” شَعَب نَسيِجٌ واحد ” كُتيِّب زجلي للشاعر الشعبي يوسف سعدة

” شَعَب نَسيِجٌ واحد ” كُتيِّب زجلي للشاعر الشعبي يوسف سعدة

بقلم: شاكر فريد حسن

وصلني في البريد، هذا الأسبوع، من الصديق الشاعر الشعبي يوسف سعدة (أبو نسيم) إصداره الجديد، وهو كُتيِّب زجلي بعنوان ” شَعَب نَسيِجٌ واحد “، جاء في 46 صفحة من الحجم المتوسط، بدون فهرس، واشتمل على مجموعة من أشعاره الزجلية، التي تنتمي إلى الشعر الايديلي والقصيدة الريفية الرعوية. ويهديه ” لكل أهالي شعب الكرام” ويدعوهم للتعاضد والتآخي والمحبة.

وهو يستهل كُتيِّبه بهذه الأبيات:

برا لحدود هناك طبو حبابنا

واعمامنا واخوالنا واصحابنا

يمكن حبيب اشتاق تيقابل حبيب

وزعتر ميعار اشتاق لغيابنا

يمكن وليف اشتاق تيقابل وليف

وزيتون شعب اشتاق لغيابنا

ثم يقدم نبذة تاريخية عن شّعَب عروس الحلزون، ويصفها بأوصاف مدهشة خلّابة.

وفي هذه الزجليات يناجي شاعرنا يوسف سعده، قريته الحبيبة شَعَب، المتربعة على سفوح الجليل، ويعبر عن مشاعره الصادقة وحبه الشديد لها حتى الشغف، ويصور مواقعها بالتفصيل الدقيق، ويصور بيادرها ومروجها الخضراء وتلالها البطاح وجبالها الشمّاء، وكذلك مواقع كراد الخيط- الحولة، ويحاكي قريتي الدامون وميعار المهجرتين، وزهرة المدائن القدس، مهد الديانات السماوية، والمدينة التاريخية العريقة المقدسة من عهد يابوس.

ونلمس في هذه الأزجال عشقه الفلاحي الصاخب بهدوئه وصدقه وبراءته، وحنينه النستولوجي إلى الماضي، والتحسر على الأيام الغابرة الجميلة، وعلاقة الإنسان الفلسطيني بأرضه، وتمسكه بالمكان، ويطغى عليها التعابير والأجواء الرعوية الشعبية الريفية.

زجليات يوسف سعده في هذا الكُتيَّب كما هو الحال في كل أشعاره وأزجاله، مغمسة بتراب الوطن وثرى الجليل، وبالزيت والزعتر، ومعطرة بأريج جلنار الرمان وفوح السريس والسنديان، وروائح خبز الطابون، ومشحونة بتراثنا العريق. محولًا القصيدة الفصيحة لشعر عامي محكي جميل.

وهو كشاعرنا سعود الأسدي، رائد القصيدة الرعوية، وكالقاص محمد نفاع، يمتلك ناصية اللغة، ويرسم بالكلمات والصور الأجواء الفلسطينية الدافئة الموروثة، والحياة القروية البسيطة، ويرسم خريطة وجغرافيا البلاد، ويشم روائح الأزهار والنباتات والأشجار، ويصغي لتغاريد البلابل والحساسين وصوت شبابة الراعي وثغاء قطيع المواشي في الجبال، ويراقب العذارى ذات العيون الكحيلة على الغدير وهن يحملن جرار الماء، ونستشف بكل قطعة صغيرة فيها الطابع الرعوي الرومانسي، فلنسمعه يقول:

دربك شعب كلو شجر زيتون

مية وفيه طيور وغناني

وفيها الحجل تكتك مع الحسون

جاوب جبلها والسندياني

وفيها مرج اخضر ملا العيون

فيو الغلة بدون زيواني

وفيها الحصيدة ومنجل المسنون

ونورج على البيدر ورا حصاني

وفيها صبايا عالطهر وعيون

بعيون فيهن كُحل خلقاني

يا غاضات الطرف والجفون

الهن مزايا الشرف خلقاني

نزلن على النبعة ع لعيون

بجرارهن تتعود ملياني

وفيها الصالح خير ما بكون

وبهيك تبقى الدار عمراني

وما يميز هذه الأزجال جمال الوصف، وصدق التعبير، وشفافية الكلمة، ووضوح المعاني، والتصوير الفوتغرافي، ودفق المشاعر، ورهافة الأحاسيس، وغنى الصور الشعرية، والتشبيهات والاستعارات والمحسنات البليغة، واللغة الفلاحية ذات الدقة والحساسية، وكثافة المفردات والتعابير التراثية العتيقة.

يوسف سعدة شاعر شعبي مبدع، أنيق الحرف، ووصّاف ماهر بديع، يعرف الأمكنة كلها، ولخطابه الشعري الزجلي نكهته الريفية الخاصة، لغة وفكرًا وفنية وصياغة، عرضًا وتصويرًا.

ومع ترحيبنا بهذا الإصدار المتواضع من ناحية الطباعة، الغني بموضوعاته الوطنية والمكانية، نرجو لشاعرنا الجليلي الأصيل يوسف سعده العمر المديد، والمزيد من العطاء والإبداع.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here