المذاهب مَطايا الكراسي!!

المذاهب مَطايا الكراسي!!
إذا تتبعنا مسيرات الحكم في بلاد العرب أوطاني منذ إبتداء الخلافة وحتى اليوم , سيتبين أنها تطورت بإتجاه إمتطاء الدين ليكون حصان طروادة الذي يفتح الحصون , وتستعبد الناس وتستحوذ على الدنيا بإسم الدين.
وبعد أن ظهرت المهذاب بأنواعها ومدارسها وفرقها , تحولت إلى مَطايا للكراسي , فكل سلطان يمتطي ما يراه مناسبا منها ويسخره لخدمة سلطانه وحماية حكمه , حتى يموت ويأتي غيره لينظر في ذات المذهب أو نحو غيره , وهكذا دواليك.
وخلاصة ما تقوم به الكراسي أنها وجدت في المذاهب أسهل وسيلة للحكم , والقبض على مصير الناس في أصقاع المعمورة التي تقع تحت سلطانهم , لأن المذاهب تفرّق وتبعث على التصارع الذي يجعل الناس منشغلة ببعضها ولاهية عن لهو السلطان وحاشيته.
ولا يختلف نظام حكم مهما إدّعى عن غيره في هذا الشأن , فلكل نظام حكمٍ مذهبا يمتطيه , ويمتهن الناس به ويفتك بهم ويظلمهم ويذيقهم سوء المصير.
وإمتطاء المعتزلة معروف وكذلك الأشاعرة , والمذاهب الأربعة , والتسنن والتشيع وغيرها من المدارس والفرق , بل أن المذاهب قد تم إختراعها ونسبتها إلى فقهاء لهم وجهات نظر في المسائل التي يتصدون لها لتكون وسائل سهلة للحكم .
فلا يمكن لحاكم أن يدوم في حكمه دون عمائم تسوم الناس تضليلا وبهتانا ودجلا وخداعا , وتروضهم لكي يتحولوا إلى قطيع راتع في ظلال مواعظهم , التي تحضهم على الطاعة والتبعية والإيمان المطلق بالحاكم أو السلطان , فالعمائم هي التي تقود الشعوب إلى كهوف الخسران , وتأخذ على ذلك أجرا ومقاما وجاها , وتمعن في التمتع بدنياها وتحث الناس على الحرمان والفقر والفقدان.
وهي ظاهرة متكررة ومتعاظمة وقد بلغت ذروتها في القرن العشرين وما بعده , عندما تأسست الأحزاب والجماعات المؤدلجة المدججة بالشرور والعدوان , وهي تسعى للخراب والدمار والإمساك بالحكم ولوي عنق العباد.
وفي واقع الأمر أن المذاهب أحزاب في جوهرها وتطلعها , وقد شاركت جميعها في الحكم إلا ما قل وندر , وها هي اليوم تطل برؤوسها وتتحارب لأنها تريد السلطة , وتؤمن بالكرسي الذي تراه على مقاسات تصوراتها الأصولية , ومفاهيمها الدوغماتية المحقونة بالعدوانية والكراهية , والرفض الصارخ لأي رأي لا يتوافق ورؤاها الموتية.
وهكذا تجدنا في محنة التصارع الإنقراضي ما بين المذاهب والجماعات كافة , وقد تحقق إستثمار كبير فيها , ولهذا فأنها ستقضي على بعضها ونفسها , وتحيل البلاد إلى عصف مأكول , والعباد إلى قطيع مشرد تتناهبه الذئاب والوحوش السابغة الوافدة من أصقاع الغاب الأرضي العنيف.
فهل سنتحرر من مصير المَطية؟!!
د-صادق السامرائي
29\5\2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here