التناسل والحياة!!
من طرائف الحكام في بلداننا أنهم يتحدثون عن تحديد النسل , ويعيدون ذات الكلمات والإقترابات , وما فكروا بتغيير المنهج والعمل للتصدي للمشكلة , التي تتفاقم مع الأيام والموارد تقل , والقدرة على إستيعاب القادمين تضعف وتتهاوى.
فعلى سبيل المثال , لو تتبعتم خطابات رؤساء مصر منذ خمسينيات القرن العشرين , لرأيتم أنهم تكلموا بذات الأسلوب , وما حلوا مشكلة زيادة النسل , وربما الرئيس الحالي إقترب منها بأساليب ذات قيمة علاجية.
والأغرب , أن الكتاب والمفكرين يبررون المشكلة بالإرث الثقافي والديني الذي يمنع تحديد النسل , فيتنصلون عن المواجهة وإبتكار الحلول المعاصرة.
ويتناسى الجميع أن السلوك البشري مرهون بآليات بقائية , يمكن الإنتصار عليها بتوفير ما يؤمّنها , وبفقدان الأمان البقائي فأن المواجهة تكون بزيادة النسل , مثلما يحصل في عالم الأسماك التي تأكل بعضها , ولتدوم وتحافظ على نوعها لابد من التناسل المليوني.
وفي مجتمعاتنا الحياة غير آمنة , فناعور القتل يدور وبسرع متفاوتة , والفتك بالبشر ومحق قيمته ودوره في الحياة على أشده , ونطالب الناس بتحديد النسل , مما يتنافى مع الطبيعة البقائية ويدفع بهم إلى التناسل الأسرع والتكاثر الأبرع.
إن تحديد النسل يستدعي توظيف الطاقات الإقتصادية والفكرية والثقافية والعلمية , لتأمين أسباب البقاء والعيش الرغيد للناس , وعندها سينهمكون بصناعة الحياة , والشعور بالمسؤولية وضرورات تواصل الأجيال وتطورها ونمائها , وسيدرك البشرعليه أن يربي ويبني جيلا متفوقا لتتقدم البلاد وترتقي , وهذا يعني أن يقظة الأمل قد دبت في ربوع وعيه , مما يدفعه للعطاء الأوفر والإستثمار بطاقاته البقائية بإنتاجية عالية بدلا من التناسل.
وهذا واضح في المجتمعات المتقدمة , ومنها اليابان التي تعاني من محدودية النسل , وكذلك الدول الأوربية , مما يدفعها لإتخاذ الهجرة وسيلة أسهل للحفاظ على قوتها العاملة وإنتاجيتها عالية.
أما في مجتمعاتنا فأنظمة الحكم تفتقد الآليات الصائبة للتصدي للزيادة السكانية , وعاجزة عن توفير ميادين صناعة الحياة والإستثمار بالطاقات البشرية , وما تقدمه هو التشكي وإلقاء اللائمة على الإنسان البسيط المحروم , الذي لا شيئ عنده يشعره بالسعادة إلا التناسل.
فلكي يتحدد النسل يجب أن يشعر المواطن بأن الحياة آمنة ومستقرة وتتوفر فيها أسباب العيش الكريم , الذي يدعوه للمساهمة بديموته وتنميته , وبذل جهده وطاقاته في المشاركة بصناعته وتقويته , وعندها سيحسب ألف حساب قبل أن يفكر بالإنجاب.
فحرروا الإنسان من قيود الحرمان وسيعرف طريقه الصحيح!!
د-صادق السامرائي
Read our Privacy Policy by clicking here