العمى..ئم!!

هذه المقالة ليست رأيا أو وجهة نظر , وإنما إستنتاج متواضع مبني على الملاحظة والمقايسة والتقدير , وبمنظار الخبرة النفسية والسلوكية , وهي ليست تهجما بل توضيحا وتعزيزا لقيمة العمائم ودورها في البناء الأخلاقي والسلوكي والمعرفي.

والخلاصة أن لا عمامة مهما إدّعت يمكنها أن تحيط علما بالمعارف الدينية المتصلة بالإسلام , لجسامة التراكم الإبداعي وعظيم التراث الذي لا يمكن لفرد أن يلم به لو عاش ألف سنة , ولهذا فالقول بأن هذه العمامة أو تلك لديها القدرة على إستيعاب وهضم العلوم المتصلة بالإسلام نوع من التضليل والخداع والتهويل.

“وقل لمن يدّعي في العلم فلسفةً
حَفِظتَ شيئا وغابتْ عنكَ أشياءُ”

والدليل لو أنك قمت بزيارة لمكتبة للتراث الذي أنتجه العقل المسلم عبر العصور , لوقفت مذهولا وعاجزا عن إدراك ما بين أغلفة الكتب الموسوعية , التي بذل مؤلفوها أعمارهم في البحث والإستقصاء والتدوين والترصين.

والعلوم الدينية شأنها كالعلوم الأخرى قد تطورت , ومثلما لا يمكن لطبيب أن يلم بالعلوم الطبية كافة , رغم أن عمرها قرن أو يزيد بقليل , فأن العلوم الدينية التي عمرها عدة قرون لا يمكن للشخص أن يحيط بها علما.

وبما أن العلوم الطبية قد أصبحت تخصصات وتفرعات مثل غيرها من العلوم , فأن العلوم الدينية تخصصات وتفرعات ولكل تخصص مَن عمل فيه وثابر , والمختص بفرع لا علم له بالفرع الآخر بمعنى أنه لا يمكنه الكلام بلغة العارفين , مثلما الطبيب المختص بالجهاز الهضمي لا يمكنه الكلام عن الجهاز البولي أو التنفسي بعلمية وافية.

والعلوم الدينية واسعة وذات ثراء وفير ومصادرها مئات الرفوف من الكتب والموسوعات , ومن غير المعقول أن يدّعي شخص بأنه العارف بها والمستوعب لها , فترى أشخاصا في الثلاثينيات ويدّعون المعرفة والتفقه وما هم بعارفين لقطرة من العلوم الدينية , لكنهم وضعوا العمامة وأطلقوا اللحية ووصفوا أنفسهم كما يشاؤون , فالعمامة توضع على الرؤوس بلا ضوابط ومعايير.

والأنكى من ذلك يأخذون بالإفتاء , ويبدون الرأي في مسائل متنوعة , وكأن الإفتاء حالة سهلة وممكنة لأي عمامة , بينما يجب أن تكون كالبحث العلمي المستفيض الذي ينتهي بإستنتاج مناسب ومعقول , ولا يمكن لشخص أن يفتي وإنما من الواجب أن يكون هناك مجلس إستشاري فيه من كافة التخصصات الدينية للنظر في المسائل , والبحث فيها ودراستها وتقيمها وإستخلاص الأجوبة الموضوعية المتفقة مع زمانها ومكانها.

والعجيب في الأمر أن الإسلام فيه ما لايُحصى من المرجعيات الفردية وهذا خطأ مروع , فالمرجعية لا يمكنها أن تكون فردية , ولا بد من جمهرة متخصصين بالعلوم الدينية القادرين على تقييم الموضوعات , وتقديم الدراسات والتقديرات ذات الصوابية العالية.

فزمن المرجع الفرد قد ولى منذ مئات السنين , والمراجع الأفراد كان لهم دور في زمن قلة المعلومات وقدرة الشخص الفرد على الإحاطة بمعظمها , أما في زمن الفيض المعلوماتي فأن القول بفردية المرجعية نوع من الهراء والهذيان الذي لا يقبله العقل ولا تقره البديهيات.

وهكذا فأن العمائم عمياء وبهذا العماء تسببت بتداعيات وويلات وخسائر فادحة على جميع المستويات , لأنها تتوهم بأن ما تراه هو الصحيح وتجتهد في تبريره وتسويغه , رغم أنه نوع من العدوان على الإنسان والدين لكنها لا تراه , فمعظمها لا يدري ولا يدري أنه لا يدري.

فهل من عمائم مبصرة وعلى البناء الأخلاقي مقتدرة؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here