توأم أسلحة الكواتم.. ماذا يريد البرلمان العراقي من قانون جرائم المعلوماتية؟

توأم أسلحة الكواتم.. ماذا يريد البرلمان العراقي من قانون جرائم المعلوماتية؟

صلاح حسن بابان

بات العراق قاب قوسين أو أدنى من التحوّل إلى سجن كبير لأبنائه بعد خطوات مجلس النواب نحو التصويت على مشروع قانون “جرائم المعلوماتية” والانتهاء من القراءة الثانية له، وسط تكهنات بإعادة البلاد إلى فترات زمنية وصفت بـ”الدكتاتورية” وقمع الأصوات الحرة، في وقت تواجه الطبقة السياسية الحالية رفضا شعبيا واسعا بمظاهرات احتجاجية منذ أكثر من عام في العاصمة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب.

وبدأ الحديث عن القانون المذكور لأول مرة بالدورة الثانية لمجلس النواب العراقي في عام 2011، ولكنه جوبه باعتراضات شديدة لتضمنه مواد أثارت الشكوك حينها وخروجها من خانة معاقبة مرتكبي الجرائم المتعلقة بالابتزاز الإلكتروني والتهديد والمساومات إلى احتمالية أخطر -حسب مراقبين- مسّت حرية المواطن والصحفيين والكُتاب وغيرهم، وسط تساؤلات عدة أبرزها ما أسباب عدم فصل الموضوعين، ولماذا جرى الجمع بين الجرائم الإلكترونية، وبين الحريات والقوانين المتعلقة بها في ميدان الصحافة والإعلام والنقد السياسي، وما ينشر عن قضايا الفساد؟

أهداف القانون

ويهدف القانون -بحسب المادة الثانية منه- إلى “حماية الأفراد والمجتمع من الجرائم الإلكترونية، ومكافحتها، وزيادة الوعي العام بمخاطرها”، في حين تتضمن الفقرة الأولى من المادة الخامسة من القانون “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على 3 سنوات وغرامة لا تقل عن مليون دينار (800 دولار) ولا تزيد على 3 ملايين دينار (2400 دولار)، كل من تنصت لأي رسائل عن طريقة شبكة المعلوماتية أو أجهزة الحاسوب أو ما في حكمها، دون تصريح من الجهة المختصة أو المالكة”.

وتنصّ الفقرة الأولى من المادة الثامنة، على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن 3 ملايين دينار (2400 دولار) ولا تزيد على 5 ملايين (4 آلاف دولار)، كل من يتقصد نشر أو ترويج أو شراء أو بيع أو استيراد مواد إباحية”.

وفي المادة الثامنة نفسها وضمن الفقرة الثالثة، نصت على أن “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 7 سنوات ولا تزيد على 10 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 10 ملايين (8 آلاف دولار) ولا تزيد على 15 مليون دينار (12 ألف دولار)، مَن حاول انتهاك حرمة الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد، وذلك بالتقاط صور أو نشر أخبار أو تسجيلات صوتية أو مرئية، تتصل بها ولو كانت صحيحة”.

وتشير الفقرة الرابعة من المادة الثامنة إلى أنه “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 7 سنوات ولا تزيد على 10 سنوات وبغرامة لا تقل عن 10 ملايين دينار (8 آلاف دولار) ولا تزيد على 15 مليون دينار (12 ألف دولار)، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسوب وما في حكمها بقصد الاعتداء على المبادئ والقيم الدينية أو الأسرية أو الاجتماعية”.

وتشير المادة 16 من القانون إلى أنه “يعد مرتكبا جريمة التحريض كل من حرّض أو ساعد أو اتفق أو اشترك مع الغير على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، فإن لم تقع الجريمة عوقب بنصف العقوبة المقررة لها قانونا”.

من المستفيد؟

وسيحمي القانون بصيغته الحالية النخبة السياسية من الانتقاد -حسب رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية التابع لنقابة الصحفيين العراقيين هادي جلو مرعي- وسيحاول استدراج الفئات الشعبية بحجة حماية الأسر العراقية من الابتزاز والجريمة وانتهاك الخصوصية، بينما هناك مواد قانونية لتهديد المثقفين وتخويفهم وإرهابهم ليتجنبوا انتقاد قضايا الفساد والأداء غير المتوازن للسلطة وللنخب الحاكمة المستفيدة على مستويات عدة.

ورأى مرعي أن هذا القانون يدعو إلى القلق والترقب والنظر بريبة للمقبل من الإجراءات المحتملة من البرلمان، مقترحا ترحيل القانون إلى الدورة المقبلة والتي قد تكون أفضل لاحتمال صعود نخبة برلمانية شابة وواعدة وداعمة للتغيير وحرية التعبير.

وسيخلط القانون الأوراق ويقحم الصحفيين ووسائل الإعلام في مضمونه الذي يعمم ويخصص في الوقت ذاته -حسب رد مرعي على سؤال للجزيرة نت عن أبرز مخاطر القانون- مؤكدا أنه يهدد حرية التعبير، سواء بالنسبة لعامة المواطنين، أو بالنسبة للكُتّاب والصحفيين والمدونين الذين قد يجدون أنهم عرضة للمحاكمة والسجن، خاصة أن القانون لم يعرض على الشعب، ولم تجر مناقشته كما ينبغي مع منظمات معنية بحرية التعبير، وحقوق الإنسان.

سجن كبير

وسيتحوّل العراق بهذا القانون إلى سجن كبير للحريات والآراء المختلفة، ويدخله بمرحلة الخطر ويعيده للدكتاتورية ويمنع الحديث عن الفساد وانتقاده والخروقات المستمرة -كما تقول عضوة البرلمان العراقي ريزان شيخ دلير- متسائلةً ما حاجة العراق لتشريع قانون أغلب فقراته مختصة بأمن الدولة ومكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر والمخدرات مع وجود قانون آخر معنيّ بذلك وهو قانون “مكافحة الإرهاب”؟!

وانتقدت ريزان في حديثها للجزيرة نت سعي البرلمان لإقرار مثل هذه القوانين، وأن العراق بحاجة لتشريع قانون لمجابهة الجرائم الإلكترونية وعمليات القذف والتشهير والمواقع الإباحية، محذرةً من أن التصويت على مشروع القانون بصيغته الحالية سيحرج البلاد أمام دول العالم، ولن تكون هناك حرية متكاملة للأفراد والمؤسسات الصحفية بعد التصويت عليه.

ضرب الديمقراطية

وسيضرب التصويت على القانون الديمقراطية الموعود بها منذ 2003 ويقيد الحريات ويُعيد الدكتاتورية والحكم القمعي المتسلط للشعب العراقي -حسب تعبير الصحفي علي الحياني- مؤيدا رأي ريزان شيخ دلير في أن القانون سيشكل ما يشبه السجن الكبير، معتبرا أنه لا فرق بين القانون الذي سيتحول إلى سلاح جديد بيد أحزاب السلطة لإسكات الأصوات الحرة وبين أسلحة الكواتم التي اغتالت المدافعين عن حقوق الإنسان والمنتقدين للفساد.

واستغرب الحياني من صمت مدونين وإعلاميين وأصوات كانت تحرك الشارع وتنتقد الحكومات بمراصدها ومراكزها واتحاداتها الصحفية ضد الحكومات السابقة مقابل إغرائها بالمناصب “الفضائية” وقربها من السلطة الحالية -ورئيسها مصطفى الكاظمي- التي عمت عيونهم ومحاولتهم جعلها “حكومة ملائكية” في نظر الشعب مقابل شراء ذممهم بأموال الشعب، في وقتٍ تمر البلاد بأزمة مالية خانقة، والكفّ عن الدفاع عن الأهداف التي صدعوا بها رؤوس العراقيين.

الأمن والحريات

بدوره، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ناصر محيي الدين أن لجنته ستعمل على حفظ التوازن بين الحقوق والحريات لأفراد المجتمع والحفاظ على الأمن والنظام العامين من خلال إجراء التعديلات اللازمة على فقرات القانون المتعلقة بحفظ أمن العراق وعدم المساس بسيادته.

وسيساهم إجراء التعديلات على فقرات القانون -حسب رد محيي الدين على سؤال للجزيرة نت عن أهمية عرض القانون على خبراء وأصحاب الشأن قبل التصويت عليه من قبل البرلمان- في استتباب أمن العراق ويزيد من مكافحة الإرهاب الفكري منه والمسلح.

وأكد محيي الدين حاجة القانون لفترة أطول لمناقشته بتمعن وعدم الاستعجال في التصويت عليه في المرحلة الحالية لحين الانتهاء من استشارة المنظمات الجماهيرية والحكومة العراقية، والخروج برأي موحد يخدم الصالح العام ويحافظ على الحريات والآراء المختلفة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here