تواجه المرأة العراقية بشكل عام والبصرية بشكل خاص العنف بمختلف أشكاله وعلى المستويات كافة سواء كان اجتماعياً أو سياسياً أو ثقافياً، ويعود السبب الرئيس في ذلك إلى العادات والتقاليد والأعراف العشائرية التي تسببت بتدهور أوضاع المرأة بشكل متزايد يوماً تلو الآخر.
ممارسات المليشيات
وتقول عواطف تركي رشيد الشامي، الناشطة من البصرة في مجال حقوق المرأة، إن «العديد من العوامل أدت إلى زيادة نسبة العنف ضد المراة». مشيرة إلى أن «البصرة تاريخياً تعتبر مدينة ثقافة وفن وأدب، وسكانها الأصليين كانوا مندمجين مع الشعوب الأخرى لأن البصرة ميناء تدخله البواخر من كل أنحاء العالم، وحافظت البصرة على تميزها الثقافي لعقود من الزمن وشهدت نهضة للمرأة تضاهي عواصم العالم. لكنها ومع الحرب العراقية الإيرانية تحولت إلى معسكر كبير ومدينة حروب، فتهدمت بناها التحتية وغادرها الكثيرون من سكانها. في الوقت نفسه حصل تغيير ديموغرافي في تشكيل سكانها، فقد قام النظام السابق المقبور بتجفيف الأهوار فهاجر سكان الأهوار إلى البصرة وطغت ثقافة الريف على المدينة. من هناك بدأ التدهور الحقيقي في الوجه الحقيقي المثقف والحضاري لمدينة البصرة».
وأضافت الشامي، أنه «وبعد حرب عام 2003، هيمنت القوى الدينية التي تشكلت قواعدها من العشائر وسكان الأرياف، وأصبحت الفجوة الاقتصادية والاجتماعية كبيرة لا يمكن رتقها. فالميليشيات المسلحة تحكمت في الشارع العراقي، وأصبح العنف ضد المرأة أمراً مألوفاً ومقبولاً ضمن العقليات العشائرية والريفية التي تتحكم بصنع القرار خصوصا مع غياب قوة القانون. وفرضت ميليشيات الأحزاب الحجاب على النساء ومنعت الموسيقى وأشاعت ثقافة الدين المتزمت الذي يستهدف المرأة. وكانت الميليشيات تقتل النساء السافرات وغير المحجبات. وكانت تلاحق النساء في عقر دارهن ومراكز أعمالهن».
وتؤكد الناشطة، أن «الأحزاب المهيمنة على السلطة ليست معنية بالعنف ضد المرأة بل تستسيغه وتعمل على إدامته من خلال التسويق لقوانين تتعارض مع الدستور العراقي».
وتقول الشامي، إن «المرأة العراقية بشكل عام سوف تستطيع الحصول على حقوقها عندما يتم فصل سلطة الدين عن سلطة الدولة، فهي بحاجة إلى تمكين القوى المدنية وتوعية المجتمع بحقوقها في الدين والقانون، وإن معاملتهم المرأة بهذه الدونية وباسم الدين أساء للدين وللنساء والمجتمع».
و لازالت الجهود البرلمانية تتعثر لتمرير مشروع قانون مناهض للعنف الأسري طوال عامي 2019 و2020. فبعض النواب اعترضوا على القانون لأنهم لا يعتقدون أنه ينبغي للدولة معاقبة جرائم الشرف أو عقاب الوالدين الجسدي لأطفالهم.
المرأة البصرية
من جانب آخر، قالت رئيسة فريق تقييم الذات للثقافة والتنمية في البصرة، الدكتورة حوراء الموسوي، إن «الوضع الاقتصادي المتردي وارتفاع نسبة البطالة تسبب بمشاكل نفسية خطيرة لرب الاسرة ونعني بذلك الرجل، ما جعله يشعر بقلة التقدير لذاته وبالتالي انعكس ذلك الشعور على الزوجة في المنزل وأصبح يعاملها بعنف شديد».
وأضافت الموسوي، أن «المجتمع البصري كان قبل 2003 أقل عنفاً أمام النساء وذلك بسبب وجود قوانين تمنع الرجل من الاعتداء على المراة، ولكن بعد 2003 ازدادت نسبة النساء العاملات و ازداد معه نسبة العنف ضد المرأة».
وترى الموسوي، أن «المرأة البصرية بشكل خاص تتميز بقوة إرادتها وسرعة تأثرها بالحداثة والتطور إذا ما تهيأت لها الظروف والعوامل المناسبة والمتضمنة باستقلال المادي، ولذلك فهي تحتاج إلى الشهادة ثم العمل ونسبة من الحرية لتعتمد على نفسها».
وأوضحت أن «بعض المنظمات والمؤسسات الخيرية استطاعت دعم النساء البصريات خصوصاً تلك اللواتي لا يستطعن الخروج من المنزل وذلك عبر تطوير قدراتهن ومهاراتهن اليدوية وتوفير فرص العمل من البيت».
وبالرغم من كل تلك الجهود، تقول الموسوي، إن «المرأة البصرية بحاجة إلى تغيير الصورة النمطية للرجل أمام المرأة»، مشيرة إلى «وجود ازدواجية في التعامل والتفكير لدى الرجل، فجميع الرجال يتحدثون بحقوق المرأة فيما لن نجد أن الرجل في منزله يوفر لزوجته أبسط حقوقها».
وبحسب منظمة ‹هيومن رايتس ووتش›، فإن واحدة من كل خمس نساء عراقيات تتعرض للعنف الأسري الجسدي.
فيما تتحدث بعض التقارير المحلية عن أن 80% من نساء البصرة يتعرضن إلى العنف بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن النسبة في زيادة مستمرة.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط