دراسات في تاريخ الزرادشتية وعقائدها/ج11

دراسات في تاريخ الزرادشتية وعقائدها/ج11

أ.د. فرست مرعي

وكانت الكتب الزرادشتية المقدّسة تؤلّف على عهد الساسانيين(224-651م) مجموعاً ينقسم إلى أحد وعشرين نسكاً، أي كتاباً، وصلنا التاسع عشر منه تامّاً، وهو (الفنديداد)، أمّا المتون الأخرى، فهي: الفيسبرد، واليسنا، والخرده أفستا، واليشتات(= الأناشيد). كتاب الفنديداد أهم الكتب التي تتألف بها الأبستاه، نقله من الفرنسية: داود الجلبي، قدم له: جرجيس فتح الله (أربيل: منشورات ئاراس، الطبعة الثانية،2001م)، ص38.
والجزء الثالث من الكتاب – الفنديداد – يتناول الطقوس الخاصة بالتخلّص من الأرواح الشـريرة، كما تدّعي تلك الديانة، وكذلك تبيّن نصوصها بداية الطب الزرادشتي والعلوم الطبيعية.
وإذا نظرنا إلى الفنديداد، وجدنا القسم الأعظم منه يبحث عن قواعد التطهير، ويعني بها طرد الشيطان من الأشياء التي نحبسها. فهو كتاب الشــريعة التي تعتبر عدوّة الديوات. بيد أن اثني عشـر من فصوله الاثنين والعشـرين ليس لها صلة بدفع الشياطين، فإن الفصلين الأولين، والفصول الثلاثة الأخيرة، هي من نوع القصص والخرافات. أما الفصل الأول، ففيه تعداد المدن الإيرانية التي أوجدها هرمزد، والبلايا التي صبّها عليهم أهريمن.
وفي الفصل الثاني، بحث عن التاريخ القديم، وكيف أن هرمزد كلّف (يما أخشائه ترا- Yima Khshaetra – الملك العادل)، وهو (جمشيد)، بتبليغ رسالته للناس، وكيف رفض يما . ويما: في الأصل (يِمَ) بكسر الياء، وفنح الميم. نكتبها يما لأظهار فتح الميم.ينظر: كتاب الفنديداد أهم الكتب التي تتألف بها الأبستاه، نقله من الفرنسية: داود الجلبي، ص39، هامش(35).
هذا التكليف،  لكنه قَبِل أن يسوسَ العالم، ويطردَ منه المرض والموت. وهذا الفصل يصف أيضاً الـ (فار Var). والفار: يشبه الباحثون فار يما بفُلك نوح. القصد من كليهما تخليص قسم من البشر والحيوانات من الانقراض. والفرق بينهما أن نوحاً ينجي المؤمنين من الطوفان. ويما ينجي أحسن نماذج من الناس والحيوانات والنباتات من البرد. فالفرق إذن منبعث من اختلاف جغرافي اقليمي. ينظر: الفنديداد، المصدر السابق، ص46، هامش(47).
، الذي أمر هرمزد (يما) بإنشائه كي يكون ملجأ لأجمل نماذج الحيوانات والنباتات، لإنقاذها من الاشتية المهلكة، فتنسل هذه النماذج، وتجدّد عمارة الأرض، بعد تلك الاشتية التي يرسلها (مهركوشا Mahr Kosha. ومهركوشا: ساحر يرسل ثلاثة أشتاء مميتة مع أمطار مخربة تدعى (ملكوسان).ينظر: الفنديداد، المصدر السابق، ص39، هامش(36).
في آخر الزمان.
وأمّا الفصول الثلاثة الأخيرة، فتبحث عن أصول الطب، وقدرة المياه، والكلمات المقدسة، في شفاء الأمراض.
عدا ذلك، نجد في الفصل التاسع عشـر، جهود أهريمن الفاشلة في إهلاك زرادشت، وإضلاله، ونبذة من وحي هرمزد إلى زرادشت.
يبقى ستة عشـر فصلاً، من الثالث إلى الثامن عشـر، قد خصّصت كلّها تقريباً لمسائل تشـريعية (= الفقه في المصطلح الإسلامي). فيبحث القسم الأعظم من الفصول 5- 12 عن النجاسة المتولّدة من الموت، ومن مسّ الميّت، وعن الوسائل التي يجب اتخاذها لإزالتها.
والفصلان 16 – 17، وقسم من 18، تبحث عن النجاسة التناسلية، وغيرها. والفصلان 13 – 14، وقسم من الفصل 15، تبحث عن الكلب، وفضله، وحقوقه، وسجاياه، وعن العقوبات المترتبة على من يقتله. والفصل 3 يبحث عن حرث الأرض. والفصل 4 عن العقود والعقوبات.
ليس في كثير من هذه المتون انسجام ووحدة كاملة ـ ففي أغلبها خروج عن الموضوع، وفيها أقسام مكرّرة في الفصول. يستثنى من ذلك بعض المتون القصيرة، كالفصل 10 في عدد تكرار الجمل المستعملة في العزائم والرقى. والفصل 11 في طرد الشيطان من الأشياء النجسة. والفصل 12 في مدّة الحداد عند موت مختلف الأقارب. والفصل 17 في كيفية قصّ الشعر، وتقليم الأظافر.
وتذكر باحثة بريطانية مختصة بالزرادشتية: “لعلّ أحد النصوص الزرادشتية، وهو (الفنديداد)، كتب وفق التقاليد الشفهية المشتتة، نتيجة أمر فالاهش (= ولكاش الأول). يكرس القسم الأعظم من هذا الكتاب النثري لقواعد مساندة طقوس الطهارة، وتجديدها بعد كل نجاسة، تلك الطهارة التي عدّت حماية جبارة ضد قوى الشـر. تعرض القواعد على صيغة الأسئلة والأجوبة بين (زرادشت وآهورامزدا)، وهو أسلوب مألوف لنقل التعاليم في الأدب الشفاهي. يتضمن الفنديداد مواد أخرى، بما فيها تلك التي تستطيع أن تلتحم مع أساس النصّ، وكان هذا مقصوداً بهدف الحفاظ على (كل شيءٍ وصلنا من الآفستا)…” . ماري بويس، تأريخ الزرادشتية من بداياتها حتى القرن العشرين، ترجمة: خليل عبدالرحمن (السليمانية: مركز الدراسات الكردية (الكوردولوجى)،2010م)، ص112.
وتستطرد الباحثة في الحديث حول لغة كتاب الفنديداد، بالقول:” لغة الفنديداد هي لغة آفِستا المتأخرة، أما قواعدها فهي مشوّهة…” . ماري بويس، تأريخ الزرادشتية من بداياتها حتى القرن العشرين، ص112.
ويبدو أنه هناك نظامان للمقاييس استعملا في كتابة الفنديداد، أحدهما إيراني – بارثي، والآخر يوناني – روماني، “هناك أساس آخر لتأليفه وفق الزمن البارثي (= الأشكاني)… أحدهما إيراني، والآخر يوناني- روماني، ويتضمن فيه وحده، دون كل أجزاء الآفِستا الباقية، ذكر معابد النار، ويُشار إليها مجازاً كنارٍ موضوعةٍ في (مكان محدّد) … نجد في أسطورة (ييما) تأثير ميزوبوتاميا (بتواريخها عن الطوفان والفُلك، التي تأقلمت مع رواياتهم عن الملك الإيراني الأوّل. لعلّ المجوس ألّفوا الفنديداد في غربي إيران…”. ماري بويس، المرجع السابق، ص112.
وبالرغم من أن الفنديداد كُتب مؤخّراً، إلا أن فحواه تشير إلى جذور موغلة في القدم، تصل إلى التقاليد الآرية. فقوانينه صارمة جداً، مملّة، مبهمة ومعقّدة، وهذا لا يتطابق ومعرفتنا عن الزرادشتيين كعشاق السعادة، الأعياد، اللهو، الشـرب، الحرية، وحب الحياة. يعدّ هذا الكتاب وثيقة هامة في الانتربولوجيا القديمة . آفستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، اعداد: خليل عبدالرحمن (دمشق: دار الحياة،2007م)، ص215 ، مقدمة المترجم والمحقق خليل عبدالرحمن.
يتألف الفينديداد من 22 فصلاً، ويسمّى كلّ فصل بـ (فاركارد)، ومن تسعة عشـر ألف كلمة. المصدر نفسه، ص215.
الفصل الأوّل:
يتكلّم في أوّلها عن خلق الأمكنة والبلاد الآرية:
الأول: منطقة آران الذي يسقيه نهر آراس. ( وهو السهل الخصب الذي يقع بين نهر آراس ونهر كور، ويعرف هذا السهل حالياً بقره باغ)،.
 الثاني:  سهل الصغديين.
 الثالث:  مدينة مرو، الحصينة النقية.
 الرابع:  مدينة بلخ الحسناء.
 الخامس:  مدينة نسا، الواقعة بين مدينتي مرو وبلخ.
 السادس:  مدينة هرات، هاجرة البيوت . قيل أن الهراتي كان يهجر داره تسعة أيام أو شهراً كاملاً إذا مات له أحد فيها. ينظر: الفنديداد، المصدر السابق، ص41، هامش(39).
السابع:  مدينة كابل، ذات الظلال الرديئة.
 الثامن: مدينة ميشان، كثيرة الأعشاب.
التاسع:  كانت مدينة (أخننتا)، التي يسكنها الجرجانيون. أخننتا هو (أخنان رود) في هركاني أي جرجان(= بلاد خوارزم). يعني أن الجرجانيين يسكنون على شواطئه، أي شواطيء بحر قزوين من الجهة الأخيرة. ينظر: الفنديداد، المصدر السابق، ص41، هامش(41).
العاشر:  كانت (الرحج) الجميلة.
الحادي عشـر:  كانت (هلمند – سيستان) الجميلة.
الثاني عشـر:  كانت (الري) ذات الأصناف الثلاثة. يقصد بالاصناف الثلاثة الرهبان والمقاتلة والزراع. والري: هي عاصمة إقليم الجبال في مصادر الجغرافية الاسلامية، وهي تقع حالياً في جنوب مدينة طهران؛ والغريب أن مترجم الافستا الدكتور خليل عبد الرحمن حدد موقع الري في ميديا (= كردستان إيران) أي بعبارة أخرى أن كلمة ميديا تنطبق على كردستان، فضلاً عن ذلك انه قال أن الري تقع في شمال طهران، والصحيح ما أثبتناه آنفاً.
الثالث عشـر: كانت (الكرخ) القديرة النقية . ويذكر البلدانيون المسلون مدينتين اسمهما كرخ، احداهما تقع في خراسان، والاخرى في غزنة، كان الرحالة المغربي ابن بطوطة قد زار الثانية منها. 
الرابع عشـر:  كانت (فاره نا) ذات الزوايا الأربع، التي لأجلها ولد أفريدون قاتل الضحاك. وفاره نا: يرجح كونها طبرستان الواقعة جنوب بحر قزوين. ينظر: الفنديداد، المصدر السابق، ص42، هامش(45).
 الخامس عشـر:  كانت بلد (الأنهار الخمسة – البنجاب).
 السادس عشـر:  كانت بلد منابع (رنكها – أروند – دجلة) التي يقطنها شعوب لا رئيس لهم.
1-      يتكلم عن أسطورة ييما، الإله القطبي (رئيس الملائكة الذي أعلن نفسه إلهاً خالقاً، فعاقبه الله، وأدخله جهنم، ثم عفى الله عنه بعد توبته. وفي نص آخر يقال بأنه أكل لحم البقر، وعلم الناس ذلك. فقد كان يعمل الخير، وارتكب إثماً، ويتم ذكر اسم المخلوق (كايومارتان ).
ييما هو جمشيد، وهو أخ تاهما، وهو أوربا، وهو الملك الثالث من سلالة بارادات – السلالة الرسمية الأولى. وتاهما خلّص البشرية من الهلاك الشتوي ببنائه فار مع الجدار الحامي.
تم تقسيم الناس إلى 4 طبقات:
1-             الكهنة.
2-             المحاربون.
3-              الزراع.
4-             الحرفيون.
بعد خطيئة ييما انتشر الفساد، وفقد الإنسان الخلود، وظهر نوع من البشــر، وخوفاً منهم أعطى ييما أخته العذراء لهم، وأنجبت مخلوقات ذات ذيول (هنا تمّ افتراض بأن موطن الآريين هو خلف الدائرة القطبية).
الفصل الثاني:
تكلّم الله أوّلاً مع ييما، مالك الماشية، وأعطى آهورا مازدا لييما عصا ذهبية، وسيخاً بأوتاد مغطّى بالذهب، ومملكتين، وعمّرت مملكته الأولى 300 سنة، وكثرت الخيرات.
كما عمّرت مملكته الثانية 600 سنة، أمّا مملكته الثالثة، فعمّرت حتى 900 سنة.
عقد الربّ اجتماعاً مع الملائكة (الآلهة السماوية)، وحضـر ييما الاجتماع في آريانا.
قال الربّ: سيأتي شتاء شديد البرودة .
هنا يتمّ بحث موضوع الطوفان، وجلب المخلوقات من كل جنس (نبات وحيوان)، كما يتمّ تعظيم مكانة الكلب، وجلب ألف رجل وامرأة من المعابر الأمامية، و600 من المعابر الوسطى، و300 من المعابر الداخلية .
بنى ييما (فار) من الطين، بعد أن أخبره الربّ، وجلب إليها المخلوقات، والمياه، من الطريق الطويلة، كل المخلوقات كانت صحيّة، وغير مشوّهة .
بنى 9 معابر لفار، 6 بالوسط،، و3 من الداخل، وجعل للفار نافذة منيرة من الداخل، وكانت أنوار فار مستقلة، ومخلوقة، تبدو كالشمس والقمر والنجوم، تطلع وتأفل مرّة واحدة، واليوم كان كالسنة، بعد 40 سنة من اثنين من البشر ولد زوجان: ذكر وانثى، نقل ديانة مازدا ياسنا إلى الفار طائر كارشيبت، وكان رئيسه وراته (اورفاتات – نارا ).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here