شهادة الزور .. جريمة أولاها المشرع أهمية لتأثيرها على سير التحقيقات

برغم العقوبات.. الطمع يدفع أشخاصا لأداء شهادة مزيفة أمام المحاكم

بغداد/ ليث جواد

تباينت آراء القضاة حول تضاعف أعداد شهود الزور أمام المحاكم، ففيما ذهب قاضي تحقيق إلى أن حجم شهادة الزور انحسر تدريجيا بعد تشديد العقوبة، ذكر قاض آخر أن شهادة الزور ارتفعت وبمعدلات تتجاوز أضعاف المعدلات قبل 2003 بسبب ارتفاع معدلات الجريمة إضافة إلى سوء الوضع الاقتصادي الذي أنتج أشخاصا يتم استئجارهم لأداء شهادة كاذبة.

لكن القاضيين أكدا على إيلاء المشرع العراقي أهمية كبيرة لهذه الجريمة لتأثيرها المباشر على سير التحقيق والقضية.

 فيما يعزو قاضي محكمة الاحوال الشخصية القاضي ايسر عباس العنبكي ارتفاع جرائم شهادة الزور الى ضعف ما كانت عليه قبل 2003 لارتفاع معدل الدعاوى والجرائم في المجتمع العراقي.

وقال قاضي محكمة تحقيق الكرخ محمد سلمان في حديث لـ”القضاء” ان “جريمة شهادة الزور تعتبر من الجرائم الماسة بسير العدالة، حيث تناولها المشرع العراقي في قانون العقوبات في مواد الفصل الثالث من الباب الرابع، وقد أولى المشرع العراقي أهمية لهذه الجريمة لما لها من أهمية في سير التحقيقات وتأثيرها على مجريات القضايا والتحقيقات الجارية”.

وأضاف سلمان في حديث من “القضاء” أن “لهذه الجريمة تأثيرا مباشرا على حالة الأشخاص والحقوق سواء كانوا متهمين أم مشتكين، فللشهادة أهمية كبيرة في إحقاق الحق والوصول إلى الحكم الصحيح والكشف عن الحقيقة حيث تعد من الأدلة المهمة المعتبرة في الدعاوى الجزائية وحتى المدنية، ولهذه الأهمية أولى القرآن الكريم أهمية كبيرة للشهادة حيث ورد بقوله تعالى  في سورة الفرقان (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما) وكذلك قوله تعالى في سورة الحج  (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور)”.

وتابع القاضي قوله ان “هذه الجريمة ذكرت في الاحاديث النبوية الشريفة ايضا حيث قال الرسول الأكرم (ص) (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر (ثلاثاً) قالوا بلى يارسول الله قال 🙁 الإشراك بالله وعقوق الوالدين – وجلس وكان متكئاً فقال إلا وقول الزور) (ص) ومن هنا نجد أهمية شهادة الزور كما سبق ذكره”.

 العقوبة ذاتها

واشار سلمان الى أن “المشرع العراقي أولى أهمية لهذه الجريمة حيث عرفت المادة (251) من قانون العقوبات شهادة الزور ((شهادة الزور هي أن يعمد الشاهد بعد أدائه اليمين القانونية أمام محكمة مدنية أو أدارية أو تأديبية أو محكمة خاصة أو سلطة من سلطات التحقيق إلى تعزيز الباطل أو إنكار حق أو كتمان كل أو بعض ما يعرفه من الوقائع التي يؤدي الشهادة عنها)) من هنا نجد ان المشرع عالج مسألة الشهادة سواء كانت بفعل ايجابي أو سلبي بل حتى انه اهتم بشخص الشاهد ذاته فقد جرم المشرع شهادة الزور من قبل الشاهد في شهادته زوراً بالحبس أو بالغرامة فإذا ترتب على شهادة الزور حكم على المتهم يعاقب الشاهد بالعقوبة المقررة ذاتها على الجريمة للمتهم الأصلي المحكوم بناء على شهادته”.

ونوه سلمان بأن “الشاهد الذي يدلي بالشهادة زوراً ويقدم وقائع غير صحيحة فإن المشرع العراقي يعاقبه حتى لو كانت شهادته بشكل سلبي، أي بمعنى امتناعه عن الشهادة أو كتمان بعض الأمور التي يعرفها أثناء الشهادة”، مضيفا “أما من حيث شخص الشاهد فقد راعى المشرع وجوب أداء الشهادة بشكل صحيح دون أي تأثيرات لذا اعتبر أي تهديد أو إغراء أو إكراه أو وعد للشاهد بأداء أو الامتناع عند الشهادة جريمة يعاقب عليها من يحاول إيقاع التأثير على هذه الشهادة وفق المادة (254) من قانون العقوبات”.

الحق العام

ونوه الى أن “جريمة شهادة الزور تعتبر من جرائم الحق العام وبالتالي حتى في حالة تنازل المشتكي أو المتضرر من الشهادة لا يمكن قبول الصلح فيها إلا أن المشرع العراقي في المادة (256)  قانون العقوبات اعتبر رجوع الشاهد عن أقواله وتعزيز الحقيقة في الدعوى قبل صدور حكم في موضوعها أو صدور قرار موضوعي من سلطة التحقيق تعتبر عذراً قانونياً مخففاً للجريمة ولكن لا يعفى من الجريمة”.

ولفت سلمان إلى ان “هذه الجريمة عادة ما تكثر في المحاكم الجزائية أكثر من الدعاوى المدنية كون الدعاوى المدنية وفي بعض الوقائع القانونية لا يمكن إثباتها بالشهادة وبالتالي تكون الجريمة في محاكم الجزاء أكثر من المحاكم المدنية ويشمل ذلك جميع الدعاوى دون استثناء سواء كانت في مرحلة التحقيق أو المحاكمة”.

 مؤكدا انه “هناك أحكام عديدة صدرت عن جرائم شهادة الزور إلا أن هذه الجرائم بدأت بالانحسار تدريجياً بعد أن شدد المشرع العراقي والقضاء بمحاسبة المتهمين فيها حيث ساوى بين عقوبة المتهم الذي تم الحكم عليه في شهادة الزور وعقوبة الشاهد وهي عقوبة رادعة للحد من هذه الجريمة إضافة إلى أهمية الجانب الأخلاقي والديني والثقافي وضرورة شيوع الثقافات القانونية وإبراز الجرائم وزرع القيم الاجتماعية السلبية التي تمنع الشاهد من ارتكاب هذه الجريمة”.

بدوره، ذكر قاضي محكمة الأحوال الشخصية في بغداد الجديدة أيسر عباس في حديث لـ”القضاء” ان “المشرع حدد من هم بمنزلة شاهد الزور في المادتين 253 و 254 من قانون العقوبات وهم المستفيد والمكره والمجبر والمتوسط ومن اعطى من الغير لأداء شهادته زورا والمكلفين من الخبراء وغيرهم وهو خير ما فعل المشرع في هذا الموضوع”.

مضيفا ان “شهادة الزور تكثر في الدعاوى المنظورة امام محكمة الاحوال الشخصية والاوراق التحقيقية المنظورة من قبل قضاة محاكم التحقيق بسبب ان اغلب الدعاوى الاحوال الشخصية اطرافها من الازواج والاقارب وان جميع الوقائع الشرعية والقانونية يمكن اثباتها بالشهادة لوجود المانع الادبي لذا فأن اغلب الادلة في تلك الدعاوى هي الشهادة”.

وقد أوضح ان “في دعاوى التحقيق فان تعريف الجريمة هي القيام بالفعل او الامتناع عن فعل جرمه القانون وبالتالي ان القيام والامتناع يعتبر واقعة جرمية وان الدليل الأقرب للإثبات هي الشهادة فتجد ان الشهادة من ادلة الاثبات المهمة لقيام الجاني بذلك الفعل المجرم قانونا”.

 وأشار عباس الى ان “العقوبة المحددة لشاهدة الزور في النصوص القانونية المذكورة اعلاه  جاءت مطلقة بعبارة (الحبس) ومفهوم الحبس هو سلب الحرية من يوم الى خمس سنوات وترك تقدير العقوبة او مدة المحكومية الى محكمة الموضوع وجسامة تلك الشهادة وطرق الشهادة”.

تفعيل العقوبة

واوضح ان “النص التشريعي لا يحتاج الى تشديد بل هو بحاجة الى الحد والردع لتلك الجريمة والعمل بالشطر الاول من العقوبة وهو الحبس دون اللجوء الى الشطر الثاني من العقوبة وهي الغرامة”.

مبينا انه “ومن خلال تجربتي البسيطة في محاكم التحقيق والاحوال الشخصية ان 10% من الشهود عند حثهم وإفهامهم بأهمية الشهادة وما هي العقوبة المترتبة في حال ثبوت زور شهادتهم  وما هو اليمين التي سيقسمها شرعا وعقوبتها الشرعية يتم العدول والرجوع عنها قبل الإدلاء بشهاداتهم”.

وأكد قاضي الأحوال الشخصية أن “جريمة شهادة الزور ارتفعت وبمعدلات تتجاوز أضعاف المعدلات قبل 2003 ويمكن ايعاز الاسباب إلى ارتفاع معدل الدعاوى والجرائم الى أضعاف الدعاوى والجرائم إضافة إلى ذلك سوء الوضع الاجتماعي والمالي لبعض الطبقات مما دفعها الى الاعتماد على نفقات الاطفال كمورد للعائلة والفصل العشائري في دعاوى التهديد المصحوب بفعل على سبيل المثال مما يدفع الأطراف الى اللجوء الى شهادة الزور ولإثبات موارد المدعى عليه واثبات واقعة التهديد المصحوب بفعل المتهم ويمكن ايجازها بضعف الدين وزيادة الطمع والرغبة بالثراء”.

ولم يستبعد القاضي عباس “وجود شهود يتم استئجارهم فهناك العديد من الحالات التي تم احالتها الى محاكم التحقيق لاتخاذ الاجراءات القانونية بحق متهمين لارتكابهم جريمة شهادة الزور”، لافتا إلى ان “معطيات وظروف شهاداتهم تدل على كونهم شهود تم استئجارهم لعدم علاقتهم او قرابتهم باطراف القضية”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here