النزعة الاشتراكية والتيار الاشتراكي في الانتفاضة

النزعة الاشتراكية والتيار الاشتراكي في الانتفاضة

سمير عادل

يعلمنا منصور حكمت قائد ومؤسس الحركة الشيوعية العمالية، انه أذا نظرت إلى جوهر أي إنسان (تفتح سحابة صدر اي انسان- نص عبارة منصور حكمت) ، ستجد أنه يطمح ويتمنى التمتع بالحرية والمساواة والرفاه، يطمح أن تكون الطبابة مجانية والتعليم مجاني، وأن توجد فرص عمل وبساعات عمل أقل، بغية، التمتع بالحياة وممارسة الهويات الأخرى، يحلم بعالم خالي من العنف، بأن لا تقلق غدا بسبب عدم تأمين مستقبل أطفالك ….الخ، ببساطة نقول هذه هي الاشتراكية بشكل غريزي في داخل اي إنسان، لذا نرى البرجوازية حاولت وتحاول، بكل ما لديها من امكانات مالية وعسكرية وسياسية، من أجل دفن هذه المقولة او تشويهها او تفريغها من محتواها أو إلصاق تهمة القمع والاستبداد بها، مثلما حاول ترامب إلصاق صفة بربرية تياره وهمجيته وجهله بالشيوعية عندما كان يصرح في كل جولاته للدعاية الانتخابية بأن اليسار الأمريكي يحاول اختطاف أمريكا وتطبيق الاشتراكية فيها. والاشتراكية التي فهمها تياره الأمي والجاهل هو؛ المجانية الصحية ومجانية التعليم بكل مراحله بما فيه المرحلة الجامعية بالإضافة إلى بيئة خالية من التلوث، وأن يتقاضى العامل الامريكي ١٥ دولار كحد أدنى للأجور، وهذه كانت فقرات البرنامج الانتخابي لجناح اليسار في الحزب الديمقراطي الذي مثله بيري ساندرز، وقد تنازل عبر صفقة جون بايدن من اجل الحاق الهزيمة بترامب كي يكون المرشح الرسمي للحزب الديمقراطي الأمريكي.

وإذا ما عدنا قليلا في التاريخ إلى الوراء، فكل ما أشرنا إليه من تعليم وصحة وفرص عمل متكافئة وضمان بطالة وضمان اجتماعي. الخ لم تستطيع البرجوازية من تحملها وتنفيذها لولا ثورة أكتوبر الاشتراكية، ولولا ضغط تلك الثورة العظيمة التي غيرت ملامح المجتمع الإنساني والبشرية ومنحت الضمان الاجتماعي في العقد الرابع من القرن العشرين في دولة عرفت نفسها بتصدير الديمقراطية إلى العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال وليس الحصر، تلك الدولة التي اشتهرت بإعدامها لقادة إضرابات عمال شيكاغو في نهاية القرن التاسع عشر (١٨٨٦) لانهم طالبوا بثمان ساعات عمل بدلا من ١٤-١٦ ساعة، فلولا ثورة أكتوبر الاشتراكية، لعملت البرجوازية في كل مكان في العالم بما فيها الذي يسمى (المتمدن والغربي) على تعليب الهواء وبيعه علينا. وقد اختبرناها خلال أيام كورونا، فقد قدمت البشرية وما زالت مئات الآلاف من القرابين تقديساً لخصخصة الصحة، إذ تنصلت الأغلبية المطلقة لدول العالم من مسؤوليتها تجاه المجتمع وخاصة المسنين منهم إلى الحد الذي أشيع بأن هناك نظرية للمؤامرة تحوكها الأنظمة الحاكمة في العالم للتخلص من كبار السن لتقليل من حجم سكان الأرض حسب نظرية مالثوس.

لنعد إلى العراق، والى الانتفاضة التي أسدلت ستارها بمرارة، وهناك محاولات لإطفاء جمرتها التي ما زالت تشتعل تحت الرماد، تلك الجمرة هي جمرة الملايين من العاطلين عن العمل في العراق من الباحثين عن تأمين لقمة عيشهم للبقاء أحياء، وهؤلاء هم الذين أشعلوا انتفاضة أكتوبر، هي جمرة عمال العقود والأجور الذين لا يكفي ما يتقاضونه شهريا من تأمين اجور ذهابهم للعمل، جمرة النساء التواقات إلى المساواة، جمرة الذين يعيشون في البيوت الخربة التي تخترق سقوفها مياه الأمطار بينما تملئها من الأسفل مياه الصرف الصحي، في حين نرى مسؤولي الأحزاب الإسلامية والقومية والطائفية ومليشياتها أو أعضاء برلمانها، ومن يشغل المناصب الخاصة يفترشون القصور والأبنية التي استحوذوا عليها تارةً أو تدفع لهم بدل الإيجارات على الأقل ٣ مليون دينار شهريا ضمن مخصصات السكن تارة أخرى، جمرة أناس أرادوا علاج مجاني لأمراضهم المزمنة، جمرة بشر أرادوا أن يعيشوا أحياء بالحد الأدنى لآدميتهم.. هذه الجمرة التي لم تستطع حكومة الكاظمي المحتالة من اطفائها،والتي فاقت بالكذب جميع لصوص قادة الأحزاب الإسلامية التي تولت رئاسة الوزراء مثل المالكي والعبادي وعبد المهدي.

إنَّ الكاظمي يكذب بشكل علني وصارخ عندما يعلن في لقائه مع تظاهرات خريجي العلوم السياسية بأنه سيقوم بتعيينهم في حين خلت موازنته بعد يومين فقط من لقائه الدعائي من أي توظيف حتى ولو لشخص واحد في المرافق الحكومية.

بعد الانتفاضات والثورات المهزومة، يجلس نشطائها وقادتها وفعاليها ويناقشون لماذا هزموا، أين اخفقوا، لماذا لم ينتصروا وعشرات الأسئلة الأخرى، صحيح أن قسم منهم يذهب إلى حال سبيله ويمضي في حياته إلا انه يبقى قسم آخر منهم يطرح الأسئلة المذكورة، لسنا هنا بصدد أن نرد على تلك الأسئلة فقد اجبنا عليها عبر أدبياتنا، ولكن ما نريد أن نطرحه هنا وهو؛ أن النزعة التي أشعلت انتفاضة أكتوبر هي النزعة الفطرية والغريزية للاشتراكية التي أشار إليها منصور حكمت، بيد أن هذه النزعة لم تتحول إلى تيار سياسي اجتماعي يسود افقه على الانتفاضة. لم يكن نشطاء وفعالي الجموع الغفيرة في انتفاضة أكتوبر قد اختاروا الاشتراكية كحل وبديل اجتماعي وسياسي واقتصادي لفرض التغيير على حياتهم وحياة المجتمع، وما زال جمع منهم يتأرجح بين التيارات البرجوازية وبدائلها، ويردد معزوفة الكاظمي بأجراء انتخابات مبكرة ويذهب إلى تشكيل أحزاب وتجمعات للمشاركة فيها وفي مساعيها بغية نشر الأوهام والتضليل في المجتمع عن الانتخابات، وإذا ما استطاعت حكومة الكاظمي التي أتت على أكتاف الانتفاضة بشن حملتها الامنية عبر اطلاق يد عصابات مقتدى الصدر لإطفاء جمرة الانتفاضة بالإضافة إلى حملتها الاقتصادية عبر موازنتها التي وضعتها المؤسسات الأمريكية وهي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي باعترافها عندما صاغت أسسها وهي الورقة البيضاء، وهي أكثر الموازنات لصوصية وفسادا خلال أكثر من عقد ونصف وتتخللها عمليات نصب واحتيال لا حصر لها،، نقول أنَّه لم يكن بمقدور شخص مثل الكاظمي تنفيذ أفعاله الشنيعة ضد الجماهير، لو كان البديل الاشتراكي هو أحد البدائل المطروحة خلال انتفاضة أكتوبر.

تفيد الأرقام الحالية الرسمية لنسبة العاطلين عن العمل في العراق إلى تجاوزها أكثر من ٤٠٪، وتشير أيضا أرقام صندوق النقد الدولي أن نسبة الفقر وصلت في العراق عام ٢٠١٧ إلى ٤٠٪، وإذا أضفنا لها موازنة الكاظمي فستتضاعف تلك الأرقام، وفي مقابل كل ذلك، نرى أنَّ جماهير العراق جربت الإسلام السياسي، والآن تجرب التيار القومي المحلي المتمثل بالكاظمي، فإنها لم تحصل إلا على مزيد من الإفقار والقمع والانهيار الأمني والسياسي.

وأخيرا فالمفارقة عندما يطرح الإسلام السياسي بديله “الإسلام هو الحل” في حال إخوان المسلمين في مصر او ولاية الفقيه وبديله (محور المقاومة)، واختبرت البشرية معنى سلطة هذه البدائل التي ماهيتها فقط الفقر والجهل وإشاعة الفوضى الأمنية والسياسية، أو في حال التيار الليبرالي والديمقراطي الذي اختبرها العالم أيام وباء كورونا على الأقل، نقول عندما تطرح تلك البدائل لن يستشيط احد غضبا، ولكن عندما تطرح الاشتراكية كبديل فإن أكثر الذين يعتريهم الغضب والزعيق هم الأقلام المأجورة لتلك التيارات التي اشتهرت بجرائمها بحق الإنسانية.

إن ما يحتاجه العراق هو الحركة الثورية، والحركة الثورية بغياب او ضعف التيار الاشتراكي لا وجود لها، وكل من يتحدث عن حركة ثورية دون التيار الاشتراكي فعقله لم يهجر القرون الوسطن، ودون وجود قادة وفعالي ونشطاء تلك الحركة بتبني الفكر الاشتراكي كما يقول لنا لينين فإن الحركة الثورية ستعاني من ضعف كبير هذا إذا سجلت حضور لها.

إن البديل الاشتراكي لن يتحول إلى بديل يصارع بقية البدائل البرجوازية وهي بديل التيار القومي المحلي الوطني المدعوم أمريكيا وهو حكومة الكاظمي او بديل الإسلام السياسي الموالي إلى ايران وهي عبد المهدي او شياع السوداني او محمد علاوي و العيداني، دون أن يكون له قادة وفعالي ونشطاء يختارون الاشتراكية راية لهم ويطرحونها أمام بقية الرايات، وحسب المساحة المتاحة لنا هنا نستطيع فقط الإشارة إلى أنَّ ضعف التيار الاشتراكي في الانتفاضة وعموم المجتمع يعود إلى ضعفه داخل الطبقة العاملة على الصعيد الفكري والسياسي، والى ضعف عموم التيار الاشتراكي وبغض النظر عن الاتجاهات المختلفة فيها، والى ضعفنا نحن في الحزب الشيوعي العمالي العراقي كواحد من تلك الاتجاهات، ولم يتمكن لحد الآن أن يكون أحد خيارات المجتمع التي تمثل أهم مشاغلنا وعملنا الرئيسي، وسنتحدث عنه بالتفصيل في مناسبة أخرى.

ما نريد أن نقوله ونؤكد عليه كما قال منصور حكمت أن الاشتراكية هي إعادة الخيار للإنسان، وإذا لم يكن هذا البديل موجودا في حياة الإنسانية فأي مصير حالك ستواجهه البشرية اليوم وفي المستقبل.

إننا نطرح أمام المجتمع أن اي تحسن طفيف يطرا على حياة البشر في العراق من دون أن يكون البديل الاشتراكي وتقدم تياره إلى الأمام حاضرا لن يدوم طويلاً، وعلى جموع العاطلين عن العمل وعلى عمال العقود والأجور والنساء وعموم الطبقة العاملة في العراق أن تدرك هذه الحقيقة وتسلح نفسها بالاشتراكية إذا أرادت أن تنتصر في معركتها القادمة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here