حركة الرسل والانبياء (ص)، حركة موسى ع

حركة الرسل والانبياء (ص)، حركة موسى ع، الدكتور صالح الورداني

حركة موسى (ع)1
———-
تبدأ قصة موسى في مصر بنبوءة أثارت الرعب في قلب فرعون..
وملخص هذه النبوءة أنه سوف يولد في بني إسرائيل طفل سوف يكون هلاك فرعون على يديه..
من هنا أصدر فرعون أمره بقتل كل ذكر يولد في بني إسرائيل..
وهو ما دفع بأم موسى أن تبعده بمجرد ولادته عن يد فرعون ،وقامت بوضعه في صندوق وألقته في اليم ـ النهرـ لتلتقطه إمرأة فرعون وتقرر تبنيه وتربيته في قصره ،كما فصل القرآن في سورة القصص..
والقرآن لم يخبرنا عن مصدر هذه النبوءة التي أرعبت فرعون والتي يدل صدقها عن كونها جاءت من مصدر على علم بالغيب..
إلا أن ما يعنينا من قصة موسى هو الجانب المتعلق برسالته وصدامه مع فرعون ،إذ يقص علينا القرآن أن موسى لم يكن متوجهاً برسالته إلى المصريين، إنما كان هدفه هو تخليص بني إسرائيل من ظلم فرعون وتحريرهم من عبوديته والخروج بهم من مصر..
وهو ما يتضح لنا من خلال النص التالي من سورة طه :
(فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى . إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى)
وكان أن رفض فرعون هذا الطلب وتحدى الله وموسى ، إذ كان من الصعب عليه التنازل عن بني إسرائيل الذين كانوا يشكلون القوى العاملة في مصر آنذاك..
والتخلي عنهم يعني إحداث الخلل في التركيبة الإقتصادية والإجتماعية..
وأخذت فرعون العزة بالإثم واستخف بموسى الذي يدعي تمثيل قوماً هم له عبيد مسخرون له ولشعبه..
جاء في سورة المؤمنون(ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ . إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ . فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ . فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ.)
ومن الملاحظ في قصة موسى أنه توجه بطلبه نحو فرعون لعلمه أنه المتصرف في شئون الناس في هذا البلد ،وهو صاحب القرار الأوحد فيه، بل هو المالك للبلاد وما فيها من الخلق والعباد..
ولم يتجه نحو المصريين لعلمه أنهم لايملكون القدرة على إتخاذ القرار بالتحول عن ملتهم والتحول نحو الوحدانية دون إذن من فرعون..
وهى إشارة إلى كون تأريخ مصر إنما يصيغه الفرعون الحاكم دائماً، بينما يقوم الشعب بدور المتفرج المستسلم لأوامره وتوجيهاته..
وهو ما جاء في سورة غافر :
(قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)
وهذه هى النتيجة الأولى التي نخرج بها من قصة موسى ..
أما النتيجة الثانية فنخرج بها من خلال نصوص سورة الزخرف:
(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ . أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ . فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ . فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ)
وما تبرزه هذه النصوص هو أن فرعون كان على ثقة كبيرة بقومه، وأنهم سوف يطيعوه حتى الموت..
وهو ما حدث بالفعل حين طاردوا موسى معه رغم الآيات الكبرى التي أراها لهم والدالة على صدقه..
وكان من المفروض على فرعون أن يسلم لموسى ويطلق سراح بني إسرائيل ويحتفظ بملكه..
وكان من المفروض على المصريين أن يعصوا فرعون ،ولا يتأثروا بحملته الدعائية ضد موسى، وهو يقودهم نحو التهلكة..
إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث..
والسبب في هذا كما هو واضح من النصوص يعود لأمرين :
الأول : ان فرعون استخف بشعبه..
الثاني : ان شعبه كان فاسقاً..
ومشهد السحرة مع موسي يؤكد فكرة الاستخفاف من قبل فرعون والفسق من قبل الشعب الذي جاراه وأطاعه ،وهو يتحدى رسولاً من قبل الله بمجموعة من السحرة لا يملكون سوى بعض الألاعيب الخداعية..
وهو ما بينته لنا سورة طه:
(وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى . قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يَا مُوسى . فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً . قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى .فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى . قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى . فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى . قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى . فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى)
ومن خلال هذه النصوص يتبين لنا أن فرعون كذب بآيات الله وإعتبرها صورة من صور السحر، وأصر على موقفه الإستعلائي المغرور مستخفاً بشعبه وبموسى..
وهو كان ضحية لحاشيته التي زينت له السوء وضللته،وهو الدور الذي لاتزال تلعبه الحاشية في مصر حتى اليوم..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here