الايمان بالله قوة في الدنيا وفوز في الآخرة

ان مجرد التفكر في عظمة خلق الله من الدروس ما يجعل الانسان حامدا شاكرا لنعمه على الدوام. اذ تتجلى عظمة خلق الله في الانسان نفسه وما منحه من نعم جسدية وفكرية لا تعد ولا تحصى. اضافة الى عجائب العوالم الأخرى من حيوان ونبات وجماد ومن سماوات وكواكب ومجرات كثيرة في فضاء يجهل الانسان معظمه. عندما نرى قدرة الله في خلقه والنظام الدقيق الذي يسير هذه العوالم منذ ملايين السنين تزداد عبوديتنا لله ونعمل لطاعته ولا نطلب العون الا منه في السراء والضراء ونقول “ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك”.
فعندما ننظر الى خلق الانسان نرى العجب العجاب في كل عضو فيه. فنعمة البصر مثلا أمر يحير العقول ولا يمكن لقوة في الارض أن تصنعها. فالعينين تنظران ما حولهما وتميزان الاشياء بصورتها وحجمها وابعادها والوانها الحقيقية بصورة لحظية. انه لأمر عجيب إن تميز العين الشئ الذي تراه وتحلله بسرعة أن كان يشكل خطورة عليه أو يمكن الاستفادة منه وتميز ما تلاحظه لحظة بلحظة لخدمة الانسان في السفر أو العمل او الدراسة او السفر أو الجلوس أو النوم الخ. اما نعمة العقل فهي أمر عظيم يميز الانسان ويجعله مفضلا على بقية المخلوقات. فالعقل يتحكم في عواطف الانسان وحزنه وفرحه وجده وهزله. انه هو الذي يحلل الظواهر البصرية واللمسية والذوقية ليرشد النفس لأفضل الحلول. اما اعضاء الجسم الأخرى فانها تعمل ليل نهار دون أوامر من النفس البشرية كالقلب والمعدة وإلرئتين والكبد والكليتين وحركة الدم والعضلات والاعصاب والشرايين والعظام. تلك الأعضاء تعمل بصورة مدهشة ولو تعرضت إلى اي عطب تعالج نفسها بنفسها في أغلب الأحيان. لما كان الانسان حيوان اجتماعي يعيش مع غيره خلق الله له اللسان داخل الفم لكي يعبر عما يريد سواء في مخاطبته الاخرين أو اكله وشربه. خلق الله ايضا للانسان الانف لكي يتنفس هواء ينقيه ويشم الروائح لقضاء احتياجاته. اضافة الى حاسة السمع للتفاعل مع المجتمع وفهم العلوم المكتسبة. كل هذا النظام المتناسق داخل جسم الانسان قد وفرها الله اليه دون حول منه ولا قوة.
خلق الله أمور كثيرة واساسية محبطة تيسيرا لاستمرارية حياة وخدمة الإنسان على هذه الأرض. فوفر الله الهواء والماء والغذاء كي يعيش هو والحيوانات والنباتات فقال تعالى “وجعلنا من الماء كل شئ حي”.
اما الكون الهائل فقد سخره الله بحكمته وقدرته لخدمة الإنسان إذ خلق له الحيوانات والنباتات من اجل مأكله ومشربه وملبسه وسخر الجماد وما في الكون من اجل سفره وصناعة حاجياته وتطور مراحل مسيرته في الحياة. لقد خلق الله منظومة متكاملة من الحيوانات البرية والبحرية والطيور في الجو من اجل حياة بشرية سوية. ان هذا التوازن الرائع لا يمكن أن تنظمه الصدف أو الطبيعة منذ ملايين السنين. فلو اقتريت الشمس قليلا من الأرض لاحترقت ولو ابتعدت قليلا لتجمدت وفي كلا الحالتين يستحيل استمرية الحياة فيها. “ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لأولي الالباب”. لا يمكن لشخص عاقل أن يصدق بأن كل ذلك كان عبثا ومن محض الصدف.
ان الحقيقة التي لا غبار عليها وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار أن الله هو الخالق الباريء المصور. ان حتمية الايمان به لا تتعلق بدين معين أو فلسفة معينة. فهو الذي وهب الانسان كل وسائل الحياة وخلقه في احسن تقويم واستخلفه في عمارة الأرض.
انه رب يستحق العبادة فهو رحيم بجميع الناس حتى الذين لا يؤمنون به. رزقهم ومنحهم الفرص حتى آخر لحظة للتوبة النصوح مهما كانت جرائمهم وذنوبهم كي يدخلهم الجنة. ان الحسابات الأرضية حتى لو كانت عادلة تطالب أي مذنب بدفع الثمن سواء بدفع المال أو دخول السجن أو غير ذلك. لكن الله يمحو كل الذنوب والخطايا مهما عظمت. هذا الاله يعلم الغيب بماضية وحاضره ومستقبله. فيرى الانسان ويسمعه ويعلم ما يخفيه وما يعلنه. اله سرمدي ليس له بداية وليس له نهاية ولا يحده زمان أو مكان. بيده مقاليد الأمور من الارزاق والاعمار للناس والحيوانات وكل الكائنات الحية.
ان الله ترك للبشرية حرية الايمان أو الكفر به. لكنه عز وجل يريد لهم السعادة في الدنيا ويدخلهم إلى الجنة في الآخرة. لذلك امر الناس بالايمان به وبعث الرسل والكتب السماوية لهدايتهم. ان إيات الله المنظورة وغير المنظورة كثيرة كلها تدلل على وجود الله.
في نهاية المطاف أن الايمان بالله من قبل الانسان لا يزيد أو بنقص من ملك الله شيئا فهو الغني عن عباده. كما ان البشر لا يملك اية قوة على منع الحوادث التي تصيبه من مرض أو موت اضافة الى عجزه الكامل عن التاثير على حركة الأرض او الكون. فالكرة الأرضية نفسها ليست الا جرم صغير من الآلاف المؤلفة من الاجرام والكواكب والمجرات المنتشرة في فضاء لم يكتشف الانسان منه الا القليل.
ان الايمان بالله هو لمصلحة الانسان في دنياه واخرته. لانه سيجعل منه شخص متوازن في الدنيا لا يخاف من احد ويعمل الصالحات لنفسه ولغيره. فأن كانت نية هذه الأعمال في جميع مجالات الحياة صالحة لخدمة الانسانية فانها ستكون عبادة تدخل صاحبها الجنة ويكون عزيز كريم في الدنيا ايضا. الايمان بالله يجعل حياتنا الدنيا كذلك جميلة وسعيدة ومطمئنة. ويضمن في الاخرة حياة ابدية اجمل لا عمل فيها ولا مرض ولا سقم ولا موت.
أخيرا علمتنا مفاجئات الحياة الدنيا كم نحن بحاجة إلى رعاية قوة عظمى تحرسنا وترعى عوائلنا ومحبينا واوطاننا. وبالنتجة ليس في هذا الكون اية قوة تمتلك ما يملكه الله فهو المحيي المميت الرزاق المشافي. هذه القوة هي الوحيدة التي تكبح جماح الهوى في انفسنا. ذلك الذي يقودنا احيانا إلى الاستسلام إو القبول بما يفرضه الظالمين. إلله هو القوة الوحيدة التي تبعث فينا الامل لتحقيق اهدافنا المشروعة. لانها اذا ارادت فعل شئ فانما تقول له كن فيكون. فلا يأس ولا ضعف مع التوكل على الله وان النصر من عنده. لا بد اذن من الاستمرار للتمسك بطريق الحق والعدالة حتى الرمق الأخير. على أن لا ننسى باننا في امتحان عسير. نحن احوج ما نكون فيه إلى الايمان بالله اليوم قبل غد لان الايمان عندما يحضر الموت لن ينفعنا في شئ. لنعد اذن ونفر إلى الله طالما ان باب التوبة مفتوح على مصراعية قبيل تسليم الروح إلى بارأها.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here