سليم بن قيس وكتابه (1)

سليم بن قيس وكتابه (1)، الدكتور مروان خليفات

يتعرض سليم بن قيس إلى محاولات من الجرح والطعن به وبكتابه من أطراف مختلفة، وقد كنت طوال سنين عديدة مترددا بشأن كتاب سليم بن قيس واعتباره، إلى أن استقر لي رأي ، فأحببت مشاركة القراء بهذه الحلقات عن سليم بن قيس رحمه الله وكتابه، مستفيدا من ملاحظات أهل الإختصاص.

كتاب سليم بن قيس ( 2 قبل الهجرة ـ 90هـ )
سليم- بضم السين، وفتح اللام، ثم الياء الساكنة، والميم بصيغة التصغير- بن قيس الهلالي.

يعتبر سليم بن قيس الهلالي ثم العامري الكوفي من قدماء الشيعة المخلصين ، صاحب خمسة من الأئمة، ابتداءا بالإمام علي ع حتى الإمام الباقر ع ، راجع ( رجال الطوسي، ص 66 و94 و101 و 114 و136)

وقد عده الرجالي البرقي في ( الرجال) ص 4 و 8 و 9 من أولياء أمير المؤمنين وأصحابه، وعده كذلك من أصحاب الحسن والحسين وعلي بن الحسين.
ألف سليم كتابا في عصر منع الرواية، مع ما في هذا الأمر من خطورة، وسجل الأحداث مأخوذة من علي وسلمان وأبي ذر …

طلبه الحجاج ( ت95هـ ) حين جاء إلى الكوفة وأراد قتله كما قتل محبي علي ع أمثال سعيد بن جبير رضوان الله عليه، هرب سليم ولجأ إلى أبان بن أبي عياش.
قال ابن النديم في ترجمته في ( فهرست ابن النديم) ص 275 : ( من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، سليم بن قيس الهلالي . وكان هاربا من الحجاج لأنه طلبه ليقتله ، فلجأ إلى أبان بن أبي عياش ، فآواه . فلما حضرته الوفاة قال لأبان : ان لك على حقا وقد حضرتني الوفاة يا بن أخي ، انه كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كيت وكيت ، وأعطاه كتابا ، وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي المشهور ، رواه عنه أبان بن أبي عياش لم يروه عنه غيره . وقال أبان في حديثه : وكان قيس شيخا له نور يعلوه . وأول كتاب ظهر للشيعة ، كتاب سليم بن قيس الهلالي ، رواه أبان بن أبي عياش لم يروه غيره) .

قصة الكتاب

قال الشيخ المجلسي في ( بحار الأنوار) ج1 ص 76 ـ 79 : ( ولنذكر ما وجدناه في مفتتح كتاب سليم بن قيس … عن عمر بن أذينة ، عن أبان ابن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي . قال عمر بن أذينة : دعاني ابن أبي عياش ، فقال لي : رأيت البارحة رويا إني لخليق أن أموت سريعا ، إني رأيتك الغداة ففرحت بك ، إني رأيت الليلة سليم بن قيس الهلالي ، فقال لي : يا أبان إنك ميت في أيامك هذه ، فاتق الله في وديعتي ولا تضيعها وف لي بما ضمنت من كتمانك ، ولا تضعها إلا عند رجل من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه له دين وحسب ، فلما بصرت بك الغداة فرحت برؤيتك ، وذكرت رؤياي سليم ابن قيس . لما قدم الحجاج العراق سأل عن سليم بن قيس فهرب منه ، فوقع إلينا بالنوبندجان متواريا ، فنزل معنا في الدار ، فلم أر رجلا كان أشد إجلالا لنفسه ، ولا أشد اجتهادا ولا أطول بغضا للشهوة منه ، وأنا يومئذ ابن أربع عشرة سنة قد قرأت القرآن : وكنت أسأله فيحدثني عن أهل بدر فسمعت منه أحاديث كثيرة ، عن عمر بن أبي سلمة بن أم سلمة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعن معاذ بن جبل ، وعن سلمان الفارسي ، وعن علي ، وأبي ذر ، والمقداد ، وعمار ، والبراء بن عازب ، ثم أسلمنيها ولم يأخذ علي يمينا ، فلم ألبث أن حضرته الوفاة فدعاني فخلا بي وقال : يا أبان ! قد جاورتك فلم أر منك إلا ما أحب ، وإن عندي كتبا سمعتها عن الثقات ، وكتبتها بيدي فيها أحاديث لا أحب أن تظهر للناس لان الناس ينكرونها ويعظمونها ، وهي حق أخذتها من أهل الحق والفقه والصدق والبر عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، والمقداد ابن الأسود ، وليس منها حديث أسمعه من أحدهم إلا سألت عنه الاخر حتى اجتمعوا عليه جميعا ، وأشياء بعد سمعتها من غيرهم من أهل الحق : وإني هممت حين مرضت أن احرقها فتأثمت من ذلك وقطعت به ، فإن جعلت لي عهد الله وميثاقه أن لا تخبر بها أحدا ما دمت حيا ولا تحدث بشئ منها بعد موتي إلا من تثق به كثقتك بنفسك ، وإن حدث بك حدث أن تدفعها إلي من تثق به من شيعة علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ممن له دين وحسب ، فضمنت ذلك له فدفعها إلي ، وقرأها كلها علي فلم يلبث سليم أن هلك رحمه الله … )

ومن أبان استلم الكتاب عمر بن أذينة الثقة، وبهذا يكون كتاب سليم أقدم وأهم وثيقة تاريخية أرخت أحداث ما بعد النبي.

سليم وكتابه لدى الجمهور

حمل التعصب البعض إلى القول بأن سليم بن قيس هو من اختلاق الشيعة ولا وجود له، وهذا أشبه بالهذيان، فقد اتفقت كلمة الشيعة على وجود سليم وكتابه، وذكره غيرهم من المحدثين السنة.
قال الدكتور السلفي ناصر الغفاري في ( أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية ) ج 1 – ص 352 : (وقد تبين لنا أن ” سليما ” هذا لا ذكر له في مصادر أهل السنة مع تعظيم الشيعة لأمره ، وقد يقال بأنه اسم لا مسمى له ؛ إذ لو كان كما يقولون . . لكان شيئا مذكورا) .

من المعلوم أن أهل الحديث لم يستوعبوا في تراجمهم كل رجال الشيعة فضلا عن رجال السنة، فعدم ترجمة بعض الرجال لا يعني عدم وجودهم، وسليم مذكور لدى الجمهور، ووقع في أسانيدهم كما سنبين، وهذا يدل على قصور الدكتور الغفاري في البحث، أو تعمده تحريف الحقائق .

ـ ورد ذكر سليم بن قيس مصحفا في أكثر من مورد، فقد صُحف اسمه إلى سليمان. جاء في ( تاريخ مدينة دمشق ) لابن عساكر، ج 9 – ص 455: ( … عن أبان بن أبي عياش عن سليمان بن قيس العامري قال رأيت أويسا القرني بصفين صريعا بين عمار وخزيمة بن ثابت)
وذكر النص نفسه علاء الدين مغلطاي في (اكمال تهذيب الكمال) ج2 ص 300.
وفي نسخة السري بن سهل ج 1 – ص 2: ( عن أبان ، عن سليمان بن قيس العامري ، عن مسروق بن الأجدع ، قال : دخلت على عائشة …)

وروى الخطيب البغدادي في ( الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة * ج 5 – ص 338 . بسنده : (… عن أبان عن سليمان بن قيس العامري عن مسروق بن الأجدع قال : دخلت على عائشة …)

ووقع عند الواحدي في ( الوسيط في تفسير القرآن المجيد) ج 4 – ص 483 . حيث ذكر اسناده الى ابان فقال : ( …عن أبان ، عن سليمان بن قيس العامري ، عن كعب ، قال : إني لأجد في بعض الكتب : لولا أن يحزن عبدي المؤمن لكللت رأس الكافر بالأكاليل ، فلا يصدع ، ولا ينبض منه عرق يوجع)
والدليل على أن سليمان المذكور هو سليم بن قيس رواية ابان عنه ، ولقبه العامري ولا يوجد راوي آخر يحمل هذا اللقب.

وقع سليم في سند ابن عساكر في ( تاريخ مدينة دمشق) ج 12 – ص 288 مصحفا إلى (سالم) حيث روى : ( … عن أبان بن أبي عياش عن سالم بن قيس العامري ومسلم بن أبي عمران أن حذيفة بن اليمان قال أن أقر أيامي لعيني يوم ارجع فيه إلي أهلي فيشكون إلي الحاجة والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن الله ليتعاهد عبده بالبلاء كما يتعاهد الوالد لولده بالخير وان الله تعالى ليحمي عبده المؤمن الدنيا كما يحمي المريض أهله الطعام )

ـ ترجم ابن أبي حاتم سليم بن قيس في (الجرح والتعديل) ج 4 – ص 214. ، فقال : (سليم بن قيس العامري روى عن سحيم بن نوفل روى عنه أبان سمعت أبي يقول ذلك )

ـ وقع سليم في أحد أسانيد عبد الرزاق الصنعاني في ( المصنف) ج 11 – ص 360، حيث روى : (…عن معمر عن أبان عن سليم بن قيس الحنظلي قال : خطب عمر فقال : إن أخوف ما أتخوف عليكم بعدي أن يؤخذ الرجل منكم البرئ فيؤشر كما يؤشر الجزور ، ويشاط لحمه كما يشاط لحمها ، ويقال : عاص وليس بعاص ، قال : فقال علي وهو تحت المنبر : ومتى ذلك ؟ يا أمير المؤمنين ! أو بما تشتد البلية ، وتظهر الحمية ، وتسبى الذرية ، وتدقهم الفتن كما تدق الرحا ثفلها ، وكما تدق النار الحطب ؟ قال : ومتى ذلك يا علي ! قال : إذا تفقه لغير الدين ، وتعلم لغير العمل ، والتمست الدنيا بعمل الآخرة )

قال عبد الرحمن الأعظمي محقق الكتاب : ( عندي هو سليم بن قيس العامري ، ذكره ابن أبي حاتم مرة منسوبا إلى أبيه ، وأخرى غير منسوب ، وذكره البخاري أيضا غير منسوب إلى أبيه ونسبه عامريا وقد حرف ناشروا المستدرك فأثبتوا ( أبان بن سليم )
ـ وقع سليم في اسناد الحاكم الحسكاني الحنفي في ( شواهد التنزيل لقواعد التفضيل) ج 2 – ص 168 ، حيث روى : ( … عن أبان : عن سليم بن قيس العامري قال : سمعت عليا يقول : رسول الله ياسين ونحن آله )

ـ ورد ذكره لدى الحاكم النيسايوري باسم سليم بن قيس في ( المستدرك على الصحيحين )ج 4 – ص 451، قال الحاكم: (…أنبأ عبد الرزاق أنبأ معمر عن أبان بن سليم بن قيس الحنظلي قال خطبنا عمر بن الخطاب …)

قال مقبل الوادعي في (رجال الحاكم في المستدرك ) ج 1 – ص 87 معلقا : (أبان بن سليم هو : أبان عن سليم ، وأبان هو ابن أبي عياش )

ـ في (التاريخ الكبير) للبخاري ، ج 4 – ص 130: (…حدثني زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش عن سليم )

ـ روى الهروي في ( ذم الكلام وأهله)ج 4 – ص 87: ( … عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس العامري عن أبي مسعود الأنصاري أنه دخل على حذيفة)

ـ قال ابن القيسراني في ( أطراف الغرائب والأفراد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للإمام الدارقطني) ج 4 – ص 264 : ( حديث : قال رسول الله للحسن والحسين : إن ابني هذين سيدا شباب أهل الجنة هذه الأمة . . . الحديث . تفرد به صالح بن أبي الأسود عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس عن أبيه )

ـ روي في بعض المصادر عنه باسم سلمان بن قيس، وقد روى عن ابن عباس في تفسير الطبري، ج28 ص 216 وعن سلمان الفارسي في ( المحاسن والمساوي) للبيهقي، ج1 ص 11 وعن جابر بن عبد الله في ( الأنوار في شمائل النبي المختار) للبغوي ج1 ص 180.

وسلمان المذكور ليس له ترجمه ولا ذكر في سائر الكتب فلعله مصحف عن سليم خاصة أنه تابعي ويروي عن سلمان وحذيفة .

ـ ممن ذكر كتاب سليم بن قيس القاضي بدر الدين السبكي في ( محاسن الوسائل في معرفة الأوائل ) حيث قال كما نقله عنه الشيخ الطهراني في الذريعة ، ج 2 – ص 153 – 154: (أن أول كتاب صنف للشيعة هو كتاب سليم بن قيس الهلالي )
ـ وقال ابن النديم في (فهرست ابن النديم) ص 275.وهو من العامة كما في معجم رجال الحديث، ج16 ص 72.: (وأول كتاب ظهر للشيعة ، كتاب سليم بن قيس الهلالي ، رواه أبان بن أبي عياش لم يروه غيره).

وقال الدكتور ناصر الدين الأسد في ( مصادر الشعر الجاهلي ) ج 1 – ص 146: (وكان أول كتاب ظهر للشيعة : كتاب سليم بن قيس الهلالي من أصحاب علي)
وقال خير الدين الزركلي في ( الأعلام ) ، ج 3 – ص 119 ( كتاب سليم بن قيس الكوفي وهو من الأصول التي ترجع إليها الشيعة وتعول عليها ، قال جعفر الصادق : من لم يكن عنده كتاب سليم بن قيس ، فليس عنده من أمرنا شئ ، وهو أبجد الشيعة )
يتبع في حلقات أخرى

يمكن تحميل الكتاب من الرابط التالي :
http://alfeker.net/library.php?id=1084

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here