حمامات السلام ترشق الدم في فضاء بغداد !

حمامات السلام ترشق الدم في فضاء بغداد !

بقلم: طالب الأحمد

كلما أمرّ بساحة الطيران أتأمل جدارية “السلام” للفنان الراحل “فائق حسن”..وكلما أتأمل الجدارية ينتابني الهمّ والغمّ على حال بغداد التي كانت توصف ب”دار السلام” ومدينة ألف ليلة وليلة المسكونة بسحر الشرق والجمال الباذخ المثير لقريحة الشعراء.

أقف حزينا أمام مشهد الطفل في الجدارية وهو يطلق حمامات السلام في فضاء بغداد جذلاً ..رافعاً كفيه بحبور كأنه يهمّ أن يطير معها..أرنو للسماء فلا أجد فضاءاً لحمامات السلام.. اتلفت حولي فلا أجد أرضا للطفولة السعيدة..بل أجد أطفالاً وصبية وشبان يفترشون الأرصفة وهم يبيعون السجائر والمواد المستعملة وعيونهم تتوسل لعابري السبيل أن ينظروا لبضاعتهم المزجاة في قارعة الطريق.

يوم الخميس الماضي تناثرت أجساد هؤلاء البؤساء بتفجير انتحاري قرب جدارية فائق حسن..بكى الطفل الذي أطلق حمامات السلام ..وتلاشى الهديل في فوضى الإنفجار حتى خلت الحمامات تحلّق باكية وهي ترشق دماء الابرياء في فضاء بغداد.

لاتسعفني الكلمات لوصف ماجرى في ذلك النهار الدامي ..البؤساء الذين خرجوا منذ الصباح الباكر من أحياء بغداد الفقيرة أملاً بالعودة إلى ذويهم بما يسد الرمق لن يعودوا ابداً لمنازلهم بعد أن تضرجت أجسادهم بدماء الفجيعة..أما أرواحهم البريئة فقد حلّقت كحمامات السلام بعيداً ..بعيداً.. إلى عالم الملكوت لتشكو مظلوميتها عند مليك مقتدر.

ليس الظلاميون التكفيريون وحدهم من ظلم هؤلاء الشهداء، بل كل مسؤول في الدولة العراقية لم يعمل ولم يجتهد في أن يوفر لهم سبل الحياة الكريمة ..كل مسؤول لم يفكر يوماً بإزالة مشاهد البؤس والحرمان من قلب بغداد ، عاصمة البلد الذي أنعم الله تعالى عليه بثروات وثروات، ويُعد البلد الثاني في قائمة دول الأوبك “الغنية”.

كيف يمكن للمرء أن يتصور البؤس وأحزمة الفقر تتسلل كالأفاعي إلى قلب مدينة كان أسمها بذاته يوحي بالثراء وترف العيش، فيقال لمن أنعم الله تعالى عليه بالرخاء أنه “تبغدد”!.

حقا لاتسعفني الكلمات لوصف اللامعقول في بغداد الحزينة..ولكني فقط أتساءل كم مسؤول في إدارات البلد سيشعر بالخجل عندما يمرّ بجدارية فائق حسن ..أتراه يسمع نحيب حمامات السلام؟، أم أنه لايفقه رمزية الفن التشكيلي ولايتذوق جمالياته البصرية؟.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here