الولايات المتحدة..وملامح أفول الدولة العظمى!!

 حامد شهاب

يبدو أن نظرية إبن خلدون، التي تتحدث عن مراحل تطور نشأة الافراد والأمم والدول والحكومات، قد أصابت في توقعاتها ، بأن مصير الدول والحكومات في نهاية المطاف، آيل الى التدحرج والتلاشي والإنهيار، بعد كل عهد تصل فيه إمبراطوريات مراحل النضوج، وما أن تشيخ، حتى تعود القهقري، تراجعا الى الوراء ، وهي مرحلة تشبه نظرية تطور الكائن الحي ، الى أبعد الحدود!!

إنها إرادة رب السموات والأرض ، الذي خلق كل شيء ، ووفر له معالم الإنطلاقة ومن ثم التقدم والصعود ، واذا بهرم الدول وهو يسير بإتجاه التداعي والإنهيار ، ومن ثم تبدأ قوى ودول أخرى أخرى ، لتسلق سلالم التطور والنماء وتمتلك معالم القوة ، وتعود الى المصير نفسه الذي آل اليه مصير سابقاتها..والبقاء الأبدي هو لله وحده خالق هذا الكون، سبحانه وتعالى!!

حتى الثورات التي حدثت على مر القرون، ينطبق عليها مراحل التطور الانساني نفسها، وما أن يكتمل نضوجها حتى تبدأ مرحلة شيخوختها، ومن ثم تبدا مراحلها تسير نحو الإنهيار، حتى أن هناك من يقول : أن “الثورات تأكل أبناءها “، للدلالة الى أنها ستصل الى مرحلة نكوص وتدني وإنهيار ، وأصبح كل مصير ثورات العالم على المنوال نفسه الذي سارت عليه جميع الثورات، وهي الآن قد شاخ رجالها وأصابهم الهرم، ولم يعد لوجودهم من معنى!!

والمصير نفسه أصاب الفلسفة والفكر والمثل الأخلاقية والقيم الرفيعة ، فبعد أن وصلت تلك الفلسفات والافكار والقيم الى أعلى مراحل تطورها وعمرت لقرون، وإذا بها الآن تتهاوى صريعة أمام طغيان القيم المادية والمصالح الضيقة للدول والشعوب والأفراد، وينتابها المصير نفسه الذي سبقها ومرت بها مراحل النمو ومن ثم التقدم المتسارع، وفي آخر الزمن تصل الى مرحلة الشيخوخة، وهي تتهاوى الان هي الأخرى صريعة أمام طغيان قيم المادة وفقدان المعالم الأخلاقية وتدهور الفلسفات واضمحلالها!!

ومثلما إنهارت إمبراطوريات ماقبل العصور وما تبعها من مراحل تطور بشري ، حتى وقتنا الحاضر، وانهارت حتى الحضارة الإسلامية ومن قبلها الامبراطورية الفارسية ومن ثم إنهيار منظومات حضارة الغرب الواحدة بعد الاخرى، فإن الإمبرطورية البريطانية التي كانت لاتغيب عنها الشمس واذا ببريقها وقد تلاشى ، وكذلك الامبراطورية اليابانية والغربية عموما ومن ثم الامبرطورية الامريكية ، حتى بدأ نجم الصين بالبزوغ ، وهي القطب المهول الذي راح يفزع أمريكا، ويعرضها لمخاطر إنهيار وتدهور ، في مستقبل قريب، ومن ثم تجد الصين نفسها هي الاخرى أمام سابقاتها من الامبراطوريات!!

وها هي الولايات المتحدة ، وإذا بدول تقليدية وحتى منظمات صغيرة على شاكلة “الحصينية ” ، وهي توجه ضربات تصيب بها الأسد في عقر داره، وتعرض سمعة الولايات المتحدة لمخاطر التلاشي والإنهيار، بالرغم من أن من يواجهها أضعف منها بكثير، وهي أي أمريكا، ترى أن رفسات كهذه، تحاول بعض الجهات إستغلالها للايقاع بالولايات المتحدة وتمريغ أنفها بالوحل، وهي محاولات للنجاة من مراحل الإنهيار نفسه ، الذي تعانيه هي في داخلها، وبخاصة أن مرحلة الثورة الايرانية قد آل اليه المصير الذي سبق إن مرت به كل ما سبقها من دول كبرى وامبراطوريات وثورات، أي أن “الثورات تأكل ابناءها ” ، وهي تواجه مصير مظلما لايختلف في مراحل تقهقهره عما يصيب الدول العظمى من إنهيارات!!

وهكذا تستمر مسيرة تاريخ الشعوب والأمم والدول والحكومات والافراد، في التجدد والانطلاق ، وما ان تبلغ مرحلة النضوج والتفوق، حتى تبدأ بالتلاشي شيئا فشيئا، ويبقى وجه ربك هو الباقي جل وعلا، وهو من سيحمل عرش هذا الكون، عندما يجد أن هذا الكون قد وصل الى مرحلة من عدم بقاء مبرر وجوده، ومن ثم يبحث جلت قدرته عن خلق آخر، غير خلقنا، ولا ندري ما هي طبيعة هذا الخلق المقبل وكيف يكون، لكن الكون سينهار هو الآخر، ويحمل عرشه الرحمن ، ويسخر له ملائكته لكي تحمله، ثم يطويه كطي الصحف، لكي تحفظه إرادة الباري، في المكان الذي قد يكون تذكارا للأمم والشعوب التي تلينا في الخلق، لنكون عبرة لها ، ومن ثم تبدأ مسيرة انطلاقها، وفقا لما يمليه عليها رب السموات، من إرادة ، وهو الذي إن أراد شيئا فيقول له كن فيكون..ولهذا فإن زمن تلاشي الكون الإلهي، هو بين زمن تلاشي حرفين ..أي بين الكاف النون!!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here