شباط الأسود مرة أخرى

شباط الأسود مرة أخرى
ميسون نعيم الرومي

ثمانية وخمسون عاما وشباط ينوء بحمله الثقيل ذلك اليوم الأسود الحزين يوم 8 شباط 1963يوم سرقت فرحة الفقراء والمعدمين، الفرحة اليتيمة، ذبحتها المخابرات الامريكية والدولة الناصرية، باياد عراقية متعطشة للقتل، مغسولة ادمغتها بهراء القومية والعروبة والماضي التليد، يطربها الانين وينعش قلوبها سفك الدماء، طغمة فاشية، وظفتها القوى الانقلابية باسم الحرس القومي، للبطش بشريحة كبيرة من ابناء الشعب العراقي، ثوار تموز.
طغمة دموية استساغت التعذيب وانتزاع الاعترافات بطريقة بشعة، تصفيات جسدية مروعة، لم تكفهم السجون والمواقف فحولوا المدارس والملاعب واحيانا حتى المساجد الى مقرات للتعذيب والقتل والسيْ الصيت ….قصر النهاية وملعب الادارة المحلية والنادي الاولمبي بل وسينما الفردوس حولوها الى حمامات دم ، سوف تبقى في ذاكرة الزمن تتناقلها الاجيال، و يبقى الهواء والماء والسماء تردد انين آلاف الشبيبة ،وصراخ السبايا وعويل الامهات على مر القرون، كثيرون فارقوا الحياة مقطعة اجسادهم، وكثيرون دفنوا احياء، وما اكثر من من تعوق جسديا ونفسيا.
لم يكتب عن مأساة شباط الحزين واساليب التعذيب الوحشية الا القلة القليلة من الناجين، والسبب كما اخبرني الكثيرون شخصيا بانهم لا يستطيعون استعادة ذلك البؤس والشقاء والوجع النفسي الذي مروا به، ويحاولون ان يدفنوه تحت رماد العقل الباطن…..
وعدني بعد الحاح مني احد اقربائي وهوطبيب ان يحاول كتابة ذكرياته عن ايام الادارة المحلية التي كان نزيلها وبعدها سجن لمدة سنة .. بعد اسبوع اتصل بي وهو في وضع نفسي سيء قائلا اعذريني لا استطيع حتى اكمال متابعة التفكير بما جرى، واخرى التفتت لي وعيونها تنظر الى المجهول وبعد فترة صمت قالت .. لا .. لا استطيع ان اعيش الحدث مرة اخرى .. وكان مثلهما الكثيرون.
قرأت كتاب (طوارق الظلام) والذي اعتمد كمرجع عن التجربة التي عاشتها الأديبة (ابتسام الرومي) شخصيا في قصر النهاية وملعب الإدارة المحلية، وفي سجن النساء، تكلمت بصدق وبحرفية عالية عما مربها وبرفاقها في ذلك الديجورالأسود من اساليب وحشية مرعبة ، ابكاني ما قرأت أياما عديدة، ولا زلت استغرب كيف يستطيع الأنسان ان يفقد انسانيته، وكيف يوجد كل هاذا العنف والوحشية في جوانحه ليتلذذ بتعذيب الآخرين بطرق اجرامية رهيبة
الكتاب من تأليفها وزوجها الروائي (توفيق جاني سهر) واللذان كانا من القلة التي دونت تلك الأحداث المأساوية ليكون شاهدا على تلك الفترة العصيبة التي حصدت ارواح الخيرة من شباب العراق، وانهت فترة زمنية احبها الشعب، ولا زال يأسف على ضياعها.
أخبرتني الأديبة ابتسام الرومي.. انها عاشت حلما كان يراودها باستمرار طيلة سنين عديدة
لغاية انتهاء كتابة (طوارق الظلام) عندها غادرها ذلك الكابوس وتخلصت من لحظاته الموجعة .
لذلك اتمنى على من عاش تجربة مع ذلك النظام الدكتاتوري المجرم ان يكتب عنها ليواجهها ويتحرر من اثارها السلبية، وفي نفس الوقت ليكون شاهدا على ما حل بالعراق وشعبه من حيف وبؤس ووجع، وليعرف من لم يمر بتلك التجربة والأجيال القادمة الرعب الذي عشعش في العراق وشعبة منذ سنة 1963 ولغاية 2003 والذي استمرت آثاره لغاية الآن .
للأسف بدأ الحكام الجدد يسيرون على نفس النهج بل وابتكروا أساليب أخرى….
ترى هل سيتحرر وطننا يوما وينعم شعبنا المظلوم بالحياة الحرة الكريمة التي يستحقها؟؟؟
————————————————————————————-
كتب بمناسبة مرور 58 عاما على انقلاب شباط الأسود
—————————————————-
8/شباط/2021
ســــــــــــــــتوكهولم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here