دوستويفسكي .. كافكا .. نيتشة .. بيكيت في ضيافتي

دوستويفسكي .. كافكا .. نيتشة .. بيكيت في ضيافتي

بقلم مهدي قاسم

بينما كنتُ مارا من عند مدخل مفتوح لبناية قديمة ، يطل على الرصيف مباشرة ، لفتت نظري مجموعة كتب مرمية حول حاوية قمامة ، وبطريقة توحي أن أحدا لم يُعد بحاجة إليها ، فدفعني فضول طاغ لا يقاوم للدخول وإلقاء نظرة عليها ، بحكم حبي واهتمامي وهوايتي للكتب منذ امد بعيد ، فانحنيت والتقطها عن الأرض ، وكم كانت فرحتي كبيرة عندما قرأت على أغلقتها الأولى أسماء كل من دوستويفسكي “الأخوة كارامازوف ، كافكا “الصرصور ” ..نيتشة” هكذا تكلم زرادشت ” صموئيل بيكيت “في انتظار غودو” ، فأخرجت من جيبي مناديل ورقية ومسحت بقايا غبار وتراب عنها وخرجت بشعور طافح بمسرة ، كما لوكنت قد عثرتُ على كنز قديم ، الأمر الذي دفعني إلى قطع نزهتي والعودة إلى البيت بتلك الغنيمة الثمينة المكتنزة التي لمعيد أحد بحاجة إليها ..

كان الوقت عصرا متأخرا يميل إلى الغروب فجلست على الكنبة بعدما شعرت بإرهاق خفيف أقرب إلى غفوة وشيكة ، بالرغم من بقايا أشعة شمس واهنة باصفرار ذهبي ضارب الى حمرة لا زالت تتسلل متدفقة بكسل وخمول من خلل النافذة ، فشعرتُ بإرهاق وثقل في جفني ..

ثم سرعان ما وجدتُ نفسي في صحبتهم باعتيادية مألوفة ، كأنما كانت قد رافقتهم كل مراحل حياتي ، وأنا على صداقة وثيقة معهم ، وإذا بي أرحب بهم بكل حماسة واندفاع :

ــ يا أهلا بأصدقائي العظام ( هنا ندت عن دستويفسكي نبرة هممم ! .. كأنما اعتراضا على رفع الكلفة بيني وبينهم ) فإضفتُ : يا مرحبا بكتابنا الكبار ! ..

سأل نيتشه بنبرة مستغربة وضيق :

ــ ولكنني ماذا أفعل هنا ؟.. ما الذي أتى بي ..

فاجبتُ بشيء من حماس مكتوم :

ـــ أنا !.. لقد وجدتكم مرميين حول حاوية قمامة عند مدخل إحدى البنايات ، فيبدو أن أحدا ما قد تخلى عنكم ، فانتابني شعور بإحراج وعيب أن أترككم هناك قرب تلك القمامة الوسخة فقررت استضافتكم عندي ، وهكذا انتهى الأمر بكم إلى بيتي ..

علق دستويفسكي بهدوء من مدرك وعارف لتفاصيل الأمور والظروف :

ــ بقرب قمامة ؟ .. كان هذا أمرا متوقعا في حقيقة الأمر و ..

قاطعه نتيشه بفضول واهتمام:

ــ ما الذي توقعته أيها السيد دوستويفسكي ؟

ــ عندما بدأوا يمدون السكك الحديدية في بطرسبرغ وفي أنحاء أخرى من روسيا عرفتُ أن ذلك الزمان لم يعد بعيدا عندما تجرفنا نفايات التطور التكنولوجي والتقني وترمينا إلى زاوية النسيان مع كل مؤلفاتنا ، لتحل محلها ماديات جوفاء ، بلا روح ، على حساب نسيان الله وتخريب الطبيعة !..

رد نيتشه بلهجة امتعاض أقرب إلى نفور :

ــ الرب لم ينسحب أنما مات وخلاص ! ، وأنت عبثا حاولت إحياءه عبر دعاة مؤمنين من أمثال أليوشا ودولجوروكي والأب القديس زيموس *!..

ــ أنك تستطيع زعم ذلك ولكنك لن تستطيع إثباته أيها السيد نيتشه .. فلا يستطيع أحد تشييع الرب حسبما يحلوله ..

علق كافكا بنبرة لامبالاة:

ــ بالنسبة لي سيان تماما أن كان حيا أوميتا .. فماذا أرجو منه بعدما حوّلني صرصورا بائسا وهشا لا حول له ولا قوة ، بلا أي رجاء أو عزاء ، و إذا الرب لا يكون منصفا مع جميع مخلوقاته فهو ليس سوى مزاجي متسلط فحسب ، فمَن بحاجة إلى رب غير عادل كهذا ؟…

التفت نيتشه باتجاه صموئيل بيكيت سائلا :

ـــ و أنتم؟. أيها السيد بيكيت .ما هي أخبار ” غودو ” فهل وصل ؟ أم لا زلتم في انتظاره بلا طائل ؟.. ذلك المنقذ الوهمي العظيم .. هههه !..

رد بيكيت وهو يعب من غليونه :

ــ نحن محكومين بانتظار بلا طائل حضرة الفيلسوف ، فذلك هو جوهر وحقيقة مصيرنا المفجع ، سواء شئنا أم أبينا .!

علق دوستويفسكي وهو يداعب لحيته الطويلة :

ــ أن العالم سيتحول إلى غابة من وحوش كاسرة بلا رب راع ورحيم وعادل ..

ــ وهل العالم ليس كذلك الآن؟ ، لقد فشل ربك أيها الكاتب دوستويفسكي في خلق عادل وجميل حتى الآن ، بالرغم من مرور آلاف سنين على ذلك ، لذا فلا تعويل إلا على نموذجي أنا ” الرجل السوبرمان ” ذلك الإله الصغير والقوي الجسور الجميل ..

قاطعه دستويفسكي ضاحكا بتهكم

ــ أوه !، نعم من أمثال بسمارك ونابليون أو المليونير المصرفي جميس روتشيلد و……..

ثم أخذا يتجادلان بحدة عالية بعض الشيء، أحدهما بالروسية والثاني بالألمانية ، وكنت على وشك أن أطلب منهم خفض الأصوات المحتدة لئلا يزعجا جيراني ، عندما نظرت حولي فلم أجد أحدا منهم ، كأنهم قد تبخروا مثل حفنة من دخان أو ضباب !.

أسماء أبطال روايات دستويفسكي الإخوة كارامازوف ،الابله ، المراهق !..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here