من زمن السومريين الى زمن العرب، العراق يبدل هويته !

من زمن السومريين الى زمن العرب، العراق يبدل هويته ! (*) ح 3 د. رضا العطار

اما كون العراق جزءا من الامة العربية فهو صحيح بقدر ما يخص العراق حسب حدوده الاصلية المرسومة من طرف الجغرافيين المسلمين في العصر الاسلامي – لكن الامة لا تعني الدولة كما يصادر القوميون العرب اعتمادا على الترجمة، (وفكر القوميين الشرقيين مترجم كله) – – فهناك مصطلح شعب ومصطلح أمّة وهما متمايزان في العربية بخلاف الحال في اللغات الغربية. والامة قد تضم شعبا واحدا – كالامة الصينية – وقد تضم عدة شعوب كالامة العربية – والدولة تكون للشعب الواحد وليس للامة الواحدة بالضرورة.

رفع القوميون العرب في العراق بعد ثورة 14 تموز 1958 شعار الوحدة الفورية الاندماجية مع سورية ومصر وانساق معهم جمال عبد الناصر – ولما وصلوا الى الحكم بانقلاب شباط 1963 تنكروا لشعارهم – بل ولم يتخذوا اي إجراء، ولو جزئي ذي طابع وحدوي مثل تسهيلات السفر والاقامة والتسهيلات الجمركية – وفي وقت لاحق الغيت حتى التسهيلات القديمة وتحولت الحدود ما بين سورية والعراق الى حدود اجنبية، مما القى ظلال من الشك على شعار الوحدة التي ينادون بها. وقد اثار التساؤل ان لم يكن طرح هذا الشعار مقصودا به مجرد التشويش على ثورة 14 تموز واحداث القطيعة بين العراق وسورية ومصر التي كانت ستشكل محورا قوميا امام اسرائيل والغرب عموما.
ان خفايا القيادة القومية العراقية بأمانة ميشيل عفلق تعطي هذا الشك والتساؤل مشروعية كاملة – – – لكن الذي يؤسف له ان عبد الناصر قد استدرج للفخ.

كان الشيوعيون العراقيون قد طرحوا مشروع الاتحاد الفدرالي مقابل الوحدة الاندماجية للقوميين. وهذا المشروع يرجع الى مؤسس الحزب الشيوعي يوسف سلمان (فهد) – – واستمر الحزب ينادي به رغم وجود بعض العناصر الانعزالية فيه – – ولو رضي عبد الناصر بهذا المشروع لكنا الان بالف خير، ولكانت الجمهورية العربية المتحدة باقية الى اليوم ولما حدثت هزيمة حزيران – ولأستمرت ثورة 14 تموز – – –
غفر الله لعبد الناصر ولا غفر لميشيل عفلق.

ليس لدينا دليل على ان الفراتيين الاوائل كانت لهم دولة. من المرحج اكثر انهم كانوا ينظًمون شؤونهم بالادارة الجماعية والاعراف المرعية – كما كان الحال عند الجاهليين – وانما ظهرت الدولة في الطور السومري، وكأي بداية، كانت الدولة السومرية بسيطة، كدولة الخلفاء الراشدين – وهذا لقرب العهد من المجتمع المشاعي العديم الدولة – – وكان الملك السومري اشبه بزعيم القبيلة، الابوي منه بالملك، ولديه مجلس مستشارين،
لا يقرر شيئا من غير موافقتهم – وهو نفس النظام الذي كان في اليمن الغابرة والمسمى نظام الملأ، الذي لم يكن ياتي بالانتخاب الذي لم يكن لليمنيين او السومريين اي فكرة عنه. وانما ظهر مفهوم الانتخاب اول مرة بعد بزوغ فجر الاسلام ولو كفكرة غير ممكنة التطبيق في ذلك االزمن – – وان وضعية الملك السومري واليمني كانت اشبه بزعيم القبيلة الذي لا يملك حق الموت والحياة على افرادها.

لكن تطورا كبيرا حدث مع مجيء المصلح السومري اوروكاجينا – وكان ذلك في العقوبة التي قررها للمراهطات وهي عقوبة الرجم – وكان في ذلك يكرس التحول الناجز للمجتمع السومري الى النظام الابوي الذكوري بتحريم نكاح الرهط (تعدد الازواج للمرأة الواحدة) وهو من سمات المجتمع المشاعي – والعقوبة قاسية انتقامية ويفترض تطبيقها جهاز قمع ملحقا بالدولة – الا انه لا يدل على تعقد الدولة – – فقد شرع النبي محمد نفس العقوبات وطبقت في زمانه وفي عهد الراشدين من غير ان يرتهن ذلك بظهور الدولة الاستبدادية. وتبقى العقوبة التي فرضها اوروكاجينا دليل سلطة قادرة على تطبيق عقوبات قاسية – ولم يتغير الحال كثيرا عند الساميين الذين امتلكوا العراق بعد السومريين وقد سمي الملك عندهم (شارو) وهي نفس الكلمة العربية (سرّي) التي تعني الوجيه المحترم في قومه. – – وقد عبًر ( الافوه الاودي ) عن حاجة مجتمعه الجاهلي الى سراة – ولم يذكر الى ملك – – – ( لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم )
الحلقة الاخيرة في الغد !

* مقتبس من كتاب المرئي واللامرئي في الادب والسياسة للمفكر هادي العلوي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here