بعد خذلان ترامب.. هل يكسر بايدن قاعدة “ليس لهم صديق سوى الجبال” ويحقق حلم الدولة لأكراد العراق؟

صلاح حسن بابان

أنعش فوز الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة الأميركية آمال الأكراد بعد فترة مليئة بخيبات الأمل والانكسارات والتناقضات والأزمات مع سياسة الرئيس دونالد ترامب وخذلانه أكراد العراق في أكثر من محطة سياسية، أبرزها رفضه استفتاء الانفصال الذي أجراه إقليم كردستان العراق عام 2017، وسماحه بتوسع التدخل الإيراني والتركي في شؤون الإقليم، والسماح لتركيا باستهداف العمال الكردستاني.

 اتجهت أنظار العالم وازدادت التساؤلات والتوقعات حول سياسة واشنطن للسنوات الأربع المقبلة في المنطقة، وكيف سينسج خيوطها بايدن في تعاطيه مع الخلافات الدائرة بين بغداد والإقليم، وهل سيبقى على موقفه السابق بشأن قيام الدولة الكردية عندما كان نائبا للرئيس باراك أوباما، أم سيتغير مع وصوله إلى سدة الحكم؟ وهل سيخذل الأكراد مرة أخرى كما فعل ترامب، وهو المصنف ضمن لائحة السياسيين الأميركيين الداعمين للقضية الكردية في المنطقة؟

 تسابق كردي

وتسابق القادة الأكراد وماكيناتهم الإعلامية لتقديم التهاني بفوز بايدن متفائلين بتعاون مثمر ومرحلة جديدة من العلاقات الإيجابية بين الطرفين أكثر من المرحلة السابقة، كما أشار إلى ذلك كل من رئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني، ورئيس الحكومة مسرور البارزاني، إضافة إلى رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني في برقيات تهنئة بعد فوز بايدن.

 وانتقد مراقبون في الشأن السياسي الوهم بدعم واشنطن لهم من أجل استقلال إقليم كردستان عن العراق، وازدهار أوضاعهم وإيجاد الحل لأزماتهم وأوضاعهم الاقتصادية والسياسية المضطربة منذ أعوام، والتي أثقلت كاهل مواطن الإقليم نتيجة الخلافات الدائرة بين بغداد وأربيل حول استحقاق الإقليم وتسليمه واردات النفط للحكومة العراقية، والتي أدخلت إقليم كردستان في فترة مظلمة بعجزه عن دفع رواتب موظفيه لأكثر من 60 يوما.

 وتنتظر الأكراد مرحلة جديدة، وعليهم التعامل معها بعقلانية والاستفادة من الأخطاء السابقة في التعاطي مع الملفات المهمة، وألا ينتظروا أي تغيير في السياسة الأميركية إزاءهم كما يقول السياسي الكردي المخضرم محمود عثمان، عازيا ذلك إلى أن واشنطن تنظر إلى العراق ككتلة واحدة غير قابلة للتقسيم، والأكراد جزء من العراق، وحل مشاكلهم يكون في بغداد وليس في مكان آخر، وليس للأكراد أي ضمانات لنيل استحقاقاتهم سوى الدستور العراقي.

 ويضيف عثمان أن التجارب السابقة مع السياسة الأميركية تؤكد ذلك، ولن يتغير التعاطي مع الإقليم بمجيء أو ذهاب الأشخاص، سواء كان ترامب أو بايدن أو غيرهما، إلا أن بايدن يبدو أكثر قابلية للتفاهم من ترامب، فلديه اطلاع جيد على القضية الكردية.

 وختم عثمان حديثه للجزيرة نت بأنه لا توجد أي جملة في السياسة الخارجية الأميركية تقول “الدولة الكردية”، وإذا قالها بايدن مرة لمسعود البارزاني في اجتماع بينهما كما ذكر الأخير فهي ليست إلا للمجاملة.

 جوهر الخلاف

وشكلت إدارة المناطق المتنازع عليها في المادة 140 من الدستور العراقي أبرز نقاط الخلافات بين بغداد وأربيل منذ أعوام دون حل حتى الآن، إلا أن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في برلمان إقليم كردستان ريبوار عبد الرحيم يرى أن سياسة بايدن تؤكد على تطبيق مواد وبنود الدستور العراقي وتلبية مطالب الأكراد المذكورة فيه.

 وأضاف أن الأكراد متفائلون بأن بايدن سيعمل على دعم العودة إلى اتفاقية 2014 التي تنص على إدارة الملف الأمني في هذه المناطق بشكل مشترك بين قوات البشمركة الكردية مع القوات العراقية وإخراج عناصر العمال الكردستاني والحشد الشعبي منها.

 وستكون لبايدن سياسة مختلفة عن التي كان ينتهجها ترامب في دعمه للأكراد باعتباره صديقا قديما لهم، لكن على الإقليم أن يكون مستعدا للتعامل مع تطورات الأحداث كما يقول عبد الرحيم للجزيرة نت، والأخذ بعين الاعتبار تداخل مصالح أميركا وتأثيرها على صنع القرار بالنسبة لبايدن، متفائلا بأن يعيد الرئيس الجديد القرارات للمؤسسات الأميركية بعد أن احتكرها ترامب لنفسه.

 قرارات كردية

وعادة يدفع تغير مصالح واشنطن مع الأحداث إلى تغيير سياستها في المنطقة، ومنها العراق والإقليم، وهذا ما يزرع الأمل باختلاف سياسة بايدن مع الأكراد، على عكس ترامب الذي كان خشنا معهم ولم يسجل له أي موقف مؤيد لهم كما يقول النائب المعارض في برلمان كردستان سيروان بابان.

 وحسب بابان، فإن ما يعرقل إمكانية حل مشاكل أربيل مع بغداد وغيرها من المشاكل الأخرى أن القرارات فيها تدار بشكل شخصي من قبل القادة الأكراد تلبية لمصالحهم ورغباتهم الحزبية، واضعا هذه الخطوة ضمن خانة الفساد.

 وحسب حديث بابان للجزيرة نت، فإن تغيير سياسة واشنطن لمصلحة الأكراد -من خلال بايدن- بشكل إيجابي، وخروجها من الدائرة الخشنة كما كان يفعل ترامب مقترن بأن يصحح القادة الأكراد أخطاءهم السابقة والاستفادة منها والابتعاد عن المصالح الحزبية والفئوية الضيقة والعمل على تحقيق تطلعات شعبهم بدلا من الانشغال بجمع الثروات كما يحصل في الإقليم منذ سنوات.

 ولم يساهم ترامب خلال سنواته الأربع الماضية في الرئاسة الأميركية في حلحلة المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل، إلا أن المحلل السياسي علي البيدر يتوقع أن يكون بايدن أكثر واقعية وموضوعية في التعامل مع هذا الملف على أرض الواقع بشكل مباشر عكس ترامب، وذلك من خلال معرفته بالواقع العراقي وابتعاده عن أسلوب الربح والخسارة المعتمد من قبل ترامب.

 مصلحة بايدن وأميركا

وتحدث بايدن في السابق عن تقسيم العراق إلى 3 مناطق لاجتياز مرحلة التصادم القومي والمذهبي الذي مر به البلد منتصف العقد الماضي، إلا أن المرحلة الحالية -حسب رد البيدر على سؤال للجزيرة نت فيما إذا كان بايدن يدعم استقلال كردستان أم لا- تغيرت في العراق، وربما عقلية بايدن ومصلحة أميركا لا تقتضيان تقسيم العراق وتجزئته إلى عدة أقاليم أو دول.

 ودعا البيدر إقليم كردستان إلى توظيف علاقاته الإيجابية مع الديمقراطيين للاقتراب أكثر من أميركا في المرحلة المقبلة رغم الشمولية الواضحة في واشنطن مع الأحداث.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here