مفهوم الخيانة أو العمالة بين التشوش الذهني والذاكرة المتغربلة

مفهوم الخيانة أو العمالة بين التشوش الذهني والذاكرة المتغربلة

بقلم مهدي قاسم

أثناء وجود النظام السابق الدموي وما بعد سقوطه أيضا كامتداد متواصل ، حدثت تغيرات نفسية كبيرة بين شرائح و فئات المجتمع العراقي ، على شكل انتكاسات و شروخ شديدة وعميقة أدت إلى خلق و اختلاق حزمة مفاهيم وقيم طارئة تجمع بين كذب ونفاق وغش واحتيال و تبرير ، لتكون وسيلة تصرف و تخاطب و تعامل جديدة لتمشية الأمور والأحوال بين أفراد المجتمع ذاته ، وهو الأمر الذي يستوجب ــ حسب اعتقادي ــ القيام بدراسات وأبحاث جديدة وموسعة بين علمي الاجتماع والنفس ذات طابع تخصصي بحت ــ مثلما أسلفنا في مقالات سابقة..

وعلى هذا الصعيد أظن بأن أسوأ حالة من تردِ نفسي التي قد يصل إليها شخص ما ، هو ممارسة أساليب خداع واحتيال ضد ذاته ، ناهيك ضد الآخرين أيضا ، من أجل أن يرى أبيض أسود والأسود ابيض أو بألوان أخرى يرغب أن يراها حسب ورغباته وانفعالاته القهرية أو دفاعاته العقائدية كواجب أخلاقي ، يرى أنه يجب القيام به حتى ولو على اختلاق أكاذيب أو رمي غيره المختلف بمثلباته هو ، ليثبت أمام نفسه و كذلك أمام الآخرين أيضا حقيقة غير موجودة أو بالأحرى هي موجودة ، ولكن على عكس ما هي عليها في الواقع ، أي على طريقة أن تتخيل النملة نفسها زرافة مثلا !..

أو بتعبير أوضح أو أن نجد مومسا تتهم غيرها بالعهر والدعارة لكي تثبت لنفسها وللآخرين بأنها فاضلة و شريفة !!، ولكن دون أن يعنيها او يهمها أن الآخرين يعرفونها جيدا و دوافعها الكامنة أيضا ، وأنها متشظية الذهن والتفكير ومهووسة المخيلة فيسخرون من مزاعمها المضحكة ، أو يشفقون عليها صامتين حينا آخر ..

أو إن خائنا ــ أيا كان طابع الخيانة ــ يتهم الآخرين بالخيانة ليقنع نفسه بأنه والذين ينتمي إليهم فكريا أو فئويا أوعقائديا بأنه ليس خائنا ولا جماعاته، بالرغم من هؤلاء الجماعة و الفئات يصرّحون بأنهم ليس فقط خونة أنما يفتخرون بذلك علنا ، بل ويعتبرونها شرفا لهم !!، مع ذلك فهو يصّر على اتهام الآخرين بالخيانة ! .

علما نحن نعرف جيدا أن العمالة هي الخيانة بعينها وذاتها ، حتى لو كانت خيانة عقائدية ، بينما الخيانة هي الخيانة في كل الأحوال ، وخاصة إذا كانت بصيغة تخادمية للأجنبي ، سواء للإدارة الأمريكية أو للنظام الإيراني والسعودي أم للنظام التركي او لأي نظام آخر في العالم والخ ..

أو لنأخذ لصا أو مختلسا للمال العام الذي يتحدث كثيرا عن النزاهة والأمانة في تصريحاته التلفزيونية بين وقت وآخر ويهدد بتقديم أدلة ووثائق على فساد الآخرين ــ طبعا لايقدم أي شيء من هذه الأدلة والوثائق ــ يفعل كل هذا لكي يثبت للرأي العام بأنه ليس فاسدا ولا لصا خسيسا ، وربما ليخدعن فسه أيضا ، طبعا ، كنوع من دفاع قهري لا إرادي عن نفس مضطربة وسط مستنقع واسع من أنواع وأشكال خيانة و فساد التي باتت غالبية المجتمع مطلعة عليها وتعلم بها جيدا .

و بإمكاننا أن نجد نماذج عديدة ومختلفة أخرى من هذا القبيل من خونة و فاسدين وقتلة مأجورين و فاشلين من ساسة متنفذين وإعلاميين مرتزقة وعملاء عقائديين* وغيرهم ، الذين يرون أنه من الضروري أن يدافعوا عن أنفسهم من خلال اتهام الآخرين عسى ولعل يجدون من يصدقهم من كثرة الترديد والتكرار نفس الشيء عشرات مرات أو ألف مرة أيضا !!.

طالما إن سهولة التصريح التلفزيوني والنشر الإلكتروني ممكنة و متوفرة بكثرة..

ولكن المثير في الأمر هو أنه كيف أن البعثيين وظفّوا أساليب الدعاية السياسية الغوبلزية النازية لتلميع وجوههم الدموية لفترة طويلة ، ليحل محلهم بعد سقوط نظامهم ، الإعلام الإسلامي السياسي على علته ورداءته و ركاكته البائسة بل و ينافسهم على ذلك !..

*ملحوظة : إذا سألني أحدهم مـَــن تقصد بعميل عقائدي فسوف أجيب ـــ مثلا وليس حصرا هو :

ــ إنه الطائفي “الشيعي ” العراقي الذي يرضى أن يكون عميلا عقائديا للنظام الإيراني وعن مصالحه دفاعا مستميتا ــ ربما بالمجان ــ كتضامن عقائدي ، أو الطائفي ” السني ” العراقي الذي يدافع عن النظام السعودي والتركي ، ربما أيضا بالمجان كواجب أو تضامن عقائدي .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here