أخلاق عبد الخالق السامرائي تهمة في قاموس علي كيمياوي

أخلاق عبد الخالق السامرائي تهمة في قاموس علي كيمياوي

القاضي منير حداد

تسربت الي مشاعر ملتبسة أثناء عملي قاضي تحقيق مع علي حسن المجيد.. كيمياوي، تلخصت بالموعظة والعبرة والدرس الكبير… طوال حكم صدام حسين.. محفوفا بأركان نظامه.. جار على الناس حتى ضجوا بالدعاء: “ربنا ما ضرنا صدام ولكن ضرنا حلمك على صدام”.

إبتدأ سفر الجور برفاق النضال.. البعثية، عادما مجموعة منهم في قاعة الخلد، بعد ثلاثة أيام من تسلمه رئاسة الدولة، في تموز 1979.. ألحق بهم عبدالخالق السامرائي.. رهين السجن بتهمة الأخلاق المثالية.

جيء بالسامرائي الى قاعة الخلد، وشد وثاقه مع من إتهمهم صدام بالخيانة، وهم طلقاء بينما عبد الخالق، مسجون منذ سبع سنوات، منقطع خلالها عن الناس، فمن أين وكيف تآمر!

لمحت في عينيه “حوبة” عبد الخالق السامرائي، الذي أعدمه صدام بطلب من علي حسن المجيد.. رأيت أثناء التحقيق حلبجة وهي تباد برائحة التفاح المتعفن المرافقة لإلقاء السلاح الكيمياوي على البشر، وبهظتني توسلات المقيدين والمجيد يضرب وجوههم بحذائه، بعد أن دكت صواريخ الارض أرض بيوتهم في مدن الجنوب وقراه المنتفضة خلال شعبان / آذار 1991و… سمعت صراخ المعذبين في مطامير الامن العامة وسراديبها والمعتقلات والسجون…

وجدت في التحقيق مع كيمياوي، تطبيقا ميدانيا للحكمة القائلة “لو دامت لغيرك ما وصلت لك” وبيت الشعر الشهير: “أوتيت ملكا فلم تحسن سياسته.. ومن لا يسوس الملك يخلعه”.

كيمياوي ونظام صدام كله، لا يعرفون التوازن.. عاشوا وماتوا مستفزين من المنطق؛ يتيهون صلفا بمنطق السلطة لأنها توفر غطاء يبرر الأخطاء، التي تحاط بثلة من متملقين، يدافعون عن الرأي ونقيضه إرضاءً لمصدر القوة.

وأنواع القوى هي: قوة السلطة وقوة العضلات.. الجيوش والسلاح وقوة البيان وقوة الدين وقوة المال و… غالبا ما يجمع الطغاة أنواع القوى.. تلك كلها.

إنهم عقليات بسيطة نقلت قناعات القرية الى القرار الرسمي؛ فدمرت العراق.. بدءا بتدمير رفاقه البعثية، ومن ثم طوى العراق في حروب جرت حصارا لم يرفع إلا بإحتلال عسكري!

حققت مع علي كيمياوي.. عرّفت بشخصه وهويته وأربع عشرة جريمة.. إشهرها ضرب مدينة حلبجة بالكيمياوي وقمع الإنتفاضة وتسفير وإبادة الفيليين.. ألقوهم بين الجبال نهبا للضباع والذئاب والدببة والاسود.. عزلا، لا مأوى وطعام ولا شراب او دواء.. خارج نطاق الرحمة.. مأساة يعجز عن وصفها الخيال.

التحقيق مع رجل ذي تاريخ ملتبس؛ يبدو عسيرا، لكنني وجدت نفسي أمام إنسان هادئ.. رزن.. مؤدب، بالتأكيد لم يكن كذلك وهو في السلطة! يا لخيبة رجل يقسو على الضعيف و “ينخ” للقوي.. “إبك كما النساء ملكا مضاعا.. لم تصنه كما الرجال”.

أجاب على أسئلتي التحقيقية بإتزان غير معهود منه أثناء السلطة، فواجهته بالقانون.. لم أسقط مشاعري عليه وهو تحت رحمة قانون أنا أمتلك وسائل تطبيقه.

وبعد سلسلة جلسات تحقيقية أوصينا بإحالته الى محكمة الجنايات التي قضت بإعدامه جزاءً وفاقا لأولى الجرائم الاربعة عشر.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here