أسباب اتساع الخروقات الأمنية: 15 عاملاً يستغلها داعش تبدأ من الفساد وتنتهي بـ العميل المزدوج

(المدى) تكشف أسباب اتساع الخروقات الأمنية: 15 عاملاً يستغلها داعش تبدأ من الفساد وتنتهي بـ العميل المزدوج

بغداد/ تميم الحسن

وصلت (المدى) عبر حساب العوامل التي يعتقد انها دفعت الى تصاعد الهجمات المسلحة في اطراف المدن ثم في قلب العاصمة بغداد، الى 15 سبباً على الاقل، تبدأ من الفساد وتنتهي بـ”المصادر المراوغة”.

وجردت (المدى) تصريحات لبرلمانيين ومسؤولين محليين ومصادر امنية مطلعة، منذ أواخر 2020 وحتى تفجير صلاح الدين الاخير، وكشفت التصريحات عن أخطاء وثغرات امنية وكلف كبيرة لعمليات ملاحقة المسلحين.

وحتى نهاية العام الماضي، كان تنظيم داعش، وبحسب المنصات الرقمية التابعة له، قد نفذ نحو 1400 هجوم في 2020، اغلبها في المناطق التي كان يعتبرها اجزاء من “دولة الخلافة” التي انهارت في 2017.

وبقي داعش في اغلب تلك الهجمات، يستهدف المناطق النائية البعيدة عدة كيلومترات عن تواجد القوات الامنية، وينفذ بين هجوم وآخر حملات اقتحام لمنازل عسكريين، او مخاتير، ومتعاونين مع القوات الامنية، لحين الخرق الاخير في ساحة الطيران الذي كشف عن تطور جديد.

وبحسب تسريبات من التحقيقات التي شكلت عقب حادثة الطيران، والتي تسببت بمقتل 32 مدنيا واصابة اكثر من 100 آخرين، ان “هناك مضافات في داخل العاصمة” سهلت وجهزت “الاحزمة الناسفة”.

وكانت آخر عملية انتحارية سجلت في بغداد، في صيف 2019 حين قام انتحاريان اثنان بتفجير نفسيهما مستهدفين مجلس عزاء في مسجد في حي التراث، غربي العاصمة، ماتسبب بمقتل واصابة نحو 16 من الحاضرين.

تحقيقات حادث الطيران

ويعلق مصدر امني مطلع على دخول الانتحاريين الى قلب العاصمة في تصريح لـ(المدى): “4 اسباب تقف وراء ماجرى في الطيران: الفساد، ضعف الجهد الاستخباري، عدم مهنية بعض الاجهزة الامنية، وتقاطع عمل تلك الاجهزة”.

وفي وقت سابق، ابلغت مصادر (المدى) عن وجود حالات “فساد” في بعض المناطق الهشة امنيا، تمثلت بـ”الفضائيين”، وصلت الى ان يكون نحو نصف التشكيل الامني متواجدا على الورق فقط.

وتمتد صور الفساد في قطاع الامن، بحسب ما يذكره النائب عن الانبار نعيم الكعود لـ(المدى) الى ان “بعض قيادات وعناصر داعش اصبحت خارج المعتقلات بسبب رشاوى او ضعف في قاعدة البيانات الخاصة بـ المنتمين الى التنظيم”.

وكانت الحكومة قد اكدت، في اعتراف نادر بعد 2003، بان ماجرى في ساحة الطيران هو “تقصير امني”، وغالبا ماتحمل الحكومات السابقة “داعش” او دولة مجاورة او بعيدة مسؤولية تلك الخروقات.

ويقول بدر الزيادي، عضو لجنة الامن في البرلمان لـ(المدى) ان “هجمات داعش في اطراف المدن لم تتوقف، لكن ان تصل الى قلب بغداد وتقتل هذا العدد من المدنيين يدفعنا الى ان نأخذ اجراءات اخرى”.

اللجنة، وبحسب ما يؤكده الزيادي، قررت “استدعاء 7 قيادات امنية كبيرة في بغداد” لسؤالهم عن الخرق الاخير، ابرزهم قائد العمليات، قائد الشرطة، مدير الاستخبارات، مدير الامن الوطني، مرجحا ان يتم حضور تلك الشخصيات اليوم الثلاثاء او الاربعاء كحد اقصى.

وتعد بالمقابل اللجنة، تقريرا مفصلا عن الخروقات الامنية الاخيرة في البلاد، ويؤكد الزيادي ان “التقرير سيسلم مباشرة الى رئيس الوزراء بعد استكمال مناقشة القيادات الامنية”.

وكانت لجنة الأمن في البرلمان، قد اعلنت مؤخرا، أن من قاما بتفجير نفسيهما في ساحة الطيران وسط بغداد عراقيان.

وأكد محمد رضا آل حيدر، رئيس اللجنة في تصريحات للتلفزيون الرسمي، أن “من فجرا نفسيهما في ساحة الطيران هما عراقيان من الموصل”.

وعزا آل حيدر وقوع التفجير إلى ما وصفه بـ “العمل الروتيني والاسترخاء عند الأجهزة الأمنية”.

كذلك كان قد نفى الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة يحيى رسول، بان يكون منفذا هجوم الطيران من جنسيات عربية، كما تم تداوله في بعض المواقع الاخبارية.

وقال رسول خلال تصريحات للتلفزيون الرسمي: “ما حصل في ساحة الطيران وسط بغداد خرق أمني وتقصير تم الاعتراف به”، مضيفا أن “ما تم تداوله من صورة للانتحاريين غير صحيحة، والانتحاريين عراقيان”.

وبحسب مواقع مرتبطة بتنظيم “داعش”، ان الاخير نفذ 1329 هجوما خلال عام 2020، اكثرها كان في شهر أيار بـ 193 هجوما، ثم نيسان 151 هجوما، واقل شهر بعدد الهجمات كان في نهاية العام بـ75 هجوما.

كلفة الحملات العسكرية

بالمقابل وبحسب مصادر مطلعة ان القوات العراقية منذ بداية العام الحالي قتلت نحو 60 مسلحاً خلال 70 حملة عسكرية.

وبحسب المصدر الامني المطلع ان “40 قياديا بارزا في التنظيم قتلوا خلال تلك العمليات، و18 بدرجات ادنى اهمية في التنظيم، بعضهم ممولون او ناقلون”.

وفي نهاية العام الماضي، كان جهاز مكافحة الإرهاب قد كشف عن تنفيذ أكثر من 253 عملية عسكرية ضد تنظيم “داعش” خلال عام 2020، فيما أشار إلى قتل واعتقال نحو 500 عنصر من التنظيم.

لكن ناصر تركي، وهو عضو آخر في لجنة الامن في البرلمان يقول لـ(المدى) ان “العمليات العسكرية ليست بالمستوى المطلوب، ونتائجها ضعيفة وتختلف عن العمليات التي جرت بعد انتهاء الحرب على داعش”.

واشار تركي الى ان “تلك العمليات كانت مؤثرة فعلا واعادت تمشيط المناطق بشكل دقيق، ومنعت عودة الارهاب”.

وكانت مصادر قد ذكرت في وقت سابق لـ(المدى) ان اغلب العمليات العسكرية التي جرت في العامين الماضيين “شكلية”، كما ان قلة مخصصات وقود الآليات قد قلص “الحملات العسكرية الى النصف”.

وغالبا ما ترافق تلك الحملات طائرات من التحالف الدولي، حيث مازال العراق بحسب مسؤولين، يفتقر الى التقنيات العسكرية، والتصوير الجوي، والامكانيات التي لدى القوات الاميركية في ملاحقة وضرب مواقع تحصن المسلحين في الصحراء او المناطق الجبلية.

ويقول المصدر الامني المطلع ان “الطلعات الجوية خاصة المتعلقة بقتل قياديين من داعش تكون مكلفة للغاية، لان ظروف ومكان اختباء قيادات داعش تكون اصعب واكثر تعقيدا من بقية عناصر التنظيم”.

وبحسب احصائيات سابقة للتحالف الدولي، فان اليوم الواحد للطلعات في سوريا والعراق (اكثر من طائرة وطلعة في اليوم الواحد) يكلف نحو 10 ملايين دولار، فيما يقدر المصدر ان “تكلفة الطلعة الواحدة لطائرة التحالف الواحدة تصل الى 70 الف دولار”.

وغالبا ماتحدث الخروقات الامنية في المناطق النائية وذات الطبيعة الجغرافية المعقدة، لاسباب تتعلق بنقص التقنيات الموجودة في الطئارات، او حتى الاسلحة المتطورة مثل بنادق القنص المزودة بكاميرات حرارية ذات دقة عالية.

المساء لـ”داعش”

ووفق المصدر الامني ان “الجيش والحشد لديهما اوامر صارمة بعدم القيام باي هجمات بعد المساء في اي مكان”، ما يعني تحولهما في الليل الى الدفاع، فيما تكون اغلب عمليات تصفية المهاجمين قبل طلوع الشمس.

ويعزو المصدر ذلك الى “عدم وجود الامكانيات والتقنيات لشن هجمات في الليل، بينما داعش لديه قناصات مزودة بكاميرات حرارية دقيقة ما يجعل عناصره مسيطرين بعد المساء”.

وكان عبد الخالق العزاوي، عضو لجنة الامن في البرلمان قد قال في وقت سابق لـ(المدى) ان “اغلب الهجمات التي ينفذها داعش ضد القوات الامنية هي عن طريق القنص”.

ويعتبر ترك مساحات جبلية وصحراوية شاسعة في البلاد بدون مراقبة او تواجد ثابت للقطعات الامنية من ضمن الاسباب التي تساعد على تزايد الخروقات، بالاضافة الى استمرار عدم التنسيق بين القوات الاتحادية و”البيشمركة” في المناطق المتنازع عليها.

ويقول آزاد حميد النائب عن ديالى لـ(المدى) ان عودة القوات الكردية الى المناطق المتنازع عليها في شمال شرقي ديالى”سينهي فراغا عرضه يصل الى 5 كم وطوله نحو 100 كم بين البيشمركة والقوات الاتحادية”.

وتسجل أحيانا الحوادث في المناطق المتنازع عليها، باسماء اخرى غير داعش مثل اصحاب الرايات البيضاء او تنظيمات اخرى.

ويعزو عبد العزيز حسن، وهو عضو سابق في لجنة الامن في حديث لـ(المدى) ان بعض المناطق في شمالي وشرقي البلاد “مازالت تشهد خلافات حادة بين السكان بسبب ماجرى بعد 2014، ويستغل داعش تلك الخلافات لكسب عطف بعض الجماعات”.

ويؤكد حسن، ان اغلب المؤتمرات التي اعلن عنها عن المصالحة المجتمعية في تلك المدن كانت “دعايات ولم تنجح”، مضيفا ان “البطالة والسياسات الخاطئة تجاه السكان تدفع الى زيادة حواضن التنظيم”.

المصادر الخادعة !

ولعل اغرب ما توصل اليه الاستطلاع المختصر الذي اجرته (المدى)، هو “الخديعة” التي سقط بها عدد من التشكيلات والقيادات الامنية، من قبل بعض “المتعاونين” والتي تسببت على الاقل في مقتل واصابة 100 مدني وعسكري في هجمات نفذت على اطراف بغداد ومدن اخرى.

وكان رئيس لجنة الامن في البرلمان محمد رضا آل حيدر قد قال في تصريحاته للتلفزيون الرسمي ان “بعض اعضاء لجنة الامن في مناطق حزام بغداد ابلغوه بوجود نشاط جديد للتنظيم”.

لكن عضوا آخر في اللجنة كان حاضراً في اجتماع الاحد، قال لـ(المدى) ان “القضية ليست متعلقة بنشاط وانما بخطأ كبير في تجنيد المصادر”.

وتعتمد اغلب التشكيلات الامنية على اشخاص يكونون في العادة “منشقين عن داعش” في خرق صفوف التنظيم، لكن هذه المصادر بدأت في الآونة الاخيرة تخشى القتل بعد تسرب المعلومات من قبل القوات الامنية، بسبب ان هذه الاجهزة باتت مخترقة من التنظيم.

ويضيف عضو اللجنة الذي طلب عدم نشر اسمه ان “الاسوأ في ذلك ان بعض المصادر ظهرت بانها تتعامل بشكل مزدوج وخدعت القيادات الامنية، وتسببت باعطاء بيانات عن الجيش والحشد الى داعش”.

واعتبر النائب ان الهجمات في مناطق حزام بغداد، مثل الطارمية والرضوانية التي تستهدف “الصحوات” والقوات الامنية هي بسبب “العميل المزدوج”.

كما قال عضو اللجنة ان هجوم صلاح الدين الاخير على لواء 22 في الحشد، والذي تسبب بمقتل وإصابة اكثر من 20 عنصرا بينهم آمر فوج، كان بسبب “وشاية من المصدر الى داعش جعل عناصر من اللواء تخرج من المقر وتتعرض الى القتل”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here