فصائل مسلحة تحول 6 مناطق محررة لـ ماكنات اقتصادية وتمنع عودة سكانها

بغداد/ تميم الحسن

تمنع فصائل مسلحة في صلاح الدين منذ نحو 6 سنوات، عشرات آلاف من السكان من العودة الى مناطقهم الاصلية، لأسباب تتعلق بنشاطات اقتصادية.

وتتربع مجموعة من الفصائل منذ اعلان تحرير مناطق شمال بغداد من سيطرة داعش (نهاية 2017) على عرش عدد من المفاصل التجارية هناك، وتدير “ماكنات اقتصادية” وبعض الاعمال غير الشرعية كتهريب النفط.

وسمع موفد حكومي رفيع من قبل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تلك الاتهامات مؤخرا من قبل شخصيات من صلاح الدين، ووعد بحل ازمة عودة السكان، واتخاذ إجراءات لمنع الخروقات الامنية في المحافظة.

وتصاعدت في الشهرين الاخيرين، العمليات المسلحة في صلاح الدين، كما تسببت بعض الهجمات التي اتهمت بها فصائل مسلحة بازمة انسانية، ودعت الى هروب نحو 20 عائلة الى كردستان.

لماذا لا تخرج الفصائل المسلحة؟

وتعهد قاسم الاعرجي، مستشار الامن القومي، خلال لقاء جمعه الاسبوع الماضي، مع شخصيات ووجهاء من صلاح الدين، بتصحيح الاوضاع في المحافظة.

ووفق مروان الجبارة، المتحدث باسم عشائر صلاح الدين الذي قال لـ(المدى)، ان “الاعرجي ابلغ المجتمعين بانه ممثل الكاظمي، ولديه جميع الصلاحيات”.

وتأخر الاجتماع، وفق شكاوى لشخصيات عشائرية في المحافظة، اعتبرت ما يجري في صلاح الدين بانه “لا يهم الحكومة”.

وقال مصدر طلب عدم نشر اسمه، حضر الاجتماع الذي عقد في بغداد، انه تمت مناقشة “اسباب عدم عودة 6 مناطق رئيسة في صلاح الدين يقدر عدد سكانها بنحو 300 الف”، مبينا ان “اغلب الموانع بسبب فصائل مسلحة”.

نصف تلك المناطق على الاقل نسبة العودة فيها صفر، على غرار ما يحدث في جرف النصر (الصخر سابقًا) جنوب بغداد، والمناطق هي: العوجة (مسقط رأس صدام)، سليمان بيك، وعزيز بلد.

ويضيف المصدر في اتصال مع (المدى) امس، ان “فصائل مسلحة – لم يسمها- تمتنع عن الخروج من مناطق مثل العوجة، وعزيز بلد، لانها سيطرت على احواض السمك والزراعة وبدأت تديرها لصالحها”.

ويتخوف المسؤولون في صلاح الدين من حدوث احتكاكات بين السكان والحشد الشعبي، في حال عودتهم اليها، حيث يفضل الجميع السكوت على وضع الناحية خوفًا من تفجر الأمور هناك.

وبحسب شعلان الكريم، وهو نائب سابق عن صلاح الدين قال لـ(المدى) ان “قرار عودة السكان الى العوجة موافق عليه منذ اشهر، لكن الحشد هناك يرفض اخلاء المنطقة التي حول اكثر منازلها الى مقرات له”.

في بلدة صدام

وتضم ناحية العوجة، أكثر من ألف منزل، بينها أعداد كبيرة فجرت أو أحرقت، اثناء معارك التحرير والفترة التي لحقتها، فسرت بانها اعمال انتقامية ضد اقارب الرئيس السابق.

ويقول المصدر الذي حضر الاجتماع وهو احدى الشخصيات العشائرية في صلاح الدين ان “ابناء تلك المدينة تورطوا بانهم اصبحوا اقارب صدام”، مشيرا الى ان “اغلبهم بلا مال ولا عمل ويدفعون بصعوبة ايجار المنازل التي سكنوا فيها في كردستان”.

ومثل العوجة، هناك سليمان بيك البلدة الواقعة في شرق تكريت، والتي تحررت بعد أقل من 3 أشهر من سيطرة داعش عليها، لكن رغم ذلك يمنع اي من سكانها من العودة مجددًا.

سليمان بيك، وهي ناحية أغلب سكانها يعودون لعشيرة واحدة وهي البيات، تضرر 90 % من المنازل هناك بمستويات مختلفة، بينها 800 منزل دمرت بالكامل، من أصل 4000.

الناحية عادت الى سيطرة القوات العراقية، في نهاية آب 2014، وكان الحشد الشعبي أبرز الجهات التي شاركت في تحريرها، واستمرت في حماية المنطقة حتى وقت قريب.

ووضعت فصائل مسلحة، وهي مسؤولة لسنوات عن الملف الامني هناك، في عام 2015، اشتراطات وصفها مسؤولون بـ”التعجيزية” من أجل القبول بعودة جزء من السكان، حيث وضعت تلك القوات 18 شرطا، بينها ان تتعهد العشائر بعدم حدوث أي خرق امني في البلدة بعد عودة الاهالي. وكان هذا الشرط صعبا للغاية حيث لم ترد أي عشيرة في البلدة أن تتورط في قطع وعد كهذا.

وكانت الناحية، قد دخلت على خط العنف في البلاد، قبل ظهور داعش بعام و4 أشهر، من خلال بعض السكان المتشددين دينيًا استفاد تنظيم القاعدة منهم، مستغلة شيوع الأمية ونقص عدد المدارس وسياسة التضييق التي استخدمتها الحكومات السابقة.

وسقطت الناحية في شباط 2013، بيد مسلحين تابعين للقاعدة في ذلك الوقت، قبل أن تعود لتسيطر عليها القوات العراقية مرة ثانية في 26 نيسان بموجب اتفاق نص على انسحاب المسلحين منها إثر وساطة قام بها محافظ صلاح الدين حينها أحمد عبد الله الجبوري، ثم عادت لتسقط مرة اخرى بيد داعش في حزيران 2014.

لا أعمال ولا منازل

ويقول المصدر، ان “عمليات تعويض المتضررين شبه متوقفة”، فيما اغلب السكان بلا عمل.

وجرت العادة في مبالغ التعويض، ان يحصل المتضرر في أحسن الاحوال على أقل من ربع القيمة المقدرة، وهي مبالغ قليلة جدا، خصوصا أن أغلب السكان فقدوا أعمالهم.

وكان في سليمان بيك “80 معمل بلوك” يعمل في كل واحد منها ما يقل عن 100 شخص، وهي الآن متوقفة تماما ونهبت بعد التحرير، رغم ان داعش لم يصل إليها ولم يفجرها، بحسب ما يقوله المصدر.

ووجد أغلب السكان منازلهم قد نهبت بالكامل، كما تركت نحو 600 كم مربع بدون زراعة لخمس سنوات، كما اختفت الحيوانات التي كانوا يربونها، مما تسبب بخسارة كبيرة لكثير من المزارعين.

وتسببت أعمال النهب بعد التحرير في الناحية، التي لا يعرف بالضبط من المسؤول عنها، في اختفاء مضخات مياه الماء الصالح للشرب، وسلمت 5 محولات كهرباء فقط من أصل 65 من تلك الأعمال.

اما عزيز بلد، جنوب تكريت، حيث نسبة عودة النازحين اليها صفر رغم صدور أوامر بإعادة سكانها، لكن الدمار الكبير للمنازل هناك والذي تصل نسبته الى الـ90 % حال دون ذلك، بالاضافة الى قرار منع من قبل فصائل. ويقدر أعداد السكان في الناحية بنحو 20 ألف نسمة.

ويقول المصدر بانه في الاجتماع مع الاعرجي “اكدنا بان هذه المناطق تتم معاقبتها بشكل جماعي، بسبب تورط افراد منها مع تنظيم داعش”.

وفي بيجي، شمالي صلاح الدين هناك 12 الف منزل مدمر يعيق عودة السكان، لم يحصل اي من المتضررين على تعويضات، كذلك الحال في منطقة الصينية شرق تكريت.

اما في يثرب، جنوب تكريت، فقد كشفت (المدى) مؤخرا، عن وجود مناطق فاصلة بين العشائر السُنية والشيعية، لمنع حدوث اي احتكاكات محتملة بين الطرفين.

منع المجاملات السياسية

وشهدت هذه الناحية، خلال الشهرين الماضيين، اكثر من هجوم كان اكبرها، ماجرى في الفرحاتية، حيث قتل 8 من سكان البلدة واختطف 4 آخرون، مازال مصيرهم مجهولا، فيما يُتهم فصيل مسلح بالهجوم.

ويقول مروان الجبارة، المتحدث باسم عشائر صلاح الدين والذي حضر الاجتماع مع مستشار الامن القومي: “طالبنا باعادة توزيع المتطوعين من ابناء تلك المناطق ضمن الحشد الشعبي على اساس التقييم الامني وليس السياسي”.

ويؤكد الجبارة، ان هناك “معايير سياسية” يتم من خلالها اعطاء النائب او شيخ العشيرة عددا من المتطوعين، فيما يقوم الاخير “بتطويع ابناء عمومته ويضيع الامن”.

وعرض المجتمعون امام الاعرجي مقترحا يتضمن “اشراك القيادات الامنية من جيش وشرطة وحشد في اجتماعات لتقييم الوضع الامني في صلاح الدين وتوزيع المتطوعين على اساسه”.

كما طالبت العشائر بزيادة عدد القوات في مناطق مكحول، الخانوكة، حمرين، حيث تتكرر فيها الهجمات المسلحة، بينما وعد الاعرجي “بعقد مؤتمر امني موسع قريبا في بغداد يضم ديالى وصلاح الدين لتفادي الخروقات التي تجري في المناطق المشتركة بين المحافظتين”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here