اشكالية التخيير والتسيير لدى الانسان

اشكالية التخيير والتسيير لدى الانسان

قبل الحديث عن مناقشة السؤال القديم الجديد حول هل ان الانسان مخير او مسير؟ لا بد من التركيز عن عظمة خلق الله الذي اودع في الانسان امور جبرية رحمة منه كايداع الروح فيه لاستمرارية الحياة. فتعقبها عمليات التنفس للشهيق والزفير. ودقات القلب التي تبعث الدم لسائر اعضاء الجسم. وعمليات الهضم البشري للاستفادة من المأكل والمشرب لنمو الجسد فنهايته بالموت. كذلك لا شان للاختيار في شكل الانسان ذكرا او انثى طويل او قصير قوي او ضعيف ابيض او اسود. لذلك فان الله لا يحاسبه على تلك الاعمال التي تكفل بتسييرها بصورة ذاتية. ولا يعاتبه الله يوم القيامة عن حسن او سوء عمل تلك الجوارح او شكلها.
لكن الحساب الذي سيكون مآله الى الجنة او النار هو على الافعال والاعمال والاقوال في الامور التي وهبها الله اليه فحرم وحلل وامر ونهى واعطاه حق الاختيار فيها منذ خلق ادم الى ان يرث الله الارض ومن عليها. لا بد ايضا من مناقشة الجوانب الاخرى التي اضحت جبرية بسبب عامل ثالث كالنسيان او الخطا غير المتعمد او الاجبار على عمل فعل شيء او قول تحت التهديد.
لعل اهم الاسئلة التي واجهت الانسانية منذ قديم الزمان وتحدث وخاض فيها المحدثين والعلماء والفلاسفة هو هل خلق الله الانسان واعطاه حرية الاختيار بين الخير والشر ام ان اعماله واقواله مخلوقة لا يملك الارادة في تغييرها. لقد ظهرت الكثير من الفرق التي ناصرت الطرح الاول او الثاني كالجبرية والقدرية والدهرية والمعتزلة وغيرها. لكن التبصر والتفكر والاستنتاجات من القران الكريم توضح الصورة نوعا ما. فتكشف لنا ان حرية اختيار الانسان مقيدة في خضم الحياة الدنيا. لكن علم الله وكينونة تبقى غائبة عن علم الانسان المحدود فالله يعلم غيب السماوات والارض ويعلم حتى سقوط اوراق الاشجار على الارض وما دون ذلك او اكبر منه. فهو الخالق وهو الذي وضع قوانين الارض والسماء والموت والحيات والفناء والبعث بعد الموت فلا يمكن مقارنة علمه وقدرته بالفهم البشري المحدود.
ان عظمة خلق الانسان لتحير القلوب والالباب خصوصا افعاله الاجبارية والاختيارية. فمسلسل حكمة الله في خلق الانسان شيء عظيم ومتناسق مع المنطق والحياة والعدل الالهي. اذ بعث فيه الروح وهو لا يعلم ولا يدري ولا يملك اي خيار “ويسالونك عن الروح قل الروح من امر دبي وما أوتيتم من العلم الا قليلا”. كما وهب عمل الاعضاء كالسمع والبصر والشم والاحساس والحب والكره. بصورة لو ملك حرية التصرف بعملها لما استمرت حياته الا لحظات.
فعلى سبيل المثال لو كانت ردات فعل العقل وعمله وفق الارادة الاختيارية لما عاش الانسان لانه لا يستطيع التمييز اللحظي بين الخطر والامان. ولو كانت حركة دقات القلب وضخه الدم بصورة اخيتياريه لما تمكن الانسان السيطرة على حركتها ومعرفة كميات الدم التي يحتاجها الجسم. ولتعب منذ اللحظات الاولى ولن يستطيع الاستمرار في الحياة. نفس الامر سيحدث لو كانت عمليات التنفس او الهضم وغيرها وفق اوامره. من جهة اخرى لو كانت اقوالنا واعمالنا وحركاتنا مسيرة ولا نملك الحرية عندها لا يختلف الانسان عن الحيوان ولما كلفه الله حمل الامانة. فلا حاجة للعقاب والثواب وبالتالي الحساب فالجنة او النار، “انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها فحملها الانسان ان كان ظلوما جهولا”.
هكذا رحمة الله بالانسان اذ خلقه ومنحه حرية الاختيار لكنه ارشده الى سلوك طريق الدخول الى الجنة. فلم يكلفه الا بما يطيق ولم يحاسبه على النسيان والخطا وفتح له باب التوبة التي تغفر الذنوب جميعا. “لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. ربنا لا تواخذنا ان نسينا او أخطأنا. ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا. ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين”.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here