دور الحب في حياة الانسان

دور الحب في حياة الانسان (*) د. رضا العطار

قد يكون في وسعنا ان نقول : ( انه طالما بقى على ظهر البسيطة اناس يحبُون ويحبَون، فستظل الحياة جديرة بان تعاش، وسيظل الوجود نعمة تستحق التقدير )
وسواء نظرنا الى التجربة البشرية على مستوى الفرد ام على مستوى الجماعة، فاننا لن نستطيع ان نعد (خبرة الحب) مجرد تجربة هامشية، بل لا بد لنا من الاعتراف بانها تجربة مركزية. وآية ذلك ان الانسان – هذا المرء الذي لا تتاح له فرصة الحياة سوى مرة واحدة – لا يمكن ان يحيا وحيدا، لكي لا يلبث ان يمضي وحيدا (كما جاء وحيدا) بل هو لا بد من ان يجد نفسه مضطرا الى توسيع دائرة وجوده بالعمل على توليد حياة بشرية جديدة يخلفها وراء ظهره ! وليس اجمل في الحياة من ان يعمل المرء على خلق الحياة، حتى يحيا في شخص طفله الذي هو ثمرة تلاقي شخصين، احب احدهما الآخر فتولد عن حبهما ذلك (الثالث) الذي هو نقطة تلاقيهما.

ولم يجانب الفيلسوف الياباني اونامونو الصواب حين قال :
(ان الحب حليف الرغبة في البقاء) – – – فان استمرار الحياة في شخص الذرية هو صورة من صور التمرد على الفناء، اي النزوع نحو التغلب على الموت حين يحيا الانسان في نسله. وتأكيدا على ذلك، يصرح الشاعر هوراس قوله : ( وكأن الانسان يقيم لنفسه الدليل على انه لن يموت تماما non omnis moriar ).

والحق ان الانسانية بحاجة الى (الحب) لكي يتحقق المعنى الحقيقي للحياة البشرية كما قالها الباحث الامريكي الشهير ادلر.
ولو اننا فهمنا (الحياة) على انها (مشاركة في الكل) ، لكان علينا ان نعد (الحب) مساهمة فعالة في تحقيق معنى (الحياة) – – – وليس ايسر على الفرد بطبيعة الحال من ان يعزل نفسه عن (الكل) لكي يوحى الى نفسه بانه (عالم) بأكمله، او انه هو (الكل في الكل)، لكنه عندئذ لن يلبث ان يستحيل الى (كيان تافه) تذروه رياح الفناء دون ان يشعر بوجودها ودون ان تحس حياته نفسها بانه قد عاش او مات.

وفي هذا الشأن يعود البروفيسور الفرد ادلر ويضيف 🙁 ماذا حدث لاولئك الذين لم يتعاونوا قط بل اكتفوا بان يخلعوا على حياتهم معنى آخر مقتصرين على التسائل : – ما الذي يمكنني ان انتزعه من الحياة – ؟ – – – في الواقع انهم لم يخلّفوا اي أثر وراء ظهورهم. وهم لم يموتوا فحسب، بل لقد كانت حياتهم نفسها شيئا عديم القيمة ! ويخيل اليّ ان كوكبنا الارضي يخاطب امثال هؤلاء فيقول لهم :
– اننا لسنا في حاجة اليكم : فإنكم لستم مؤهلين للحياة، وليس ثمة مستقبل لمقاصدكم ومطامحكم عندنا، بل ليس ثمة موضع عندنا للقيم التي تتمسكون بها، ونحن في غنى تام عن عقولكم وافئدتكم – – – فأمضوا اذن ! لأنكم لستم مطلوبين ! ليطويكم النسيان ولتذهبوا الى غير رجعة )

صحيح ان ادلر يعترف بان هناك من (معاني الحياة) قدر ما هناك من ( موجودات بشرية) ولكنه يعود ويقرر ان المعنى الحقيقي للحياة هو ذلك المعنى المشترك الذي تاخذ به البشرية قاطبة، لانها ترى انه يصدّق على اهداف الكائنات البشرية جميعا وينسحب على غايات الناس اجمعين – – – ومن هنا فان (حياتي انما تعني ان اهتم باشباهي من الناس وان اكون جزء من كل وان اسهم بنصيبي في تحقيق سعادة البشرية )

وهكذا نخلص الى القول بان (الحب) خبرة اصيلة تدخل في تكوين نسيج الوجود البشري، ان لم نقل انه (القيمة الكبرى) التي تخلع على الحياة البشرية جانبا غير قليل من دلالتها وجمالها، تجعل الانسان يتمتع عمق مشاعرها ورقة احاسيسها، ولو قدّر للبشرية يوما ان تنحدر الى هاوية العدم، فلن يكون معنى ذلك سوى ان (الكراهية) قد استبدت بعقول بني البشر فحلت عندهم مكان (المحبة) واستطاعت ان تحيل نشاطهم الانتاجي البناء الى مجرد نشاط تخريبي هدّام.

* مقتبس من كتاب فلسفة الحياة للدكتور زكريا ابراهيم – جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here