للكلمة قتلتها!!
يا كلاما من لهيب الألمِ وصراخا من فؤاد السأمِ
المجتمعات الحرّة المعاصرة تفخر وتتباهى أن يكون من بين أبنائها شابا جريئا , قادرا على أن يتكلم بلسان الحقيقة بلا خوف أو تردد أو تريث.
نعم إنها تتباهى بالأقلام الحرة القوية الجريئة الصادقة , التي تكشف جوهر المعاناة , وتعلي راية الحرية والصدق , والمواجهة الإنسانية المضيئة في الحياة .
فالمجتمعات لا يمكنها أن تحقق شيئا إذا إغتالت الكلمة , وقتلت أصحاب الأقلام الحية النبيهة النبيلة , الناطقة بالحاجات الإنسانية الصادقة , المؤثرة في بناء أسس التطلع الأفضل إلى أمام.
الأقلام التي تستجيب لنداء ” مَن رأى منكم فيّ إعوجاجا..” , لصرخة الحق والغيرة الإنسانية الساطعة , التي تأسست على هديها الحالات المنيرة في التاريخ.
فالإعوجاج لا بد له من تقويم , وإلا فأن الحياة تنحدر إلى حضيض الضلال , ومستنقعات الظلم والفساد والإستهتار بحقوق الآخرين.
قتلوا كلّ كلامٍ طاهرٍ دنّسوا الأرض بشر السقم
والذي يقتل الكلمة مجرم بحق الإنسانية , ومن أعتى أعداء الديمقراطية والوطنية , ومن عبدة الكراسي البغيضة المهينة , والحالم بأطماعه ورغبات أمّارة السوء الفاعلة فيه.
مَن يقتل الأقلام الحرة لا يستحق أن يكون قائدا أو مسؤولا أو أن يقوم بأي نشاط إجتماعي , لأنه عاهة سياسية وسرطان أخلاقي , ووباء فايروسي يمحق الوجود الطبيعي للمجتمع , ويخلق حالات مرضية مستوطنة ومزمنة تقضي على القدرات , وتصادر الطاقات وتمنع الإبداعات وتحطم أركان الحياة , وتسرق منها بذور الأمل والفرح.
فماذا إستفادوا الذي قتل الصحفيين والمثقفين الأحرار؟
وماذا إستفاد فاتك من قتل المتنبي؟
ماذا يستفيد القتلة ؟
سيقولون بأنهم ينفذون أوامرا وحسب , لتبرأة ضمائرهم العفنة الخبيثة الجوهر.
هؤلاء هم المجرمون الحقيقيون بحق الإنسانية والتأريخ والدين والسماء والأرض والأجيال , وبحق كل قيمة ومعيار ومنهج وتطلع وأمل وطموح.
قتلة الكلمة يقتلون الله والأنبياء ويمزقون الكتب ويتدثرون بالحمأ المسنون , ويشربون الزقوم , وينامون على صديد السوء والبغضاء والكراهية والحقد والإنتقام.
هؤلاء بلا ضمير ولا رادع أو دليل.
قوم يتبعون ويخضعون ويتحركون كالدمى في دروب الزمان , ليمحقوا الحق وليؤازروا الباطل , ويحسبون أن الباطل لا يُزهق وأن الحق يغيب ويخضع.
قتلة الكلمة لا يعرفون الله , ويدينون بعقيدة الأنجاس والأباليس ويرضعون حليب الخناس.
أولئك الذين تكوى بالحميم قلوبهم وعيونهم , وكل بقعة من بدنهم المحنظ بالضلال والبهتان وفكر الشيطان الرجيم , وسيتوطنهم الجحيم حتما ولا مِن رحيم.
فمَن يَقتل يُقتل , وتلك عدالة السماء وقوانين الوجود الخفية , التي تسري رغم كل الأوهام والخدع والتصور بأن القوة للبشر المصنوع من طين.
الذين يقتلون الكلمة يريدون الناس أن تمضي في صراط أعوج , ويكون عندهم الظلم عدل , والفساد سلوك صحيح , والباطل حق , والضياع منهج , والتدهور إلى الحضيض عنوان مسيرتهم وبرهان عقيدتهم العمياء.
إنهم ألد أعداء الديمقراطية , ويحملون أبشع النفوس وأوضع النوازع والتطلعات , وفي هذا العصر يتفوقون بجرائمهم على أعتى وحوش البشرية , من هولاكو وما فوقه ومَن سار على نهجه وترسّم عقيدته المنكرة , التي يمكنها أن تنتشر كالطاعون بين العباد , لأن الشر من أخطر الأوبئة وأفظع الأمراض , التي تتملك الناس وتأخذهم إلى حفرٍ من نار وسعير.
مَن يقتل الكلمة يتلقى أمرا من سيده المُألّه المُعلى الجالس على عرش القبائح البشرية , التي أخذت تعصف في وديان التطلع إلى حياةٍ ذات قيمة إنساية ومعايير حضارية.
قتلة الكلمة كبعوضة الملاريا تلسع الأصحاء , وتصيبهم بنوبات الحمى وتقتل منهم الآلاف والملايين كل عام.
وهم من أعوان أسلحة الفتك بالحياة والقيم والأخلاق والحق والصفاء والنقاء والأمن والسلام.
قتلة الكلمة أنصار الخبيث وأعداء الطيب , ومن حزب الهالكين في كل زمان , مهما توهموا بأنهم من الأحياء , فأنهم في محنة الموت النفسي والفكري والعقائدي والأخلاقي , الذي يحرق ضمائرهم ويمزق أعماق دنياهم ولا يدعهم يستريحون , لأن صراخ الأبرياء كالرصاص الحارق الذي يخترق أفئدتهم , ويهيمن على عقولهم ويستبيح أدمغتهم , ولا يدعهم يرون إلا سياط العذاب ونيران الجحيم النفسي والعاطفي , الذي يسجرهم سجرا عنيفا ويمعن في إيلامهم فوق جمرات الوعيد.
ويبغونها عوجا وهم في الآخرة هم الكافرون , الذين إذا رؤوا المنكر يعززونه بأفعالهم وأقوالهم ونياتهم السوداء.
“….. ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم” عمران 21
وفي العراق قتلوا (475) صوتا حرا !!
د-صادق السامرائي