التصديق الأعمى!!

التصديق الأعمى!!
يصدقون ما يسمعون ويقرؤن ويترنحون بين ما يتوارد إليهم من معلومات وأخبار , ولا يعملون العقل بالخبر ولا يتساءلون أو يمحصون ويقيّمون ويتعقلون , وبهذا يساهمون في تشغيل ماكنة الإضطراب والتدويخ والتسقيط والتصيّد والإستحواذ على الناس وأخذهم إلى حيث الذي يريد.
ولا يُعرف لماذا أصبح البشر في عصرنا التواصلي أكثر إذعانا وقبولا لما يتوارد إليه ويغزوه من الصور والكلمات والأفلام , حتى لتحسبه قد غادر معاقل العقل وإنضوى في مسارات الإنفعال والإغتراب عن جوهر الحياة.
هل أن وسائل التواصل يتم إستخدامها وفقا لآليات نفسية وسلوكية خبيرة ومتمكنة من السيطرة على العقول , وتأجيج معادلات النفوس وتفعيلها لتكون ذات تأثيرات سائدة ومتسلطة على السلوك البشري , وأخذه إلى ما لا يتفق ومصالحه ومعالم إرادته.
هل أن البشر لا يمتلك الخلفية الثقافية والإدراكية والتعبيرية اللازمة للتقييم والتحليل والتقدير , وعدم الخضوع لما ينسكب في وعيه ونفسه من الحالات والتواصلات المتدفقة , وكأنها التيار العارم المتوثب نحو غاية ما.
البعض يرى أن المجتمعات تعيش حالة إدمان على الإنترنيت بما فيها من مغريات تواصلية ومحفزات وإستدراجات متنوعة , والمدمن على الشيئ يتنازل عن عقله ويمعن أو يسرف في تكرار الفعل الإدماني دون توقف أو إبطاء.
وهناك أسباب كثيرة , لكن السبب الأكبر يتلخص في ضعف الحصانة والتربية الفكرية والثقافية والعاطفية لدى بعض المجتمعات , التي لا تعرف كيف تؤهل أجيالها لتوظيف العقل والإستثمار في التفكير العلمي , وأهمية الإقتراب العلمي الصحيح من التحديات والمواجهات وما يتوافد من أخبار وموضوعات.
وتبدو مواقع التواصل الإجتماعي كالمصيدات التي لا يستطيع الساقط في شباكها من التحرر من قبضتها وتأثيراتها عليه , وخصوصا ما ترفده به من دوافع سلبية , ويا ليتها تكون ذات تأثير إيجابي بنّاء يساهم في الإصلاح والتوجيه السلوكي السليم.
وفي بحوث متنوعة هناك إشارة إلى قصر مدة الإنتباه , وتنامي العنف , وتسهيل الجريمة , وتقليل ساعات النوم , وبروز ظاهرة الإدمان على الإنترنيت , ومن إيجابياتها إحتمال زيادة درجات الذكاء , والتفاعل بين الثقافات , والتعليم الذي أصبح متيسرا على شبكاتها.
ومع ما تقدم من تقييم وإقتراب , فأن المجتمعات مطالبة بتفعيل العقل وتحفيزه , لكي يكون قادرا على الإبحار في متاهات الإنترنيت المتدفقة بالمعلومات.
فهل أن الأدمغة البشرية في وادٍ ومبتكرات بعض أبنائها في وادٍ آخر؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here