خرافة النقاء العرقي

د.عامر ملوكا
خرافة النقاء العرقي :

ان مصطلحات النقاء او الصفاء العرقي او النسب الشريف او ثبات النسب او الانتماء اوالنقاء القومي او الأصل النقي كلها مصطلحات اثبتت العلوم الحديثة ابتعادها بشكل كبير عن الحقائق العلمية التي تستطيع بيان مدى صحة هذه الادعاءات من خلال المختبر وتحليل النتائج .

وكانت لهذه المفاهيم تاثير كبير على تفكير الكثير من القادة والمفكرين والسياسين وقامت على اساسها امم ودول وامبراطوريات واحزاب وقامت ايضا حروب ونزاعات وابادة وتطهير عرقي والتي في مجملها غيرت شكل ومسار التاريخ.

وان فكرة التفوق العرقي وعلاقتها وتبنيها من قبل احزاب اليمين واقصى اليمين المتطرف فقد وضع فرانسيس غالتون عام 1883 اسس علم تحسين النسل وتطبيق مبدا البقاء للاقوى والافضل طبقا لنظرية داروين والتي قادت اوربا وقادتها وفي مقدمتهم هتلر الى الايمان بالتفوق العرقي وقد قامت المانيا النازية بالقضاء على السكان الذين يعتبرون حجر عثرة في تقدم البشرية وتشجيع الناس ذوي الجينات الجيدة على الانجاب فقط .

وقد كانت لاراء داروين ونظريته للتطور التاثير الكبير على افكار هتلر والتي ادت بالكثير من الاجراءات والاعمال الغير اخلاقية بحق الكثير من الشعوب والبشر ومن هذه الافعال عمليات التعقيم الجماعي والمذابح الجماعية والتي كانت تهدف حسب ايمان منفذيها الى الانتقاء البايولوجي للانواع البشرية المتفوقة . وساعدت نظرية داروين ومؤيديها من العلماء من اعطاء الغطاء الاخلاقي والعلمي للقيام بكل هذه الافعال والتي كانت من وجهة نظرهم فضائل اخلاقية . وقد قام هتلر عام 1933 بعمليات اطلق عليها تطهير العرق الجرماني وتنقيته فاجاز للاطباء وبقانون مشرع باجراء عمليات تعقيم اجباري للمرضى النفسيين وذوي الاحتياجات الخاصة والغجروالسود . ونفس الشئ حصل في الولايات المتحدة وكندا والسويد ثلاثينيات القرن المنصرم.

.

وقد اشارت احدث البحوث لجامعة هارفارد والتي يقودها العالم ديفيد رايش وبالاعتماد على الحامض النووي ان الاوربيين القدامى استقروا في قارة اوربا بعد هجرات متعددة من الشرق الاوسط قبل 14 الى 19 الف عام مضت واثبتت هذه البحوث ان اسلاف الاوربيين والنازيين الاوائل جاءوا من افريقيا الى اوربا مرورا بالشرق الاوسط. وتؤكد البحوث ايضا الى ان البشر انتقلوا وتزاوجوا مع بعضهم البعض منذ ان غادرت المجموعات الاولى افريقيا قبل 60 الف عام . ويذكر عالم الكيمياء العضوية الروسي البروفيسور أناتولي كليوسوف ان نسبة الآريين في ألمانيا لاتزيد عن نسبتهم في عُمان والسلاف الروس يتشاركون النمط الجيني نفسه مع قبيلة قريش ونستطيع ان نشبه التمازج والتلاقح الذي حصل بين مختلف الاعراق والاجناس لعشرات اللاف من السنين كالمحيط التي يستقبل المياه من كل انهار العالم واراضيها لتختلط وتتجانس مع بعضها والتي يصعب او يستحيل ان نجعل انتساب هذا المحيط الى النهر او البحر الفلاني.

كان العلماء ولسنوات قريبة مضت يعتمدون على مصدرين اساسين في البحث في تاريخ الشعوب وعلم الانساب والانتماء وهي الاثار بكل اشكالها المجسمة والكتابية والمصدر الاخر التراث المحكي والديني والاساطير. ولكن اخيرا تم اضافة مصدر مهم يعتمد العلمية المطلقة في تحليل النتائج وتاكيدها الا وهو علم Genetic Genealogy علم الأنساب الجيني .

ان أول من اكتشف (الجينات Genes الموروثات) العالم البريطاني جيفيرز عام 1984. كم من الحروب وملايين البشر تعرضت للابادة والقتل والظلم باسم التفوق العرقي والنقاء او الصفاء العرقي وكم من الناس خدعت بان بعضهم هو من سلالة الانبياء والمرسلين وهكذا سقطت كل الادعاءات بالتفوفق والتميز للجنس الاري النقي وانتهت اسطورة الاصول العبرية للجد الاعلى يعقوب والتي استندت عليها اسرائيل في بناء كيانها . وهكذا انتهت اسطورة العروبيين والاصل الطوراني للناطقين بالتركية والاصول الارية للاكراد والفرس وهكذا لبقية دعاة التعصب الاعمى في الاعتزاز بعرقهم والغاء الاخر. وهكذا فان سكان الارض هم في حالة تفاعل وامتزاج عرقي ديناميكي مستمر ومتواصل وخاصة في العصور التي سبقت النهضة الصناعية . فبلد مثل العراق توالت عليه غزوات وهجرات لامم واقوام مختلفة مثل الامبراطورية الاخمينية، ثم غزاه الاسكندر وبقى تحت الحكم اليوناني وتحت السلالة السلوقية ما يقرب من قرنين من الزمان. ثم الفرثيين والرومانيين ومن ثم الساسانيون والمناذرة من اليمن ثم جاء العرب المسلمون ثم الغزو المغولي ثم حكم الدولة الصفوية ثم حكم الامبراطورية العثمانية ثم الانتداب البريطاني.ولايفوتنا ان اكثر الغزاة كانوا يقومون بقتل الرجال اما بالحروب او بعد اسرهم وفي كل مرة يختلط جزء من هذه الاقوام مع السكان الاصليين سواءا بالاتفاق ام بالارغام واذا ايقنا بان العلم يقر بان الاب والام متساويان في نقل خصائصهما البايولوجية والعرقية للابناء بنسبة 50% لكل واحد منهم فعلينا ان نتخيل نسبة النقاء او الصفاء العرقي لكل انسان عراقي لدرجة يصبح الحديث عن النقاء او الصفاء العرقي ضرب من الخيال.. حيث يذكر المؤرّخ الأميركي بينديكت أندرسون (1936-2015)، بأن المجموعات العرقية هي “جماعات متخيّلة” فحسب.اذا الاسباب التاريخية ووجود روابط اخرى كالدين واللغة التي تشكل اساس الثقافة لامم اوشعوب معينة ممكن ان تؤدي بها الى بعض الخصوصية ولكن تبقى ايضا فكرة هشة لان بعض الامم والشعوب لديها نسب كبيرة من مواطنيها لاتتحدث نفس اللغة او تنتمي لنفس الدين ويعتقد بعض الباحثين ان فكرة النقاء العرقي اساسها نزعة التفوق الحضاري بطابعها العنصري الا ان جذورها قد تكون ذات طابع سياسي او اقتصادي بحت.

د.عامر ملوكا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here