مدى تاثير التغيرات الاجتماعية على تكوين الشخصية !

مدى تاثير التغيرات الاجتماعية على تكوين الشخصية ! (*) بقلم د. رضا العطار

يقع الانسان في اطار اجتماعي معين، فاما انه يتسم بالاستقرار او التغير. واما انه يتسم بعدم الاستقرار او بالتغير المفاجئ. والواقع انه في الحالات الطبيعية يكون الاطار الاجتماعي العام متسما بالاستقرار او بالتغير البطيء. واما في الحالات الشاذة كتلك التي تنشأ قبيل الحروب او اثنائها او بعدها. او في بعض حالات التغير التي تقع في النظام الاقتصادي او السياسي، فان التطورات ما تفتأ ان يعتريها الاضطراب السريع.

افترض انك كنت محاميا في عملك في المحاماة، للدفاع عن الشركات الخاصة. وحدث ان اقدمت الحكومة على تأمين الشركات. فبالنسبة لمثل هذه الحالة فقط طرأت تغيرات هامة في الاطار الاجتماعي. فالمحامون في مثل هذه الحالة يجدون انفسهم مهددين بالتدهور المالي في عملهم الذي يرتزقون منه. وعلى نفس النحو ولكن بشكل مضاد ما يقع للحرف اليدوية وتجار الاراضي وعمال البناء. بصفة عامة لو اعلنت الدولة سياسة الانفتاح الاقتصادي. حتى يصير بعض الحرفيين يكسبون اكثر ما يكسبه الوزير من معاشه.

وواضح من هذا ان لمثل تلك التغييرات الاجتماعية المفاجئة نتائج ايجابية هامة بالنسبة لبعض الناس بينما يكون لها نتائج سلبية بالنسبة لأناس آخرين. ولكن تلك التغييرات لها صدى كبير على مختلف نواحي الحياة، وحتى الناحية الجنسية منها، ففي الظروف الراهنة نلاحظ انه على الرغم من قيام العمار والتعمير الا ان ازمة السكن محتدمة وبخاصة بالنسبة لمحدودي الدخل. فمن اين للموظف الحديث ان يدفع الايجار حتى ولو كانت زوجته موظفة ايضا ؟

من هنتا نشأت مشكلة اجتماعية صرفة تتعلق بالعلاقات بين الجنسين هي كيفية انشاء اسرة جديدة تعيش في اي مستوى معقول وباي معيار مقبول. وطبيعي ان ينجم عن عجز الشباب عن الايفاء بمطالب اسر جديدة يقدمون على انشائها ان يؤجل الزواج او ان تلغى فكرة الزواج نهائيا. ولكن اذا ما الغيت فكرة الزواج فهل معنى هذا الغاء الجنس من اذهان الشباب ؟ والواقع ان الجنس موجود بداخل الشباب وليس خارجه. واول ما يرى الشاب او ان ترى الشابة تفرد الجنس الاخر، فانهما يجدان بداخلهما دوافع بيولوجية نفسية ملحة تتطلع الى الاشباع. ولعل الجنس كدافع غريزي لا يقل الحاحا عن الدافع الى الطعام. فماذا تكون النتائج والابواب موصدة امام الشباب للاشباع الجنسي الشرعي ؟
بيد اننا نحذر من استلهام الاجابة. لأن ما يختفي ويمارس في الظلام اخطر من ان يسكت عليه، ويستوجب الشعور بالقلق على مستقبل القيم التي دأبنا على الاعتزاز بها والاستمساك بتلابيبها

واذا نحن خرجنا من الاطار الوطني وتطلعنا الى الاطار العالمي الواسع، لوجدنا العالم يتنازعه اتجاهان اساسيان، المستبشرون الذين يعلقون الامال على الضمير الانساني الذي يرتقي الى الخير والسلام. والساخطون الذين يعتقدون ان الانسانية مقبلة على كوارث لا من خارجها بل من داخلها، فثمة مثلا الارهاب الفردي والارهاب الجماعي ومن ذلك اختطاف الاشخاص ومهاجمة الشخصيات السياسية ونسف المباني ناهيك عن المجاعات التي تجتاح العالم فتزداد رقعة الجائعين يوما بعد يوم والتفجر السكاني وزيادة عدد المواليد غير الشرعيين وسيطرة الظروف الخطرة كالضوضاء وتلوث البيئة

لقد صار الانسان الحديث ذرّة في مركب يستحيل التخلص من شدة ضغطه، بل ان الفرد من الناس قد صار خلوا من اي قيمة كما صار غير متفرد بميزة خاصة تميزه عن سواه
ومهما يكن من شئ فان الحياة تحمل وجهين متباينين، متناقضين، الوجه الاول مفعم بالنصاعة والاستبشار والوجه الاخر مفعم بالغم والاكتئاب. فالاحداث من حولنا والظروف الاجتماعية والاقتصادية المتباينة تبتس لنا مرة وتكشر عن انيابها مرات، ولقد تجد منا من يغضون النظر عن تكشير الانياب ولا يتذكرون او يدركون سوى الابتسامة التي رسمتها الوفرة على شفتيها. وان دل هذا على شئ فانما يدل على ان الاستعدادات الشخصية، لها ابعد الاثر في تلوين حياة الناس وجعلهم ينخرطون في اي من الفئتين الاساسيتين التين تشمل البشرية جمعاء، اعني فئة المترفهين من جهة وفئة الساخطين من جهة اخرى.
* مقتبس من كتاب ادب الشعب للموسوعي سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here