الإصابات السرطانية بين سكان البصرة في تزايد مستمر والأميركان يتحملون ذلك

المدى / جبار بچاي

قالت الخبيرة في الهندسة البيئية الدكتورة، سعاد ناجي العزاوي إن سكان محافظة البصرة تعرضوا لتراكيز عالية من اكاسيد اليورانيوم اثناء القصف الجوي والبري بين عامي 1991 ــ 2003 بعد أن استخدمت الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا أسلحة اليورانيوم المنضب مع أسلحة محرمة أخرى ضد السكان والبيئة في البصرة مما أدى الى ظهور آلاف الإصابات السرطانية بين البصريين.

وفيما أكدت أن تلك الإصابات في تزايد مستمرة وأن الاميركان يتحملون المسؤولية الكاملة عن ذلك، دعت الى تنظيف البصرة من السكراب وكافة مصادر الإشعاع للحفاظ على البيئة وحياة الناس هناك على شرط أن يتم اعتماد المعايير العالمية بذلك.

وقالت العزاوي في حديث لـ ” المدى “، إن ” الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا استخدمتا أسلحة اليورانيوم المنضب مع أسلحة محرمة أخرى ضد السكان والبيئة في البصرة مرتين وليس مرة واحدة، الأولى عام 1991 حيث تم إطلاق أكثر من مليون قذيفة على غرب البصرة وزنها يتراوح بين 320- 500 طن من اليورانيوم المنضب.”

وأضافت ” في المرة الثانية استخدمت مثل تلك الذخائر الخطيرة أثناء حرب عام 2003 ولم تصرح الدول أعلاه عن الكمية لكن بكل الأحوال الكمية التي لوثت البيئة في جنوبي العراق هائلة كمواد إشعاعية ولم تستخدم أميركا وحلف الناتو مثل هذه الكميات إلا في العراق. ”

وأضافت ” هناك عشرات الآلاف من سكان البصرة تعرضوا لتراكيز عالية من أكاسيد اليورانيوم أثناء القصف الجوي والبري خلال الحرب وبعدها نتيجة هبوب عواصف ترابية محملة برماد هذه العناصر الموجودة في التربة وعلى الآليات الحربية المدمرة فاستنشق السكان هذه العناصر بدرجات متفاوتة واستقرت في أجسادهم.”

وأشارت الى أن ” سكان غرب البصرة تعرضوا لجرع اشعاعية إضافية مع كل عاصفة ترابية تنقل مزيداً من هذه الملوثات من الدبابات وناقلات الجنود التي تم تدميرها على الطريق الدولي وبقيت في المنطقة لأكثر من ثلاث سنوات قبل أن يتم تجميع السكراب الملوث في 20 موقع حول البصرة مما فاقم عملية انتقال المواد المشعة الى السكان وازدادت الاصابات بينهم سواء كانت سرطانية أو تشوهات ولادية أو تعرضهم لأمراض جلدية وتنفسية ”

وكان النائب عن محافظة البصرة فالح الخزعلي، كشف في تصريحات صحفية خلال آيار 2019 عن إحصائية المصابين بالسرطان والأمراض الجلدية والتنفسية في البصرة، إذ بلغ عدد المصابين بالأمراض السرطانية وفق الخزعلي 9148 إصابة لعام 2018، فيما بلغ عدد المصابين بالأمراض التنفسية 18 ألف و194 وأن الإصابة بالأمراض الجلدية بلغت 2878 إصابة بينما سجلت 2976 حالة تشوّه ولادي .

وحول كيفية خطر التلوث الإشعاعي على الإنسان قالت الخبيرة البيئية سعاد العزاوي ” تلوث الجسم بالعناصر المشعة داخلياً وخارجياً يؤدي الى التليف الرئوي وتجمع العناصر المشعة في الكلية والمثانة وفي الجهاز الهضمي ونخاع العظام كما تؤثر اشعة الفا المنبعثة من العناصر المشعة داخل الجسم على خلايا الإخصاب في الجهاز التناسلي وتسبب خللا في ترتيب البروتينات في ضفائر DNA التي تنقل الصفات الوراثية للأجيال القادمة.”

مشيرة الى أن ذلك ” من شأنه أن يزيد من حالات التشوّهات الخلقية والعوق بالإضافة للأمراض السرطانية والعقم لدى الرجال والنساء وسرطان الدم والعظام لذلك ازدادت الخطورة الصحية في البصرة في ظروف الحصار الاقتصادي ونقص المناعة الذاتية التي تقاوم الأمراض الناتجة عن التلوث الإشعاعي فازدادت حالات الإصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية خلال العقود الثلاثة الماضية..”

وقالت العزاوي ، وهي استاذ مشارك في الهندسة البيئية، دكتوراه في الهندسة الجيوبيئية من جامعة كولورادو للمناجم في أمريكا في اختصاص نمذجة انتقال الملوثات من مواقع النفايات الخطرة وانجزت العديد من البحوث في كلية الهندسة/ جامعة بغداد منها ، بحوث التلوث باليورانيوم المنضب وحصلت في ميونخ بألمانيا عام 2003 على جائزة ( Nuclear Free Future Award) لإنجاز علمي متميز في التلوث الاشعاعي، قالت إن “هنالك ضرورة ملحة لتنظيف كافة مناطق البصرة من السكراب وكافة مصادر الإشعاع حتى لو كانت واطئة الشدة لأن السكان في هذه المناطق قد تعرضوا لفترة غير قليلة للإشعاعات وفي أجسادهم خلل بدرجات متفاوتة نتيجة التعرض السابق أو خلل جيني متوارث حتى لو كان غير ظاهر يؤدي لزيادة احتمالات إصابة أجسامهم للانقسامات الخليوية غير المسيطر عليها والتي تؤدي الى الأورام السرطانية..”

ونبهت الى أن ” التقليل من حجم التلوث البيئي في محافظة البصرة تحديداً أمر يستحق السخرية ” وأضافت “لا أعرف من يخرج باستنتاج ان موضوع التلوث الاشعاعي في البصرة مبالغ غير الأمريكان واللذين ارتكبوا هذه الجريمة معهم ضد أبناء شعبنا في محافظة البصرة وفي مناطق أخرى تعرضت للقصف بذات الطريقة.” مضيفة أن “أي استنتاج من هذا النوع يجب أن يكون معززاً بنتائج بحوث طويلة الأمد للسكان اللذين تعرضوا لهذه الملوثات كما حصل مع السكان في كوسوفو اللذين تعرضوا الى 5 % فقط من كمية اليورانيوم المنضب التي تعرض لها سكان البصرة.”

ومضت الى القول ، ” حسب علمي لم يتم إجراء مثل هذه البحوث في جنوب العراق ، بل محاربة كل من يقوم بها لأسباب سياسية أثناء الاحتلال لأن ثبوتها يحمل الولايات المتحدة الاميركية مسؤولية تنظيف المنطقة ويوجب عليها تقديم الرعاية الطبية لكافة المصابين بالأمراض ذات العلاقة.”

وأشارت الى أن “الجهات المعنية لم تقم بإطلاق حتى إحصائيات للمصابين بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية والعقم وغيرها من الأمراض منذ الاحتلال عام 2003 خوفاً من ربطها بالتلوث الاشعاعي الذي حصل في المنطقة الجنوبية، لذلك فأن كل من يستهين بهذا الموضوع يتحمل مسؤولية التفريط بحياة وصحة ومستقبل السكان في البصرة.”

وكشفت العزاوي عن أنها أعدت أكثر من بحث بشأن المخلفات المشعة في جنوبي العراقي وتحديداً في محافظة البصرة تتعلق بشأن تقدير مخاطر استخدام أسلحة اليورانيوم المنضب في العراق وخلصت تلك البحوث الى تعرض سكان محافظة البصرة الى جرعات اشعاعية عالية تصل قيمتها إلى نحو 200 مرة أعلى من الجرعة الإشعاعية السنوية التي يتلقاها أي شخص في مكان طبيعي في معظم أنحاء العالم، والتي لا تتجاوز 2.4 ملّي سيفَرت (رمزها Sv، هي وحدة لقياس جرعة الإشعاع المكافئة)..”

وكاد موضوع المخلفات المشعة في البصرة أن يفجر أزمة سياسية جديدة إثر تسريب وثيقة تتعلق بطمر النفايات المشعة في المنطقة الغربية من العراق بعد نقلها البصرة وذلك في 14 حزيران 2019 ، والوثيقة التي قيل إنها صادرة عن وزارة العلوم والتكنولوجيا العراقية تتحدث عن عزمها نقل نفايات ملوثة من معمل الحديد والصلب في البصرة إلى منطقة صحراوية في محافظة الأنبار غربي العراق، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة لنواب ومسؤولين محليين في محافظة الأنبار رفضوا الفكرة جملة وتفصيلاً حتى صار التوجه الى طمر وتدمير تلك النفايات في منشأة المثنى بمحافظة صلاح الدين ، وهي أكبر المنشآت الصناعية المتخصصة بالصناعات الحربية الكيماوية ، تأسست في زمن رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين وتقع قرب مدينة سامراء وعلى مسافة نحو 500 متر عن منخفص الثرثار لكن الأمر جوبه برفض مماثل من قبل حكومة صلاح الدين قبل أن تعلن لجنة الصحة النيابية في 17 حزيران 2019 إيقاف الإجراءات المتعلقة بنقل النفايات والمخلفات الإشعاعية للحفاظ على سلامة أبناء الشعب ولحين الوصول الى طريقة آمنة وسلمية في ذلك .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here