خمس سنوات لمواجهة أكبر التحديات في عقد العشرينات

مر قرن على الولادة القيصرية للدولة العراقية بعد زواج مصلحة بين إمبراطورية المملكة البريطانية وإمبراطورية الجمهورية الفرنسية اللتان افترستا الإمبراطورية العثمانية وتقاسمتا أشلائها عندما صارت علاقة القوة لصالحهما، فأصبح العراق بحدوده الاستعمارية الحالية من حصة الأولى، ولم يتمكن العراقيون كغيرهم آنذاك من مواجهة تحديات الاستعمار الزاحف على العالم لتملكه واستغلال شعوبه، وفشلت محاولات الاستقلال للانعتاق من عبوديته التي تغلغلت بينهم بخديعة “نحن محررون لا فاتحون”، والتي مررتها بينهم أقلية منبطحة انتهزت الفرصة لتعزيز مصالحها الخاصة بتسلطها محليا على النظام السياسي العتيق وتدويره لصالح الفاتح الجديد عبر ثقافة الانقياد والانصياع والخنوع والطاعة العمياء لأولي الأمر والسلطان. والدولة الملكية التي تأسست شكليا على غرار المملكة البريطانية بنظرية الحق الإلهي المرقعة بالديمقراطية الإغريقية العتيقة لتحديثها بفكرة أن الملك يسود ولا يحكم لكي تبقى السيادة للملك ويصير الحكم للشعب، ولكن الشعب في المملكة العراقية ليس له وجود، وملكها لا يملك ولا يحكم ولا يسود، بل مجرد راعي محلي لحراسة غنائم ملك بريطانيا، وحكومته دمية بيد الحكومة البريطانية لتبرر للعراقيين مشروع مصادرة سيادتهم على ارضهم ومصالحهم وثرواتهم وكرامتهم مقابل وعود إخراجهم من سجن الإمبراطورية المندحرة وإدخالهم في عبودية راس المال للإمبراطوريات المنتصرة على شكل دولة مستقلة ظاهريا بعضويتها في عصبة الأمم، ثم في منظمة الأمم المتحدة بعد الحرب الثانية، وبتتويج رجل يحمل أهم أسماء التسلط الفردي المناقضة للمبادئ  والمفاهيم الثقافية التاريخية للمنطقة، وتنصيبه على العرش ملكا وصاحب جلالة معظم ليقود العراقيين كقطيع غنم.

لا شك ان نوعية الترجمة اللغوية تلعب دورا كبيرا في جودة التفاهم والتواصل بين المجتمعات البشرية، وسوء التفاهم حول اهم المصطلحات المتداولة او الجهل بها غالبا ما كان ولا يزال وراء المشاكل الحالية. وعلى سبيل المثال تختلف اللغة العربية عن اللغة الإنجليزية والفرنسية باحتوائها على أكثر من كلمة للدلالة على الإنسانية (إنسان) والبشرية (بشر) والآدمية التي يقل استعمالها حاليا بسبب إشارتها إلى الذكر لا إلى الأنثى، إلى الرجل آدم في الديانات التوحيدية المتفقة على وجود إله واحد، وعلى ترقية الذكر على الأنثى، لا على عدم وجوده ولا على وحدة الإنسانية والمساواة بين الجنسين، فهو إله شعب مختار في اليهودية، وهو الأب والابن والروح في المسيحية، وإله كافة التوحيديين في الإسلام. وتختلف اللغة العربية ايضا في كلمة امة التي شاع استعمالها بعد الإسلام بدلالتها على جميع الذين قصدوا محمد وآمنوا برسالته، بغض النظر عن اقوامهم وشعوبهم وقبائلهم ولغاتهم وعن مكان سكنهم على أرض الله التي لا يملكها أحد. وكذلك كلمة وطن التي تدل على مكان إقامة الانسان بينما تشير في اللاتينية الى الاب (باتر) الذكر ومسؤوليته الذكورية عن العائلة امام القانون. وكلمة ثورة في العربية من هاج وغضب وانتشر، بينما تدل في اللاتينية على تطور جذري لحال او امر ما قياسا بما كان عليه قبلها. وتم تعريف الدولة-الأمة في أوروبا في معاهدة وستفاليا في القرن السابع عشر، بعد تشتت الدولة-الدين الكاثوليكية، لوضع حد للنزاعات بين دولها الملكية التي استقلت عنها، وتم التوافق على حل مقبول برسم حدود جديدة لكل منها في وربط الحدود الجغرافية على الأرض لكل شعب بالحدود المتعارف على عودتها لسكانها الأصليين لتكون لهم الحدود السياسية والسيادية لكل دولة-أمة جديدة. وعلى هذا الأساس المطعم بمصطلحات ومفاهيم اغريقية ولاتينية تأسست فيما بعد معظم الدول الأمم الحديثة، ملكية او جمهورية، بينما فعلت الدول الاستعمارية كل ما في وسعها لمنع الشعوب المستعمرة والسكان الأصليين في مناطق نفوذها من تقرير مصيرها بنفسها على ضوء تاريخها وثقافاتها المحلية، وكبلتها بقيود متنوعة بقصد الحفاظ على علاقة القوة لصالحها والسيطرة على وضعها القائم وتدويره بأي ثمن كان.

لقد بقيت السيادة والحكم والدولة على حالها بعد إعلان الجمهورية في العراق على غرار الجمهورية الفرنسية ولكن بدون تأسيسية ولا دستور، لا علاقة لها بإرادة الشعب وحكمه لنفسه وتقرير مصيره ومصلحته العامة في التمتع الجماعي بثمار السيادة على مقدراته وثرواته وإدارته الذاتية للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للتقدم نحو حياة كريمة لكافة مواطنيه. ووقع الجمهور في أسر فوضى خطابات اللغو الثوري وصياح قيادات خادعة بترديد كلمات الثورة والحرية والمساواة، حاله حال ما جرى للعديد من شعوب العالم التي علقت أمالها على تحقيق فعلي للمفاهيم والمبادئ التي بشر بها المنتصرون بعد الحرب الأولى، وأكدوها بعد الحرب العالمية الثانية بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الموجه لكافة أعضاء الأسرة البشرية، كمستوى مشترك تستهدفه المجتمعات البشرية. وبقيت المبادئ والمفاهيم مجرد ترديد لإعلانات وبيانات وشعارات وتعهدات في سوق ضاعت في متاهاتها الأحلام والآمال التي علقتها الشعوب على الثورات وحركات التحرر الوطني والاستقلال التي بشرت بالخلاص الجماعي من الاستعمار في دول مصالحه المستدامة بالقوة العسكرية والعنف والقمع والاضطهاد والدمار والخراب، وباستعمال وسائل الإدارة الإمبراطورية والدكتاتورية والفاشية والنازية بغطاء ادعاء محاربتها. وبقيت الدول واجهة لتغطية احتكار أقليات ضئيلة للسلطة والمال وتعزيز مصالحها الخاصة بالتملك والاستعباد والاستغلال والكذب والخداع والتضليل والتجهيل، بهدف تدوير ابتزاز المجتمع البشري واستغلاله بعولمة رأس المال وتخريب الطبيعة والبيئة والحياة والإنسان.

وفي مطلع القرن الحالي، وبعد قفزة التقدم العلمي والإعلامي في مجال المعلوماتية وانتشار الأجهزة الصغيرة النقالة التي عززت إمكانية التواصل الفوري المباشر بين عامة الناس بهاتف محمول في متناول اليد يعمل بالصوت والصورة والكتابة، والتي فلتت نسبيا من هيمنة السلطة والمال لتصبح سلاحا سلميا بيد ضحايا الظلم والاضطهاد، انفضح بنوره خلل دعامات حكومات الفردواقلية المتسلطة بطمس الحقيقة والاستهتار بالحقوق الإنسانية بالدعاية والكذب والإيهام والمكر والخداع والتكتم والسرية داخل سجون التنظيمات الهرمية العمودية المولدة للازمات والضامنة لتدوير المصالح الخاصة والقيادية والتقديس والتوريث واحتكار اتخاذ القرارات، لمواصلة سلب واستعباد غالبية البشر وتخديرها بأحلام وآمال يائسة بعيدة المنال، وصارت الوقائع ساطعة أمام كل إنسان في كل مكان في العالم، فاضحة أكاذيب العملاء والوسطاء وسخافة شرح المفسرين والواعظين وصناديق اللغو والتبرير وأبواق الدعاية والتهريج والتطبيل وخبراء تقديس القادة والشخصنة والاستعمال الدوني للدولة والدين.

 وفي مطلع العام الحالي فضح وباء فيروس من اصغر مخلوقات الكون ما تبقى من زيف القوة المادية لراس المال، وعجز أنظمته ومؤسساته وأسواقه وجيوشه وأساطيل مواصلاته في البر والبحر والجو، وفشل قادة دوله في السيطرة على أزماته ومواجهة التحديات والاضرار المتكررة التي يسببها للمجتمع البشري، خاصة في توفير السلع اللازمة والخدمات العامة الأساسية لبقاء البشر على قيد الحياة، ولا حياة بدون الغذاء والصحة والملبس والمسكن والأمن والتربية والتعليم التي  يتصاعد تدميرها نتيجة لسلبيات أنانية ما فعله وما زال يفعله الفرد المجرد من إنسانيته باسم حرية الفرد الليبرالية، وما تفعله مجموعة من أفراد من أضرار عند غطرستها وانفرادها في اتخاذ القرارات وسقوطها في دوامة السلعنة والرسملة ونشوة التسلط وتراكم أرباح المال وتدوير هراء احتمال تعميم الرخاء والثراء. وصارت تحديات المشاكل البيئية والصحية المتراكمة إلى جانب التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية أكبر تهديد شامل يواجه المجتمع البشري بأكمله، ونتائج التردد في مواجهتها جلية الخطورة على الإنسان والتنوع الحياتي والبيئة والطبيعة في كل مكان، الآن وما يأتي من زمان، وسطعت حقيقة كون الكون والطبيعة والبيئة لا تحتاج الإنسان، ولكن لا حياة للإنسان يدون جودة نوعيتيها واحترامها وصيانتها والاعتناء بها وبوحدتها وتنوعها وتعدديتها. ولم يعد هناك وقت لانتظار المنقذين والسحرة والمشعوذين، ولا للتردد في مواجهتها وصدها، ولا بالقبول بالوضع القائم أو الاكتفاء بمحاولة فهمه وتفسيره وتشخيص علله أو رفضه واستنكاره. وما انطلاق الحراك الجماعي التلقائي الا رد فعل واعي وعاقل لمواجهة كافة التحديات جديا في عمل جماعي عالمي شامل يشارك فيه جميع الأجيال في الأسرة البشرية.

إن الحراك الحالي الذي يجتاح العالم، والواعد بالتحرر الجماعي الفعلي من عبودية المال وما جلبتها حروبه الدموية المدمرة من ظلم وظلام وطغيان وعدوان وإذعان، وسقوط حضاري وانحطاط خلقي وروحي مبالغ فيه يوما بعد يوم، حراك واعي بضرورة السير الجاد على طريق التنظيم والحلول والبدائل والأفكار اللازمة للخروج المستدام من عولمة راس المال، وإعادة بناء الانسان وأنسنه العالم ببناء أو إعادة بناء يشارك فيه جميع الذين يحترمون مبادئ ومفاهيم عامة واضحة وجامعة مقبول تحكيمها لسلوك أقصر الطرق المضمونة لبناء مجتمع كوني وعالم يجعل من الإنسان محورا له. وذلك ممكن باستعمال عاقل لما تركته الأجيال السابقة من خبرة ووسائل مادية وثروات غير مادية هائلة متوفرة وجاهزة لتعزيز قدرات الجميع بالتمكين الذاتي، في عملية تأسيسية جذرية محصنة بالتمسك بالمبادئ والمفاهيم المقبولة لغاية تحويلها إلى واقع فعلي بتعميم الحوار والتعاقد الاجتماعي والدفاع العنيد عن الحقوق والحريات الأساسية للإنسان، بالاعتماد على النفس والتعاون والتضامن والمحبة والاحترام المتبادل والأمن والسلام، سواء كان ذلك محليا أو عالميا بين كافة أفراد وشعوب العالم السائرة على طريق العمل والعلم والعقل في خدمة المصلحة العامة ورخاء الجميع وامنهم وسلامتهم باحترام الطبيعة والحياة، حياة حرة كريمة رغيدة وسعيدة ينعم بها جميع أعضاء الأسرة البشرية بالسيادة المطلقة على كل ما يعنيهم والدفاع عن حقوقهم بجني ثمار عملهم.

يختلف الإنسان جوهريا عن باقي الحيوانات بانفراده في عدم اكتمال بناءه الجسدي والروحي عند ولادته واستحالة اعتماده على نفسه للبقاء على قيد الحياة، فبناءه  الشخصي والاجتماعي، ونموه المادي والروحي يتطلب الاعتماد على الكبار ما لا يقل عن خمسة عشر أعوام يضمنها له عادة من تجاوز هذه الفترة من حوله، خاصة الأم خلال فترة الحمل والرضاعة لسنوات الاعتماد الكبير على الكبار، وهي الفترة التأسيسية الحاسمة لأنسنه الإنسان بالمساواة المطلقة والعدالة الاجتماعية، وتتطلب تغييرا جذريا بالنظر اليها كحقيقة جوهرية لا يمكن تجاهلها لأي كان، وينبغي فيها تقليل التذكير بالماضي الذي لا فخر لاحد ولا ذنب على احد بما جرى فيه، والتركيز على ما ينفع  في الحاضر والمستقبل، وبذل أقصى الجهد والاهتمام الأكبر لتنمية اعتماد كل انسان على نفسه واستقلاله وزيادة طاقاته ومهاراته بتمكينه في كافة مجالات الحياة حتى بلوغه سن العشرين، ويمكن للأطفال دون سن العشرين تعزيز تمكينهم الذاتي بالتعاون والتضامن مع الأصغر منهم خلال خمسة أعوام تبدأ من كل يوم لضمان توفير الحاجات الحياتية الأساسية بالتنظيم الدائري الأفقي والعمل الاجتماعي التضامني والتعليم والإعلام والتواصل والتشارك في الإنتاج والاستهلاك والتوزيع وإعادة التوزيع، والتشارك في اتخاذ القرارات في كافة المجالات التي تصب في عملية بناء وتنمية مستدامة بالحقوق والواجبات والحريات وسيادة الشعوب، يتمكن فيها الجميع أن يحافظوا على شخصياتهم واختلافاتهم وتنوعهم ويجتمعوا في وحدة هادفة تتحول فيها الأماني والأحلام إلى واقع فعلي مرغوب.

يمكن للأطفال ايضا تدوير العقد الاجتماعي الطبيعي للأسرة البشرية المعقود بولادة الشخص الإنساني بعد تحرره من رحم امرأة وتشكيله معها أول جمعية إنسانية، بعد تمتعه جنينا في داخله بكل ما يلزم ماديا من حاجات حياتية أساسية مضمونة برحمة التشارك مع الأم في الغذاء والصحة والامن والسلام التي تمكنه من مواصلة الحياة الاجتماعية المادية والروحية التي يتوقف ضمانها وتوفيرها له على البالغين من حوله، والذين تقع على عاتقهم المهمة الأخلاقية الكبرى والمسؤولية الأولى والواجبات الأساسية لتسديد الديون التي وقعت على عاتقهم عند تواجدهم في ورشة التدريب ومدرسة الحياة الأولى وسلوكهم نفس الطريق حتى بلوغهم سن الرشد. وعلى هذا الأساس المتين واحترامه، والتمسك بالجوانب الايجابية وتحييد الجوانب السلبية للتجارب السابقة والسيطرة على مسارها بالمساواة الحسابية بين أعضاء المجتمعات البشرية تم بناء الحضارة الإنسانية في كل زاوية في العالم، وعليه أيضا يتقرر مصير الإنسان في الآتي من الزمان.

لم يكن الإنسان منذ وجوده غير مخلوق حقير من مخلوقات الطبيعة التي لا حصر لها، ولكنه المخلوق الوحيد الذي استطاع خلق حياة خاصة به داخل حدودها وإمكانياتها، وتمكن من تجاوز الطبع إلى التطبع لتعزيزها وتنميتها إلى أقصى ما أمكنه، وتناسي حقيقة ارتباط الموت الطبيعي للفرد بديمومة حياة المجتمع يجر إلى الوقوع بأسر جنون العظمة والعصبية والتكبر وهذيان الهيمنة والتسلط والتحكم والكسب الاني والتملك، ووهم السيطرة على الطبيعة والكون والأرض والحياة والإنسان. والثقافة التي صنعها الإنسان بالعمل والعلم والعقل، والتي صنعته بدورها بتحريره من العطل والجهل والعنف، وهذبته بالتضامن والجهد والجد والصبر والمرابطة والمثابرة والحكمة لكي يتمتع بثمارها ويسعد بتطويرها وتعميمها باللغة والتربية والتعليم والإعلام والتواصل والتدريب، كما كان ذلك اعتياديا في كافة المجتمعات البشرية منذ غابر السنين، وارتبطت الحياة بصورة عامة بسلامة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وصيانتها المستدامة واحترامها دليل لإنسانية الإنسان.

يزدهرا لظلم والفساد عندما تهيمن أقلية مريضة بجنون السلطة والمال والمصلحة الخاصة للسيطرة على عملية اتخاذ القرارات والتوزيع بهدف تحويل غزارة إنتاج الأكثرية إلى امتياز استهلاك للأقلية. والسلطة المطلقة ووفرة المال غير ممكنة بدون الظلم والفساد، وكلما زادت السلطة والمال زاد الظلم والفساد. والخروج من هذه الدوامة المهلكة سهل بالتوافق على إبعاد الأطفال عنها لحمايتهم من شرورها خلال فترة العشرين سنة الأولى من الحياة، والقبول بتحكيم مفاهيم ومبادئ كونية خلالها لتعزيز سلوكهم طريق الخلاص الجماعي الذي صار الآن أكثر سهولة من أي وقت مضى في التاريخ، والثروات المتراكمة الهائلة التي تركتها الأجيال السابقة في بحور الثقافة وتجارب العمل وفضاء العلم ومجوهرات العقل أصبحت متاحة آنيا بأطراف أصابع الأطفال، ولا تتطلب غير تجاوز التفرج على تفاهة شوا ردها وانية التسلي بسخافاتها، والخروج من فخها ممكن بتعزيز استعمالها الذكي لتغيير جذري للتمكين الذاتي لأنها منتجات الأجيال السابقة وممتلكات الإنسانية بأكملها. وما السهولة الحالية إلا نتيجة لما قامت به الأجيال السابقة منذ آلاف السنين، والتي ابتكرت كل شيء نتمتع به الآن من لا شيء غير الطبيعة والحياة، وأهمها اللغة التي سهلت تعزيز المغامرة الإنسانية بتمكين الإنسان وترشيد عمله وازدياد علمه وخبرته وعقله وحكمته بعيدا عن شرور السلطة والمال.

إن إمكانية استعمال اللغة وثرواتها الهائلة المتوفرة حاليا بلا حدود، وتعزيز ثلاثية وظائفها الأساسية للتواصل والتعليم والتفكير كطاقة نظيفة غير محدودة ومتوفرة بالمجان في كل زمان ومكان، وهي وسيلة فعالة جاهزة ويمكن تدويرها بتعميم استعمالها للبناء وإعادة البناء من الآن، وهي ايضا سلاح سلمي للدفاع عن حقوق وسلامة الإنسان بدحر الحرب والدمار والعنف والإرهاب والعدوان والطغيان والكراهية. وتشارك الأطفال في اللغة يجعل التشارك في العمل والعلم والعقل بالتواصل والتعليم والتفكير كلعبة أطفال بشروط بسيطة واضحة يفوز فيها الجميع بالكرامة المستدامة والفرح والسعادة والسرور ونشوة مردود العطاء، من كل حسب علمه إلى كل حسب جهله، ومن كل حسب طاقته إلى كل حسب حاجته، وكون الصغير اقل طاقة وعلما حالة طبيعية وحقيقة كونية منذ قديم الزمان، وحاجته لتنمية وتعزيز طاقاته وزيادة علمه تعتمد وقتيا على الكبار واحترامهم لوعد الحقوق الأساسية للإنسان، وتحويلها إلى واقع ملموس بالاعتماد على النفس والاستقلال.

لا علاقة للديون المعنوية بذمة كبار الأطفال بالديون المالية الهائلة المتراكمة بذمة الدول لصالح مالكي راس المال، واستحالة تسديدها وراء ذعر المتسلطين وترديدهم إعلانات الوعود بتصفيتها وعودة الأمور إلى الحال الذي كانت عليه قبل الوباء الحالي، الآخر وليس الاخير، مقارنة بسهولة تسديد الأولى بأقل الجهود وأخلاقية الغايات والوسائل والالتزام  والمسؤولية وسرعة النتائج وعمومية الفوائد وعودة العوائد على القائمين بها واستدامتها ببناء عالم ضامن للحريات الجماعية والفردية بالمساواة والعدالة الاجتماعية والأمن والسلام في المستقبل القريب والبعيد. ويشهد على ذلك الآن انطلاق الوعي الجماعي لشعوب العالم حسب مقولات مواصلة التضامن والتعاون بين الأجيال لتحسين الأحوال، ولا عجب في تواجد النساء والأطفال في مقدمة حشود النضال والكفاح لمواجهة تحديات جائحة الوباء وصد عدوان المرض بالوقاية الصحية والتشارك فيما يتوفر من المواد الغذائية والعلوم والاعلام والأجهزة المتاحة في مجالات المعلوماتية، خاصة المعلومات المتراكمة في خزائن الدول والمنظمات العالمية التي تملكها الانسانية. وأنسنه العالم المستدامة ممكنة بعقد اجتماعي عالمي تأسيسي جديد يتوافق عليه جميع أعضاء الأسرة البشرية، والتعود على التشاور فيما بينهم لتوطيد المواطنة العالمية والكرامة والحقوق والواجبات الأساسية لكل إنسان.

علي غالب القزويني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط

Read our Privacy Policy by clicking here