التهجير الجماعي القسري للكورد على أيدي الأنظمة العنصرية المحتلة لكوردستان

التهجير الجماعي القسري للكورد على أيدي الأنظمة العنصرية المحتلة لكوردستان

محمد مندلاوي

التهجير نوعان، تهجير داخلي، وتهجير خارجي، لكن كلاهما قسري، ما هو إلا نهج عنصري عن ممارسة سياسة دنيئة تقوم بها الأنظمة العنصرية المقيتة، أو بإيعاز منها، تقوم بها مجموعات متعصبة عرقياً أو طائفياً مرتبطة بها ضد مجاميع قومية أو عقدية، كمذهبية وغيرها، وذلك بدافع التغيير الديموغرافي للأرض، أي: إخلاء الأرض من أصحابها الشرعيين، لتغيير هويتها القومية والوطنية، وذلك باستيطان مجاميع بشرية أخرى مكانهم خدمة لتوجهاتها ومخططاتها العنصرية أو الطائفية. على سبيل المثال وليس الحصر، هذه الأيام تشيع السلطة الشيعية الحاكمة في بغداد أن عائلة حسين بن علي الذي قتل في كربلاء وسبتها جيش يزيد أخذتها إلى سوريا عن طريق شنگاڵ (سنجار) وهي من ضمن المناطق التي وصفتها الدستور الأحادي بالمتنازعة عليها، – لكن في حقيقتها هي محتلة من قبل العراق- على أية حال، الآن تريد الحكم الميليشياوي في بغداد أن تجعل من هذه الكذبة مسمار جحا كي تستمر باحتلال المدينة وتقوم بنشر التشيع فيها لا غير. ممكن غداً يظهر مقاماً لأحدهم على جبل أزمر في سليمانية، أو في حاج عمران، أو في قرى دهوك الخ؟؟؟؟!!!!.
دعني عزيزي القارئ، أن أبدأ بسرد التهجير القسري للكورد تسلسلاً، من الزمن القديم، إلى الزمن الحديث. لكن ليس وفق تسلسل تاريخي؟ ليس وفق خط زمني بالأعوام. لقد جرى تهجير الكورد منذ أزمنة سحيقة جداً، لكننا سنتحدث عنه من خلال المصادر التي بين أيدينا. يقول (بابا مردوخ) في كتابه (كرد وكردستان) باللغة الفارسية، إن الأمير تيمور – تيمور لنگ- للعلم، إنه معروف بأسماء أخرى أيضاً كتيمور الجرجاني (گرگانی) نسبة إلى مدينة جرجان في إيران. قام تيمور بترحيل فرع من عشيرة “جاف جوانرود” الذي هو “باباجاني” من بلاد بين النهرين العثماني إلى إيران – شرق كوردستان- وعدد منهم يقيم الآن في مدينة “كرند” التي تقع على طريق التي تربط شرق كوردستان بجنوبه. وهكذا عشيرة “براز” قام بترحيلهم الأمير تيمور الجرجاني من شمال كوردستان (تركيا) إلى شرق كوردستان (إيران). وذات الأمير قام بترحيل عشيرة “قبادي” من جنوب كوردستان (عراق) إلى شرق كوردستان (إيران).
وفي زمن الدولة الصفوية، قام الشاه عباس الصفوي بترحيل “زعفرانلو” الذي هو فرع من قبيلة “حسنانلو” إلى خراسان، ويقيمون الآن في مدينتي مشهد، وبجنورد. وقام شاه عباس أيضاً بترحيل كيوانلو الذي هو أيضاً فرع من قبيلة حسنانلو. وكذلك عشيرة كلباغي (گەلباغی) هي الأخرى قام شاه عباس بترحيلها من شيراز إلى سنندج (سنەدژ) ومن ثم قام رضاه شاه بإبعادهم ثانية من سنندج إلى همدان وطهران!!!. هناك فرع “مافي” من قبيلة الـ”لك” كانوا في رواندز في جنوب كوردستان وفي مهاباد في شرق كوردستان إلا أن شاه عباس الصفوي قام بترحيلهم عنوة إلى كل من مدينتي قزوين وكاشان. طبعاً هناك سبع عشائر كوردية كبيرة قام شاه عباس بترحيلهم جميعاً إلى محافظة خراسان، أعلاه ذكرنا بعض فروعها، وهي كالتالي: 1- زعفرانلو 2- ادمانلوا 3- كيوانلوا 4- عمارلو 5- شادلو 6- بجناوند 7- باوه نور. وهناك عشيرة أخرى من العشائر المرحلة إلى خراسان وهي عشيرة “قرەچورلو”. وتوجد في خراسان أيضاً عشيرة “چمشگزک” الكوردية ولها ثلاثة فروع: 1- برتك 2- سقمان 3- مجنكرد. حقيقة لا أعلم من قام بإبعاد هذه العشيرة إلى خراسان.
وفي زمن حكم الـ”قاجار” لإيران، قام فتح علي شاه بترحيل عشيرة “كرداوري” الكوردية من شيراز إلى آذربايجان.
وهكذا قام الحاكم أو الوالي العثماني بترحيل عشيرة “دلو” من منطقتها قرب كفري إلى خانقين. لقد قرأت قبل أكثر من أربعة عقود كتاباً للدكتور (فؤاد حمه خورشيد) بعنوان العشائر الكوردي… قال فيه: حدث قتال بين عشيرة “دَلو” وعشيرة أخرى لا تسعفني الذاكرة لذكر اسمها وقتلت تلك العشيرة عدداً من عشيرة دلو وذهبت عشيرة دلو إلى الحاكم العثماني واشتكت على تلك العشيرة المعتدية وذهب الحاكم مع أبناء دلو إلى منطقة القتال وأمر بفتح قبور عشيرة دلو ليتأكد من أن هؤلاء قتلوا فعلاً. لكن العشيرة المعتدية أثناء ذهاب دلو إلى الحاكم العثماني قاموا بحفر القبور واستخراج الموتى ووضعوا مكانهم حيوانات ميتة. لقد اعتبر الحاكم العثماني هذا إهانة لهم من قبل دَلو فلذا أمر بنقلهم من كفري إلى خانقين، وفي خانقين لم يسمح لهم رئيس إحدى القبائل الكوردية بالاستيطان في أرض عشيرته فأجبرهم بالسكن في منطقة أخرى، فلذا تسمى منطقتهم بـ”جبرآوا”؟.
نتيجة لظلم المحتل العربي، التركي، الفارسي، هناك قبائل كوردية تركت وطنها كوردستان وهاجرت إلى بلدان أخرى، مثل: عشيرة باسيري، التي هاجرت من “شهرزور” في جنوب كوردستان إلى بلاد الشام ومصر.
وفي زمن الاحتلال العثماني قام الطورانيون الأتراك بترحيل عوائل كثيرة، منها عشيرة “شيخ بزيني” من جنوب كوردستان إلى ما تسمى تركيا، والآن لديهم 40 قرية بالقرب من أنقرة!!!. وقام الأتراك بتهجير قبيلة “هموند” إلى دولة ليبيا وشمال إفريقيا وقصتهم معروفة للقاصي والداني ولا تحتاج أن نخوض فيه كثيراً.
وفي عهد حكم الكماليين لم يتغير شيء تجاه الكورد، بل صارت حياتهم أتعس وأشد ظلماً مما كانوا عليه في العهد العثماني. بهذا الصدد، يقول قتيل الأمة الكوردية – أعذروني أنا لا أستخدم كلمة شهيد لا في كتاباتي ولا في كلامي عن القتيل الكوردي؟- المغدور الدكتور (عبد الرحمن قاسملو) في كتابه ( كردستان والأكراد) ص 75: بعد انتفاضة عام 1930 أمعنت الحكومة التركية في نهجها الرامي إلى إبادة وصهر السكان الأكراد. وقد صدر قانون جديد في مايس عام 1932 رحل بموجبه مئات الآلاف من الأكراد عن مناطقهم – شمال كوردستان- إلى مناطق أخرى لا يكونون فيها سوى 5% من السكان. وينص هذا القانون على أن (( أولئك الذين ليست التركية لغتهم يحرمون من إعادة بناء القرى والمناطق ومن إعادة تشكيل منظمات حرفية أو كتابية أو طبقية. ويمنح وزير الداخلية صلاحيات حل هذه المنظمات بما فيها المنظمات التي ما تزال قائمة. وبعد هذه العملية الدنيئة قام نظام التركي منذ تلك اللحظة وإلى كتابة هذه المقالة بجلب الأتراك وأيضاً من أولئك الذين يشتركون معهم في العرق التركي، من الصين “ألگور” من بلغاريا، وبقية بلدان البلقان، ومن آسيا الوسطى، ومن أفغانستان، ومن آذربايجان الروسي، واستوطنوا جميعهم في شمال كوردستان لتغيير ديموغرافيته وتتريكه؟؟؟!!!. حتى هناك حديثاً منقولاً يقال: ذات يوم سأل الرئيس التركي “عصمت إينونو” أحد من المستوطنين الأتراك الذي جلبوهم من أصقاع العالم لتتريك شمال كوردستان: ها لقد علمتم إخوانكم الكورد اللغة التركية؟. رد عليه أحد المستوطنين: لا باشا نحن تعلمنا اللغة الكوردية. لم يكتف النظام التركي العفن بهذه السياسة الدنيئة داخل ما يسمى بتركيا، بل صار نظام أردوغان ينفذ ذات السياسة العنصرية في غرب كوردستان حيث يهجر الكورد منه بفوهات البنادق ويستوطن مكانهم عملائه من العرب الإسلاميين الإرهابيين.
وفي غرب كوردستان، الذي يفصله عن شمال كوردستان سكة القطار فقط، الذي عرف بين الكورد بكوردستان فوق الخط، أي: شمال كوردستان، وكوردستان تحت الخط، أي: غرب كوردستان. لقد قام العنصريون العرب باستخدام شتى الوسائل المنافية لحقوق الإنسان ضد الشعب الكوردي الجريح في هذا الجزء المغتصب. لقد سحبوا قبل أكثر من نصف قرن الجنسية السورية من أكثر من مائتي ألف كوردي. وفي الأعوام السابقة قاموا بابتكار ما سمي بالحزام العربي العنصري الذي تم بموجبه تهجير المواطنين الكورد من أرض آبائهم وأجدادهم في غربي كوردستان بطول (300) كيلو متر وعرض (10-15) كيلو متر، ومن ثم جلبوا آلاف العوائل العربية البدوية واستوطنوهم في الأراضي الكوردية المسلوبة ومنحوهم سلسلة من الامتيازات السخية التي حرم منها المواطن الكوردي عمداً. حتى أن بناء سد الفرات، الذي بدأ إنشائه في أواخر الستينات من القرن الماضي، والذي تطلب تشييده ترحيل القرى العربية التي غمرتها مياه السد، واستغل النظام السوري تنفيذ هذا المشروع كفرصة ذهبية نزلت عليه من السماء حيث أقدم على تهجير آلاف العوائل الكوردية من مناطقهم وتوطين آلاف العوائل العربية في أماكنهم وتوزيع مئات الآلاف الدونمات من الأراضي الزراعية التي كانت تعود للكورد عليهم مجاناً!!!. هنا نتساءل، إن لم يكن هذا نهج عنصري وإرهاب دولة يا ترى ماذا نسميه إذاً؟. إن لم تكن هذه هي العنصرية المقيتة بعينها فماذا تكون إذاً؟. تصور عزيزي القارئ، أن العنصريين العرب لم يتحملوا وجود حي في قلب دمشق يحمل اسم “حي الأكراد” ففي أيام الوحدة بين مصر وسوريا غيروه إلى ركن الدين!!! وقبله غيروا اسم القائد الكوردي “شيركو” أي: أسد الجبال إلى اسم أسد الدين!!! وابن أخيه يوسف غيروا اسمه إلى صلاح الدين!!! السؤال هنا، أي نوع من البشر هؤلاء الذين يقبلون بهذه السياسية الهمجية ويرضون لأنفسهم أن يقيموا في دور غيرهم وملاكه مطرودون منه بالقوة!!!، كيف يقوم هذا الإنسان… بزراعة أرض سلبت من مالكها الشرعي عنوة!!!، يا ترى أين مكمن الخلل في هذا الحيوان الناطق!!!، هل أن الخلل في ذاته وثقافته البدائية؛ التي تربى عليها أباً عن جد!!! أم الخلل في المنظومة الفكرية أو العقائدية التي يعتنقها، والتي تحدد له مسار حياته اليومية بكلمتين افعل ولا تفعل؟؟؟!!!. للأسف الشديد، هذا هو المبدأ السائد في هذه الكيانات البدائية التي تحتل كوردستان بالحديد والنار.
وفي الكيان العراقي المصطنع، بعد تأسيسه بعصا الساحر البريطاني بخمسة أعوام قام بإصدار قانون الجنسية العراقية، الذي صاغه البريطانيون وعملائهم الملكيون الذين أستوردوهم من شبه جزيرة العرب (سعودية)، أن الغريب في هذا القانون… إنه يطلب من المواطن أن يثبت عراقيته من خلال الانتماء إلى جنسية أخرى، إلا وهي جنسية الاحتلال العثماني التركي البغيض؟؟؟!!!. وفيما يتعلق بتاريخ عمليات التهجير للكورد يقول (زكي جعفر فيلي) في كتابه (تاريخ الكرد الفيليين وآفاق المستقبل) ص 486 ما يلي: إن أول عملية تهجير ضد الكورد الفيليين جرت في عام 1936م، في عهد حكومة الأخوين طه وياسين الهاشمي، وتبعتها حملة أخرى في عهد رشيد عالي الكيلاني الذي كان متحالفاً مع النازية الهتلرية، حيث تم تهجير الآلاف من الكورد الفيلية إلى إيران تحت ذريعة عدم حيازتهم على وثائق تثبت تبعيتهم للعثمانيين الأتراك؟؟؟!!!. وبعد ذلك حصلت موجات لتهجير الكورد الفيلية عام 1963 وفي عام 1964 وعام 1970 وفي عام 1975 وفي عام 1980. في عام 1980 تحديداً تم إسقاط الجنسية العراقية من الكورد عنوة في مراكز الشرطة، وفي مديرية الأمن العامة، وكاتب هذه السطور من أهل مندلي السليبة واحد منهم. لماذا جرى تهجير الكورد الفيلية عام 1980، عند اشتداد العداوة بين نظام حزب البعث والنظام الإيراني الجديد يقال أن القيادة البعثية عقدت اجتماعاً برئاسة صدام حسين في هذا الاجتماع سأل صدام يا ترى أية مدينة كوردية هي الأكبر في كوردستان أو العراق؟ لم يعرف أعضاء القيادة أية مدينة، قال لهم صدام حسين: بغداد هي أكبر مدينة كوردية لأن فيها أكثر من مليون كوردي. فلذا قام بتهجير مئات الآلاف منهم إلى إيران والذريعة حاضرة والظرف يساعد ومهيأ بأنهم إيرانيون وأعداء (الثورة والحزب)، لكن الحقيقة غير هذا، لأنهم كورد فقط لا غير.
للعلم، إن تهجير الكورد جار على قدم وساق حتى في عهد حكم الشيعي الطائفي، الذين جاءت بهم أمريكا عام 2003، وما تجري هذه الأيام في قرى ومناطق كركوك في بَلكانة، وعرفة، وسركران، وكُلَجو، وقرى الكاكائية الخ واستيطان الأعراب الأشياع في أماكنهم خير دليل على انتهاج السياسة العنصرية والطائفية المقيتة.
كي لا ننسى، حتى ذلك الجورجي الخبيث المدعو “جوزيف ستالين” هو الآخر قضى على جمهورية كوردستان الحمراء – ناكورنوكاراباخ- ورحل الكورد منها بعز الشتاء القارس إلى صحارى سيبريا وبلدان الاتحاد السوفيتي السابق وفقد الكثير منهم حياتهم في الطرق. تحدث الباقون منهم على قيد الحياة كيف دفنوا موتاهم في محاطات القطار.

“حب الوطن شيء جميل، لكن لماذا يجب أن يتوقف الحب عند الحدود”
08 02 2021

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here