سقوط الإمبراطوريات!!

سقوط الإمبراطوريات!!
الأرض في مسيرة إنتقالية تواصلية تفاعلية ذات تداخلات متسارعة وإمتزاجات فائقة , وتحولات متوثبة نحو صيرورة إنسانية واحدة , ووطن واحد إسمه الأرض , أو الإمبراطورية الأرضية , أو الدولة الأرضية , وغيرها من المسميات التي ستكتسبها حتما في مراحلها القادمة , وهي تتطلع للتواصل مع جمهوريات كونية وإمبراطوريات فضائية , صارت قاب قوسين أو أدنى من إكتشاف وسائل الإتصال معها عبر شبكات كهرومغناطيسية ذات طاقات إندماجية عالية , حتى ليبدو الكون للأجيال القادمة على أنه فضاء يزدحم بالحضارات والإمبراطوريات الثاقبة الإمتدادات.
ويبدو أن الأرض قد آوت في دائرة قصية فرضت عليها عزلة قاسية , وتسببت بإستنقاع ما فيها , وحوّلتها إلى تفاعلات سلبية ذات إرادات بقائية محكومة بقوة الدوران وقبضة الجاذبية.
لكن المخلوقات الأرضية وعبر مسيرتها الأزلية – الأبدية قد تمكنت من الإنتصار على واقعها الإنعزالي , وإبتدأت مشوارها التفاعلي الإمتزاجي في وعائها الدوّار , وأخذت معالمه تتجسد في بدايات هذا القرن , حتى تحولت المجتمعات إلى خليط من جميع الأجناس والأعراق والثقافات , وهذا يعني أن الأرض قد بلغت سن الرشد , وإكتسبت حكمة ذات قيمة حضارية تنافس بها حضارات كونية أخرى , ذلك أن المجتمعات الكونية واحدة في كينوناتها المطلقة , لأنها إمتلكت قدرات التواصل منذ نشأتها , أما المخلوقات الأرضية فأنها عاشت في عزلة شديدة على مدى المسيرة القاسية لمخلوقاتها , وما أن أزف هذا القرن حتى إستيقظت على ثورات تكنولوجية فاعلت مخلوقاتها على شاشة صغيرة.
وهذا يعني أن الموجودات الأرضية صارت تجري نحو بعضها , وتسعى للإختلاط والذوبان في كياناتها , لإنجاب أجيال ذات إنتماءٍ أرضي أصيل , مما سيؤدي إلى فشل المشاريع الإنعزالية والإمبراطورية , الحالمة بإقامة حالات داستها سنابك القرون ومحقتها.
فما عاد هناك فرصة لإمبراطوريات وفئويان ومذهبيات ودول حزبية ودينية وقومية وغيرها من التصورات والأوهام , التي عبثت بمصير المخلوقات وفتكت بالبشر والعمران , وأحرقت وأتلفت وأبادت وإرتكبت أفظع الجرائم بحق البشرية جمعاء.
هذه النزعات والتوجهات أصبحت في عداد الموتى , وفي مقبرة الماضي العتيد , فلن تنجح الجهود الهادفة لإقامة إمبراطورية أيا كان نوعها , ولن تفلح المشاريع الإنعزالية والفئوية والتحزبية , لأنها خارج العصر وضد تيار التأريخ الجاري بتوثبٍ عنيف.
وما يجري في العديد من المجتمعات المتمحنة بتصوراتها الخائبة ورؤاها السالبة , سببه عدم توافق إيقاع خطواتها مع خطوات التأريخ , وما يدور من حروب أهلية وصراعات طائفية ومذهبية , ما هي إلا علامات لفظ الأنفاس الأخيرة للأفكار البائدة المتعارضة مع قوانين التأريخ الصارمة.
فالأرض تدور وتريد أن تمزج ما على ظهرها وفيها , وقد نجحت وتأكدت إرادتها الدورانية , وكل وعاء يدور يمتزج ما فيه , وبعض ما فيه يأبى الإمتزاج , فيتعرض لقوة دورانية طاردة تلقي به على الأطراف , كما تلقي الأنهار ما فيها من الشوائب والفضلات على الجرف أو الضفاف , وهذا ما يحصل فعلا وواقعا في عصرنا الإمتزاجي الفعّال.
أي أن هذه الصراعات عبارة عن فقاعات تلفظ أنفاسها الأخيرة على جرف هارئ يحتشد بالوعيد , ولن يبقى إلا ما ينفع الناس أما الزبد فيذهب جفاء , وتلك حقيقة شمّاء!!
الذي سيبقي على زخم نزقه الإمبراطوري سيندحر وستُذهب ريحَه أعاصير الإمتزاج العولمي التسانومية الطباع والتفاعلات!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here