ما هي الحلول لحماية العراق من الصدمة الاقتصادية؟
محمد وذاح
مشكلة فشل الاقتصاد العراقي ليست بجديدة، فقد بدأ الأمر بعد فرض العقوبات الاقتصادية الدولية على البلاد مطلع تسعينيات القرن الماضي أثر غزو النظام السابق لدولة الكويت في آب/ أغسطس عام 1990، ولكن النظام السياسي الذي تشكل ما بعد يوم 9 نيسان 2003، زاد من فشل وانكفاء الاقتصاد العراقي وتردّيه!
وقد ساهمت مجموعة معقّدة من العوامل والظروف والممارسات المؤثرة الفاعلة التي تشكل على أساسها النظام الجديد عام 2003، في جعل العراق “دولة هشّة”؛ ومن أهمها عدم الاستقرار السياسي والانقسامات بكافة أنواعها؛ ضعف الوضع الأمني؛ البنية الاقتصادية غير المتوازنة وأحادية الاعتماد التي عمّقت الدولة الريعية.
كما أدّى النظام العراقي الجديد قرابة العقدين من الزمن إلى انتشار “السلوك الريعي” بين مختلف شرائح المجتمع وخاصة القيادات السياسية والحزبية والعشائرية والبيروقراطية، إضافة إلى عدم كفاءة الإدارة في أغلب مستويات المسؤولية واتخاذ القرار وخاصة في مختلف مجالات التنمية والسياسات الضرورية المتعلقة بها؛ وتقاسم المناصب المقرونة بالفساد المفرط المشرعن؛ التأثيرات والتدخلات الخارجية؛ تواجد للقوات العسكرية، وغيرها من العوامل الأخرى.
الفشل في رسم استراتيجية واضحة
على الرغم من مساع الحكومات المتعاقبة في العراق ما بعد 2003، لإبرام العقود والاتفاقيات الاقتصادية مع الدول الكبرى والشركات العالمية- باستثناء جولات التراخيص التي سلمت النفط العراقي بعقود أضرّت بالبلاد أكثر مما نفعتها – إلا أن تلك الاتفاقيات لإنعاش الاقتصاد العراقي وإنهاضه، بقيت “كليشيهات” لم ير العراقي نورها ولا ذاق سمسمها إلى اليوم!
وقد شخص هذا الأمر رئيس كتلة السند الوطني، النائب أحمد الأسدي، بتحميل القوى السياسية العراقية الفشل في رسم استراتيجية واضحة وصحيحة للاقتصاد العراقي والارتقاء بمستوياته، مؤكدأ في تصريحٍ صحفي أن “مشكلة العراق الاقتصادية ليست في إبرام العقود والاتفاقيات مع الصين أو مصر والأردن وغيرها من الدول، المشكلة تمكن في تخبط القوى السياسية وفشلها في رسم استراتيجية واضحة على كل المستويات”.
ويرى الأسدي أن هناك حلول ومقترحات إذا ما نفذت بالشكل الصحيح يمكن أن تخفف من الاعتماد على الاقتصاد الريعي للدولة، تكون بإعادة الروح للقطاع الخاص (الزراعي والصناعي) وتوفير الآلاف من فرص العمل للشباب والعاطلين عن العمل، فيما اعتبر عدم تأسيس مشاريع وطنية اقتصادية في البلاد يمثل استمرار للتفريط بالمال العام وهو أكثر خطراً على العراق من الإرهاب، حسب وصفه!!
“الورقة البيضاء” حلول ما قبل الصدمة!
العجز المالي المستمر في ميزانيات العراق المالية المرتبط بتراجع أسعار النفط، أثر الاقتصاد الريعي الذي تهيم به الحكومات العراقية المتعاقبة بالاعتماد الكلي على عائدات بيع النفط الخام، ضيّق الخناق على حكومة مصطفى الكاظمي، والتي أصبحت عاجزة عن توفير حتى رواتب الموظفين ومعاشاتهم الشهرية واللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي لتدارك الأمر.
ومن أجل إمساك الاقتصاد العراقي من استمرار الانزلاق نحو صدمة الإفلاس التام للدولة، قدمت حكومة الكاظمي (الورقة البيضاء) وهي خارطة طريق شاملة تهدف إلى إصلاح الاقتصاد العراقي ومعالجة التحديات الخطيرة التي تواجهه والتي تراكمت على مدى السنوات الماضية.
وتتضمن “الورقة البيضاء” خمسة محاور لتحقيق الاستقرار المالي المستدام، وتحقيق إصلاحات اقتصادية كلية، وتوفير الخدمات الأساسية وتطوير الحوكمة والبيئة القانونية، وتحسين البنى التحتية الأساسية، وتوفير الخدمات الأساسية. وتمتد “الورقة البيضاء” على 100 صفحة، ويفترض أن تكون مدة تنفيذها (3-5) سنوات، بحسب المتحدث بإسم الحكومة العراقية.
ويحتوي (المحور الأول) لورقة الإصلاح، على مقترحات لتخفيض الرواتب الحكومية بنسب تتراوح من 12-25 بالمئة، ورفع الدعم الحكومي عن بعض القطاعات، وإيقاف تمويل صندوق التقاعد من الموازنة، وتخفيض الدعم الحكومي للشركات العامة، واستيفاء أجور الكهرباء “وفق التسعيرة العالمية” وزيادة أجور الكمارك والضرائب.
وكان العراق قد تسلم ورقة مشابهة للورقة البيضاء من صندوق النقد الدولي عام 2017 بالمحتوى نفسه لكن بإطارات مختلفة، فيما يصفها عضو اللجنة المالية النيابية النائب “أحمد الحاج رشيد” بأنها قديمة في طروحاتها وجديدة في طرحه (الكاظمي)، معتبراً إياها بمثابة الفرصة الأخيرة للحكومة لإجراء إصلاحات وإنقاذ البلد من الانهيار الاقتصادي والمالي.
وفي النهاية؛ العراق بحاجة إلى أكثر من ورقة لإصلاح اقتصاده، تبدأ بورقة حمراء- بالإضافة للورقة البيضاء- للقضاء على الفساد واسترداد الأموال المسروقة، وأيضا بحاجة إلى ورقة خضراء لسوق الاقتصاد العراقي نحو الانتاج الزراعي والصناعي، وهما الركيزتان الأساسيتان لأية عملية إصلاح في البلاد إن لم تطبق على أرض الواقع ستبقى وعود كـ سابقاتها ويبقى الاقتصاد العراقي ينزلق إلى الهاوية!
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط