ألبناء الفكريّ أوّلاً

ألبناء الفكريّ أوّلاً:
بقلم : ألعارف الحكيم عزيز حميد مجيد
في البناء العادي الذي نستخدم فيه الطابوق و الطين و الأسمنت و الجص و الحديد و الألمنيوم ؛ هناك مسألة هامة يلتفت لها بعض الأذكياء ألمُرفّهين الميسورين و من الأوّل قبل و أثناء بناء الأساس(Basis) و هو وضع مضادات كيمياوية و سموم قاتلة للحشرات الضارة و (العث) مع القير حولها لحماية الأساس من النخر و الحفر و الدمار و الرطوبة المحتملة بمرور الزمن, و هذه الأحترازات من شأنها إدامة و حفظ عمر البناء لاكثر من قرن كإستندارد و كحد أعلى لعمر البناء وهو مستخدم الآن في أكثر بلاد العالم التي تتبع قوانين العلم, و صاحبه لا يبدل مثل هذا البيت (البناء) حتى بـ (آلبنتاكون), لعلمه بتفاصيل الأساس و البناء و الديكورات الجميلة التي أختارها, فيستمر معه و يعيش فيه كل العمر ….

هذا الامر يصحّ أيضا مع البناء الفكري إلى حدّ بعيد, لذا يجب أن نراعيه حين نريد بناء أنفسنا و هو أكثر صعوبة و حساسية وإرهاقاً .. لان التعامل مع الفكر ليس شأن الجّميع و لا يشبه التعامل مع الحجر و الحديد و الحساب و التكنولوجيا!

فكيف نبني ألفكر ليكون منطلقا للسعادة؟

هناك طبقة خاصة مِمّن أحبّهم الله – و هذا بحدّ ذاته سرّ و كرامة لا يعرف كنهها و قوانينها حتى الكثير من العلماء و المراجع – و العرفاء وحدهم يعرفون ذلك بسبب الفيض و التسديد الإلهي فيراعونها و يواضبون عليها, لذلك هذا المقال يعني أؤلئك الذين يعرفون قيمة الوجود و العلم و الفلسفة و العرفان و الفرق بينهما و قبلها قيمة و معنى الحُبّ, حيث يُمكنهم مطالعة الفلسفة الكونية التي هي أم الفلسفة وبآلتالي العلوم المرتبطة ليقفوا على تفاصيل هذا الامر الأعظم من كل شيئ في الوجود لتعلقه بمصير و عاقبة الأنسان.

فما المطلوب قبل البدء بآلبناء الفكري في – ليس العقل الظاهر فقط – لأنّه ليس أكثر من الوعاء الظاهري ألبدائي لوجود الأنسان .. لكن نعني بالعقل الباطن (ألوجدان), يعني أسّ الأساسات و حاضنها و مختبرها.

في البناء العادي كما أشرنا آنفاً نضع السموم و المضادات و القير أحياناً لحماية و منع الحشرات و الرطوبة و غيرها من تدمير سلامة أساس البناء و فاعليته .. ذلك الأساس يُعادله في البناء الفكري – العقلي الباطني؛ الطهارة و النية و تنظيف العقل و القلب من الأدران و الأفكار و منع القوة الشّيطانيّة معها من تسميمها و هذا حال أكثر – إن لم نقل كل البشر – خصوصا في بلادنا فآلشّخص حين يكبر و يصل مرحلة الجامعة تراه مشحوناً و ملغوما بطاقة وقودها أنواع الأفكار المتناقضة و الأتجاهات المختلفة و العقائد المشوّهة ..

لذا تراه يتقبّل بسهولة و بلا تردّد لئن يكون بعثياً مثلاً ثمّ داعشياً ثم شيوعياً ثم إسلامياً ثم دعوياً و للضالين لأنه يحمل بوجوده قابلية التقلبات و التبدل بسبب الجينات الوراثية و التربوية لكلّ مذهب و عقيدة و فكرة و نشاط سلبيّ كان أو إيجابيّ و ليس من الغرابة أن تره أخيراً يصبح فاسداً بسهولة و يُسر و يسرق حتى حقوق العميان و الثكلان و العريان و بلا رحمة لخلو قلبه منها .. بل فوق كل ذلك يعتبرها جهادا في سبيل ربّه الذي يؤمن به و هو لا يعرف صفة واحدة بشكل صحيح عنه!

لهذا قد يكون ذلك الرّب دقيانوس أو فرعون أو صدام أو نهيان أو محكان او برزان أو رئيساً للحزب الذي يغذيه و قد يكون آية الله فلاناً!

إذن ألنّية والطهارة متلازمتان كخطوة أولى ليكونا بمثابة المضاد الحيوي الأوّل الذي يسبق البناء الفكري لصدّ موجات العنف و القهر و القسوة وبجانب ذلك البناء المحمي – يجب تطعيمه بزرع المحبة و الرحمة ليحل محل تلك العقائد والمتبنيات ألتربوية وألنفسية والحزبية و القومية الجاهلية المُتنوعة من آلثقافات الشيطانية المتنوعة, لأنّ المحبة والرحمة لغة عالمية لا تحتاج لمترجم ولا تختص بوطن أو دين أو مذهب دون آخر, وقد يكون من ملحد أو كافر أو ممّن لا دين له أساسا, لأنّ الأنسان – أيّ إنسان – يولد على الفطرة ثم التربية.

ألمهم أن يكون أنساناً لم يؤذي الآخرين خصوصاً ألمُقرّبين و لم يأكل الحرام بل من كدّ يده أو والديه, و بعد ما يصل و يُحقّق هذه المرحلة, يمكنه البحث عن التفاصيل التي تحيط و تصقل تلك ألرحمة ليكون أساس عقيدته من الأعماق ليشيد فوقها بنائه آلرّاقي السليم و بخطوات ثابتة و يكون نافعاً و منتجاً سخياً مع المحبة التي تستحقها العائلة و المقربيّن قبل الناس لهذا العرفاء يعرفون طيبة أو فساد الرّجل من خلال تعامله مع عائلته؛ زوجته و والديه و أبنائه ثمّ مقرّبيه, لا مستهلكاً طفيليّاً, و لا مستجدياً للحُب, بل هو مَنْ يعطي و يشع الحُبّ من وجوده ولا يعتمد على جهود الآخرين و لا يهمه كسب ودهم بسخط الله.

إنّ ما يجري الآن خصوصا في أوساط مَنْ يسمون أنفسهم أو يُسمّيهم النّاس ألجّهلاء بآلقيادات وآلرّؤوساء والحكومات في عراق ألمآسي و الجهل لا أستثني أحداً كلّ أعضاء الحكومات و الأحزاب؛ هم طفيليون لا يملكون فكراً و يبحثون عن مسؤولية أو منصب شكلي و كرسيّ للسلطة لضمان لقمة أدسم و أموال أكثر بآلحرام من دون التفكير بآلغد أو العمل المثمر أو أنتاج أي شيئ مفيد للناس و الأجيال!

و الحال أن فلسفة الحياة وسبب وجودنا مبنيٌّ أساساً على ألمحبة كمعيار, و لا تأتي إلا بآلمعرفة التي تدفع بصاحبها وبقوّة نحو الأنتاج و عمل الخير بدل البحث عن حزب أو زاغور أو كرسيّ يستنزف من خلاله أبناء جلدته وأخوته في الدّين أو نظرائه في الخلق بلا رحمة لانه فاقد للرحمة و كما هو واقعنا اليوم خصوصا في الأحزاب و الحكومات التي تحاصصت على الفساد و كلها فاسدة و بكل المقايس ..

ألعارف الحكيم عزيز حميد مجيد.

حكمة كونية: [أكبر مصدر لسعادة الإنسان هو العمل] عن الأمام عليّ.
و أوصي جميع أصدقائي و طلّابي بأن يكون كلّ همّهم؛ إرتقاء مجتمعنا و وطننا تسبقها بناء آلنّفس عبر بناء الفكر على أسس مقاومة, ليتسنى لنا إتّخاذ و تطبيق رسالة العلم و آلمعرفة كما وضّحها “بيكون” بتأكيده على أهميّة تقوية آلأحساس ألعرفانيّ – يعني العقل الباطن -, لنحقق عملياً الأوبتيمم(الحالة المثلى) للسعادة في الواقع.

ملاحظة : يجب معرفة معنى (الأنسان) وفرقه عن (البشر) وكذلك فرقهما – أيّ البشر و الأنسان – عن (الآدميّ), حيث بدون هذه المعرفة الكونيّة يستحيل عليك أيّها القارئ ألعزيز فهم أهمّ آية قرآنية تعتبر بمثابة العمود الفقري للقرآن الكريم, وهي :
[و كرّمنا بني آدم], و مرادفاتها من الآيات و الأحاديث. .
لمعرفة الفروقات الجوهريّة راجع فلسفتنا الكونيّة, كتاب: [فلسفة الفلسفة الكونية]ٍ.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here