اهوار العراق دُرر العراق (*) السومريون، ساكني مناطق الاهوار، معتقدهم وسجاياهم الحميدة ! ح5 الاخيرة

اهوار العراق دُرر العراق (*) السومريون، ساكني مناطق الاهوار، معتقدهم وسجاياهم الحميدة ! ح5 الاخيرة د. رضا العطار

يعلمنا عالم الاثار ومترجم الكتابة المسمارية صموئيل كريمر: ان المفكرين السومريين، وهم منساقون بوجهة نظرهم عن العالم والحياة، لم يكونوا كثيري الثقة بالانسان وبمصيره. انهم اعتقدوا اعتقادا جازما بان الانسان صنع من الطين. هذا ما تثبته الالواح الطينية وهي مدونة بهذا النص :
( امزجي لب الطين الموجود في اعالي المياه التي لا يسبر غورها)

لقد وجد النص الذي يروي قصة خلق الانسان من الطين منقوشا على لوحين، جاء احدهما من موقع ـ نفر ـ (قرب مدينة السماوة) وهو الان موجود في متحف بنسلفانيا بالولايات المتحدة، والاخر موجود في متحف (اللوفر) بباريس. حيث حصلوا عليهما من تجار الاثار. وقد اكتشف اللوحان عام 1919 و استنسخا ونشرا عام 1934 وخلال هذه الفترة كان الجهد الجهيد للمتخصصين في علم الاثار منصا على استخراج المعاني كونها كانت محطمة متناثرة غير واضحة المعالم، وقد اشترك في هذا العمل الجليل علماء الخط المسماري من عدة متاحف عالمية

عليه يمكن من هذا ان يستدل المرء على ان قصة الخليقة التي قالها موسى لقومه انه تلقاها من الرب، كما جاء في التوراة، انما هي كانت مدونة في الادب السومري قبل اكثر من 2000 عام !

لقد اعتقد المواطن السومري بان الحياة يكتنفها الشك والالتباس وتحدق بها الاخطار، لأن الانسان لا يعرف مقدما المصير الذي قدرته له الآلهة، تلك الالهة التي لا يمكن التنبؤ بمعرفة ارادتها وانه خُلق لغرض واحد وهو ان يعبد الالهة ويقوم بخدمتها.
وعندما يموت الانسان تهبط روحه الى العالم الاسفل الرهيب حيث الحياة فيه ليست سوى صورة مكروبة بائسة.

هناك مسألة اخلاقية اساسية شغلت بال فلاسفة الغرب بيد انها لم تشغل بال السومريين، هي مسألة حرية الارادة. ولما كان العراقيون القدماء على ثقة بان الالهة خلقت الانسان من اجل انتفاعها، فأنهم اقرّوا بأن الانسان مُسيّر ومجبر وان الموت من نصيبه وان الالهة هم الخالدون. وقد عزوا اليهم كل الفضل في وجود الصفات الحميدة والفضائل الاخلاقية.

لقد تعلق السومريون كما دونوه على الواحهم الطينية، بحب الخير والصدق والاستقامة والعدل والحرية، كما كانوا يمقتون الكذب والزور والظلم والاضطهاد والضلال وارتكاب المعاصي. يتجلى ذلك في حركتهم التصحيحية عندما ازاحوا الملك الفاسد حاكم كيش واتوا بحاكم عادل المسمى اوروكاجينا الذي شهد عهده الاصلاحات الاخلاقية، فقد اعاد العدل والحرية الى الناس وطهًر جهاز الدولة من الموظفين المرتشين ورفع ظلم الاغنياء عن الفقراء ورعى الارامل والايتام.

كان اله الشمس – اوتو – المشرف الاعلى للأخلاق، لكن لم يتسنى لنا ان ندرك الدور الذي كانت بقية الالهة تقوم به في تقويم السلوك عند البشر.
فقد استطاعت بعثة التنقيبات الاثرية عام 1951 في موقع – نفر – الكشف عن الواح طينية تحتوي على تراتيل سومرية مدونة، توضح سيرة السلوك والاخلاق على الوجه التالي : ( الالهة نانشه ) تعني بالارملة واليتيم والفقراء وتنشر العدل — ان الملكة تأوى الذين بحضنها وحماها — انها تهيء المأوى للضعفاء.

وفي نص آخر، لا زال المعنى الدقيق غامضا، تصور الالهة نانشه وهي تقوم بمحاسبة البشر على خطاياهم في عيد رأس السنة وتصدر قرارها بالسخط على المسيئين.
وهنا نورد مقطعا مترجما من الكتابة المسمارية التي اكتشفت مؤخرا في الالواح الطينية الخاصة لحضارة كيش السومرية :
من بدّل الوزن الكبير بالوزن الصغير — من اكل ما ليس له ولم يقل (اكلته)، من شرب ما ليس له ولم يقل ( شربته ). ويتجلى لنا ما تحلت به ( نانشه ) من ضمير اجتماعي في الاسطر التالية : تواسي اليتيم ولا تهمل ارملة — تهيء المكان الذي يهلك فيه الطغاة — وتسلّم الظلمة بيد الضعفاء — ان نانشه تنفذ الى قلوب البائسين. .

أما عقيدة السومريين فكانت مقتصرة على قدرات الالهة، اهمها آنو اله السماء، وانليل اله العواصف، فهو كما يدل اسمه ( ان – ليل ) اي ( السيد العاصفة ) سيد ما بين السماء والارض بلا منازع، فإنه ولا ريب ثاني القوى العظمى في الكون المرئي ولا يعلوه مرتبة إلاّ اله السماء.
وانليل، اله العاصفة ( يكشف ) عن نفسه وما فيها من عنف وبطش مما يجده الانسان. وهكذا فإن علينا ان نحاول فهمه وفهم وظيفته في الكون عن طريق العاصفة.
لقد حكمت مدينة أور ارض بابل ردحا طويلا من الزمن، ثم سقطت في ايدي الجحافل العيلامية التي هبطت عليها من الجبال الشرقية في هجوم كاسح مريع. فالخراب التام الذي احاق بدولة بابل نراه نحن من فعل الجيوش الغازية. غير ان الأمر لم يكن كذلك بموجب فهم البابلي القديم للكون. ان التدمير العاتي في نظره، سببه سياسة انليل. فالجيوش المهاجمة بمعنى اصدق واعمق هي ضرب من العاصفة، عاصفة انليل ينفذ بها الاله حكما على أور واهلها، فاه به مجمع الآلهة.
اننا في طامات التاريخ الكبرى وفي الضربات الساحقة التي يقررها مجمع الآلهة، نرى دائما انليل على راس العاصفة. انه يمثل مفهوم البطش، منفذ احكام الآلهة.

* مقتبس من كتاب (الالواح الطينية السومريون) لصوئيل كريمر جامعة شيكاغو 1963

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here