سياسي في المضيف. 

هناك من وصف الجولات التي يقوم بها زعيم تيار الحكمة في بعض مدن وقصبات وسط وجنوب العراق، بأنها مجازفة تعكس سذاجة مستشاريه وخطأهم في إختيار الوقت المناسب لتلك الخطوة  التي عدها البعض مجازفة.
كما وصفها اخرون بانها سلوك متهور يراد من وراءه إثبات الوجود وجس نبض الشارع، ومعرفة  ثقة الجماهير بالطبقة السياسية التي تشهد مؤشراتها انخفاضا ملموسا بعد احداث تشرين من العام الماضي.
رغم ما قيل ويقال عنه وبغض النظر عن وصف المبالغين في نقده وصحة معلوماتهم في تورطه بشبهات فساد حاله كحال بقية الزعماء السياسيين،  لكن نزوله للشارع وحديثه مع الناس في هذا الظرف الحرج يستدعي تحليلا واعيا والنظر للامر من زاوية الحياد.
المهم هنا ليس معرفة نتائج تلك اللقاءات ولا الافكار التي طرحت خلالها ولا نوعية الحضور ولا اعدادهم، بل هو ضرورة معرفة ان الحملة الإعلامية التي تحاول إقناع الناس بأن الطبقة السياسية آيلة إلى السقوط والإندثار _ ماهي إلا زوبعة في فنجان،  وإن كثيرا من الرموز السياسية، خصوصا تلك التي تعتمد الرمزية ذات البعد العقائدي باقية وتتمدد، وإن هتافات البعض ضد هذا وذاك ماهي الا محاولة من المنافسين لإزالة منافسيهم ليحل محلهم.
الملفت للنظر ان المدن التي أقيمت فيها تلك المؤتمرات، قد شهدت أحداثا دامية خلال التظاهرات التي عصفت بالبلد مؤخرا، كما ان قسما كبيرا من العشائر التي كانت حاضرة هناك، فقدت العديد من ابناءها ضحية الاغتيالات والخطف أو اثناء المصادمات التي حدثت بين المتظاهرين وقوات الأمن، الأمر الذي ولد شعورا عاما لدى ابناءها بضرورة الثأر للضحايا من الطبقة السياسية برمتها سواء كان المتصدي المباشر او من كان مشمولا يتهمة الاشتراك يالعملية السياسية.
عند الحديث عن هذا الثأر قد يتبادر إلى الذهن الذهاب باتجاه  المواجهة المسلحة، مع المسميات السياسية او إنتهاز الفرصة لإصطياد رموزها وقادتها، لكن ظهر أن هذا الأمر بعيد جدا نظرا لمحدودية الإمكانيات وعدم الرغبة في تقويض سلطة القانون وزعزة مقومات بناء الدولة،  وعليه ظهر هناك تحول بالشعور العام بضرورة معاقبة السياسي بعدم لقاءه واستقباله بشعارات الرفض، وبالتالي إفشال برنامج الزيارة المعد وهذا أضعف الإيمان.
ماحدث في بابل والنجف والسماوة وغيرها، اثبت عدم صحة ما توقعه مناهضوا الطبقة السياسية، التي تصدت للعمل بعد تغيير النظام واكد حقيقة صادمة للمهتمين والداعين الى ضرورة التغيير _ مفادها ان البعض من الزعماء يملك من المرونة ما يتيح له المناورة واستثمار المساحات التي يمكن التواصل معها، والتي تمثل العشيرة الخاصرة الاجتماعية الرخوة فيها، وهذا ما اعتمده زعيم الحكمة في جولاته الاخيرة.
ربما يعترض البعض على إطلاق هكذا وصف على  العشيرة، كون البنية المجتمعية العراقية تستند على مرتكزات عدة تمثل العشيرة المساحة الاوسع فيها، لكن هذا الاعتراض يستلزم اثبات نتيجة تخدم الحهات السياسية عامة وقيادات الحكمة بصورة خاصة، مفادها ان تلك القيادة تحظى بمقبولية معينة لدى بعض الاوساط العشائرية(حسب ما يسوقه بعض ممثليها في الإعلام) الامر الذي يمكنها من إستثمار الحالة الجماهيرية وتوجيهها باتجاه معين يصب في مصلحة النظام السياسي عموما والحكمة على وجه الخصوص، بلحاظ إن البلد سيشهد إنتخابات نيابية منتصف العام المقبل.
بعض المراقيين يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عند الحديث عن المحاولات الرامية إلى ترميم العلاقة بين الجمهور والطبقة السياسية ويتسائل إن كان يمكن إعادة التجربة من قبل زعيم آخر وينزل إلى الشارع ؟ خصوصا تلك الجهات التي تملك من الإمكانيات المالية والقتالية مالا تملكه قيادة الحكمة.. فهل هناك من يجرؤ منهم؟
بقلم سلوان الجحيشي
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here