النهوض بالتعليم: استثمار المستقبل المستدام

النهوض بالتعليم: استثمار المستقبل المستدام

بقلم الدكتور يوسف بن مير

شارك علماء الاجتماع، كل حسب تخصصه، بعض الدراسات القيمة التي ظلت راسخة في الأذهان. ولقد اكتشفوا من خلالها أن الأشخاص الذين يعتمدون منهاج الوضع الحقيقي لفهم الحياة الاجتماعية يستوعبون الإشكاليات بشكل أوضح، مقارنةً بأولئك الذين يستخدمون نفس الأساليب بجدية ولكن دون تطبيق ميداني مناسب.

يتعلم الأشخاص بشكل أفضل من خلال الانخراط في مواقف تجسد التحديات الأساسية – التي تواجه مجتمعاتنا المحلية – ليس فقط لجمع المعلومات عن حالات معينة، بل أيضًا لتلبية احتياجات الأفراد. ويمنح التعلم بالممارسة السياق الأنسب لبلورة الإمكانات التعليمية والمساهمة بذلك في ازدهار البشرية.

إن إدراك هذا يعني أيضًا أن هناك ممارسات تحول دون تحقيق ذلك، معتقدات متجذرة بشكل شائع في التوقعات المتشائمة لنتائج البحث، والتصاميم الهشة التي تتسم بغياب النتائج الملموسة. وقد ينجم عن هذا وضع تفسيرات سطحية أو مضللة لمسببات الظواهر الاجتماعية، والأسوأ من ذلك، أن يتم اللجوء إلى علاجات لا صلة لها بالتحدي المطروح.

لسوء الحظ، تُلقن هذه الأفكار المقيدة من خلال المنظومة السائدة للبحث والتعليم العالي، كما أنها تنحدر أيضًا من البنية التحتية للتعليم. وعقب ذلك، فإن الانخراط التفاعلي مع المجتمعات المحلية، بهدف اكتساب الوعي من خلال التجربة، يشكل توجهًا تربويًا يتعارض مع نظام الفصول الدراسية التي تركز على كراسي مقبلة على وجهة واحدة، الأمر الذي يجعل المشاركين غير قادرين على التفاعل والمشاركة بشكل كاف.

إن الأدلة المتاحة لا تدع مجالاً للشك، حيث تُظهر أن قدرتنا على دمج المعرفة القائمة على الخبرة يمكن تفعيلها متى شئنا دون قيود العمر الأدنى المسموح به. وبفضل الإصلاح الذي شهدته التخصصات الأكاديمية، التي تم النظر فيها بشكل إجمالي، فقد تم بنسق تدريجي تحقيق بنية تشبه تلك التي تحققت خلال عصر الأنوار في الغرب: يحتاج الطلاب إلى المشاركة في البحث الميداني عن المجتمعات المحلية، مع التنسيق بين جمع البيانات والإجراءات التي تهدف إلى ضمان العيش الكريم. يلاحظ أن تقدير الجامعات والمراكز التعليمية لجميع الأعمار – بما في ذلك الأطقم الإدارية والموارد المتناسبة والمتخصصة – يتم تركيزه على تزويد الطلاب بنهج عملي يمكنهم من استيعاب سبل الحياة بشكل هادف من خلال فعاليات صقل القدرات المهنية والروح الوطنية.

وبينما ندرك بشكل تجريبي ونكتشف جذور التحديات الاجتماعية (الفقر، والتقسيم الطبقي الاجتماعي، وإمكانيات الأجيال الحالية غير المبلورة) فستتضح لنا بعض السمات الأساسية المشتركة. ويشمل ذلك دورات تجمع أعضاء المجتمعات المحلية لمناقشة هذه الأنماط وتحديد المشاريع المحلية التي تفتح نوافذ التغيير وتحسبن سبل العيش والعدالة. إن الأمر برمته يعتمد على التحقيق، والاستجابات العملية والتفاعل المستمر، والعزيمة التي تخترق تلك القوى المتشابكة التي تخلق صراعات وحلول اجتماعية واقتصادية وبيئية. ببساطة، يقتصر ذلك على شخص يساعد أفراد آخرين على التواصل والتعبير عن أنفسهم، وجرد معلوماتهم ثم الاحتفاظ بها وتنظيمها والتصرف بناءً عليها كأساس لاتخاذ القرار. كما ينطوي أيضًا على التوفيق بين معاناة الماضي، مع كل حمولاتها من ندم وحسرة، والتصميم على التعاون وخلق المنافع الشخصية والمشتركة التي تعود على الناس جميعا بالخير الوفير.

إن إحراز التقدم في أمور الحياة، كبيرًا كان أم صغيرًا، لا يحدث أبدًا بطريقة خطية. فكل سياق يتبع مساره الخاص. وتجد الطبقية العالمية بأشكال لا تطاق طريقها لزرع تأثيرها في غرف المدرسة. وكل هذا (استغلال نقاط الضعف والأمل) يشعل سعيًا مدى الحياة بين الشباب المتعلم للمساعدة في تنفيذ المبادرات المجتمعية التي تشكل فرصة مناسبة، عادلة، مطلوبة، لكنها متأخرة لسبب غير مفهوم. ويمكن لهذه الفعاليات، عندما يختبرها الشباب، أن تكون مقنعة جدًا لدرجة أن مسارات حياتهم تصبح جديدة، غير محدودة، وتكون مفعمة بالحيوية.

أعتبر نفسي محظوظًا لأنني تلقيت هذا النوع من التعليم الأساسي في منتصف العشرينات من عمري كمتطوع في هيئة السلام الأمريكية بالمغرب، عقبته فترة من الدراسة العملية التي قادتني للعمل مع مؤسسة الأطلس الكبير في مراكش بعد 27 عامًا. لقد صدمني أمر زيارة الطلاب المتدربين الشباب، حيث انغمسوا في تحليلاتهم وملاحظاتهم ومشاركتهم ودعمهم لممارسات حركات الناس من أجل التنمية. وخلال سنوات العطلة المفتوحة التي اختاروا قضاءها هنا، كان الطلاب، في سن المراهقة المتأخرة، على دراية بتناقضات العمل الصعبة وإمكانات التغيير لما يحدث عندما يعتمد أعضاء المجتمع مناقشات غير مريحة قصد إيجاد توافق في الآراء والمضي قدمًا.

احتفالًا باليوم العالمي للتعليم 2021 هذا الأسبوع، أعبر عن أمنية أفترض أنها متداولة بشكل مألوف خلال الاحتفالات السنوية: أن تكون الفصول الدراسية مصممة كمراكز مجتمعية حيث يرسم طلاب المدارس الإعدادية والثانوية والطلاب الابتدائيون والأطفال الصغار برامج التخطيط التشاركي لمجتمعاتهم، مع مراعاة مجموعات حسب الجنس للكشف عن وجهات نظرهم مختلفة، وتصوير رؤاهم، والأماكن التي يحبونها ويشعرون برغبة في تطويرها، والأفكار الخاصة بمستقبلهم. إنه أمل نعرضه على الشباب ومن هم دون سن المراهقة ليوازنوا معًا الأولويات التي يرغبون في رؤيتها تترجم إلى أرض الواقع في محيطهم وفصولهم الدراسية. إنه ذلك الحلم القديم عندما يصبح التعليم، أكثر من أي وقت مضى، يبحث عن إيقاظ القلوب، وزرع مشاعر مراعاة الفرد لمشاعر الآخرين، وعن تحصيل بيانات مجتمعية تشجع على التوجه نحو الاستدامة، والسعي ليس فقط إلى الفهم ولكن لتحسين الحياة بكل اهتمام، وبشكل مستدام.

إذا صحت المقولة، المنسوبة إلى علماء الاجتماع الموقرين، أن المرء يمكنه فعلًا تغيير حياة المزيد من الأشخاص والتأثير عليهم من خلال القيام بمزيد من الأعمال والمساهمات داخل المجتمعات بدل تصور ذلك فقط، فإن عليه بدأ هذا المشوار في مجال التعليم أولا، أو بالأحرى في دحض بعض المعتقدات المقيدة السائدة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here