعين الجميع لمعابد الناروالمدارس والمؤسسات الزرادشتية في ايران والهند.

وفي سنة 1925م وافق البرلمان الايراني تحت ضغط كيخسرو على استخدام الأسماء الزرادشتية لشهور التقويم الشمسي. وفي السنة نفسها عزل البرلمان آخر ممثل من سلالة القاجاريين الذي ن حكموا إيران من 1796م لغاية عام1925م، ورشح بدلاً عنه رئيس الوزراء السابق (رضا خان بهلوي). ولذا سعى (رضا خان) كثيراً من أجل تقوية الشعور بالفخر القومي من خلال الاهتمام الكبير الذي أولاه لعظمة الامبراطوريات الايرانية السابقة : الاخمينية، والبرثية، والساسانية؛ وبهذا الشكل تطابقت أهداف الشاه مع الاهداف الزرادشتية.

وعندما تم تتويج ( رضا خان بهلوي) شاهاً على إيران في سنة 1925م، ألقى رئيس وزرائه محمد فروغي (1877 – 1942م) خطاباً مجّد فيه التاريخ الإيراني قبل ظهورالإسلام، مصرّحاً أنّ الأمة الإيرانيَّة اليوم استولى عليها شاه ينحدرمن العرق الإيراني الخالص. ثمّ أخذت تعود ملامح إيران القديمة حتى في تسمية الكثيرمن الأماكن والمدن، وطبعت صوره

ببهاء مع صور: زرادشت، وكورش، وداريوس الاول، وغابت تماماً الرموز الإسلامية عن تلك الصور، وازداد نشاط الكهنة الزرادشتيين أثناء هذه الاحتفالات، فاعطوا أحاديث للراديو، عرفت المستمعين من خلالها بتاريخ إيران القديم.

وأدخل الشاه في سنة 1934م تدريس الكتاب المقدس الزرادشتي ( = الآفستا) وفلسفتها، ونصوص باللغة البهلوية والفارسية الدرية الى كلية الآداب في جامعة طهران بعيد تأسيسها في نفس السنة، وزينت الأبنية الحكومية بشعارات وصورالآلهة المجنحة من العصرالأخميني، كما أصدر البرلمان الايراني قانوناً ينص على المساواة بين المسلمين والزرادشتيين، ويعاقب كل من يتطاول على الزرادشتيين، ودعمت الحكومة العلاقة بين زرادشتيي الهند (= البارسيون) وزرادشتيي إيران(= الكَبَرّ)، وأهدى مجلس البارسيين نصباً تذكارياً للشاعر الايراني الفردوسي سنة1934م بمناسبة مرور 1000عام على مولده، وما زال هذا النصب قائماً في وسط طهران، كما صدرت في عهده مجلات ودوريات زرادشتية وبرامج اذاعية حول تأريخها.

وشملت موضة الاهتمام بالزرادشتية الفئة الارستقراطية وكذلك الطبقة الإيرانية المثقفة، وبعض الارستقراطيين من طهران، وكذلك رجال المجتمع والسياسة من المسلمين المعروفين حيث أدخلوا أبنائهم المدارس الزرادشتية ( فيروز باهرام) للاولاد، و(أنوشيروان دادجر) للبنات. وفي إحدى المقابلات الصحفية ثمنت عالياً إحدى بنات الشاه رضا بهلوي الدراسة في المدارس الزرادشتية؛ وهذا كان كافياً لأجل ترسيخ وجهة النظرالرسمية، وكأن الاولاد في المدارس الزرادشتية يتلقون الاسس الاخلاقية الثابتة. ينظر: إيلينا دراشنكو، ترجمة: خليل عبدالرحمن، مكتبة جار جرا، 2007م، ص156 -157.

وقد اجتهد المجمع اللغويّ الإيرانيّ (مجمع اللغة والأدب الفارسي- فرهنگستان زبان و ادب فارسی) الذي تم تأسيسه في 20 أيار/ مايو عام 1935م زمن الشاه رضا البهلوي‌ّ، تحت شعار المحافظة علی الآثار القوميّة، إلی استبعاد الكلمات العربيّة باعتبارها لغة أجنبيّة دخيلة، سعياً مباشراً منه إلی القضاء علی روح الإسلام.

ويعلق الفيلسوف الايراني مرتضى مطهري ( 1919-1979م) على هذه الاجراءات بالقول:”وها هو إلیوم أيضاً يتابع نفس النهج والمسار، وكانوا يقتفون خُطى المؤرخ الإيراني (أحمد كسروي – 1890-1945م) ـ وكان نفسه من أفراد هذه الزمرة فيستخرجون المفردات البهلويّة الغريبة من طيّات الكتب المتروكة والمعاجم اللغويّة، فيجعلونها مكان الالفاظ العربيّة المليحة السهلة المأنوسة التي دخلت في الفارسيّة فأضفت عليها ملاحةً عجيبة. وكان هناك في زمن رضاخان وابنه محمّد رضا البهلويّ مؤسّسة في البلاط ترتبط بوزارة المعارف والثقافة بخصوص هذه الاُمور، وكانت تبذل قصاري وُسعها في محو الثقافة الإسلاميّة والمفردات العربيّة. وكانوا يهدرون أموال الشعب في إدارة المجمع اللغوي‌ّ الواقعة خلف مدرسة (

سبهسالار) في هذا الامر، فقاموا بتغيير اسم (مسجد) إلی (دمرگاه)؛ و(قبرستان = المقبرة) إلی (گورستان)؛ و(اجتماع ) إلی ( گردهمائي)؛ و(خصوصاً ) و(مخصوصاً) إلی (ويژه)؛ و (جمع وتفريق وضرب وتقسيم ) العمليّات الرياضيّة الاربع إلی (أفزايش وكاهش وزدن وبخش). وهكذا الامر في سائر المصطلحات الرياضيّة، بحيث كان المعلّمون أنفسهم يصابون بالدوار أحياناً ويعجزون عن بيان ما يرمون إلیه. وهذه الاُمور تحصل من أجل إبعاد الناس عن لغة القرآن، ولقطع ارتباطهم بـ ( نهج البلاغة)، ولتغريبهم عن الجمعة والجماعة، ولسلب معرفتهم بهذه المعارف الاصيلة. ومن هذه المقولة حذف حرف الطاء من الكلمات وإبداله بحرف التاء، كتبديل كتابة لفظ طهران إلی تِهران؛ والامر كذلك بالنسبة إلی باقي الحروف العربيّة مثل: ظ، ص، ض، ع، غ، ث، ذ” ينظر: الاسلام وإيران.

ويستطرد السيد مطهري حول فوائد تدريس اللغة العربية للطلاب منذ مراحل الطفولة المبكرة:” ولو كان تدريس العربيّة يجري في يُسر وسهولة منذ زمن الطفولة، وكان ضمن برنامج الاطفال، ثمّ يتدرّج الامر، لصار فتياننا وشبابنا قادرين عند بلوغ المرحلة الجامعيّة علی القراءة والكتابة والتكلّم بالعربيّة، ولأضحوا قادرينعلی مراجعة الثقافة العظيمة للتأريخ والحديث والفقه والتفسير، وعلي الارتواء من مناهل العرفان. لكنّهم ـ علی العكس وضعوا دراسة العربيّة في المراحل العإلیة، بأُسلوب غير صحيح يعسر فهمه علی المعلِّم والتلميذ علی حدٍّ سواء. فهم يتعمّدون إتعاب التلاميذ وسلب اشتياقهم للتعلُّم. ثمّ إنّهم يضعون درجة امتحانيّة للرياضيّات ( من الجبر والحساب الاستدلإلی ) وللفيزياء والكيمياء، ولا يضعون درجةً للعربيّة، بل إنّهم يضعونها في درجة تافهة يتساوي فيها وجودها وعدمه. مرتضى مطهري، الاسلام وإيران، المرجع السابق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here