يكفيهِم إِحترام الدُّستور لنأكُل مِن فَوْقِنا وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِنا!

يكفيهِم إِحترام الدُّستور لنأكُل مِن فَوْقِنا وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِنا!

نــــــــــــــــــــــزار حيدر

١/ لكلِّ امرءٍ شرفٌ واحدٌ هو شرفُ الكلمة والمَوقف والعهد الذي يقطعهُ، فإِذا رأَيتَ [سياسيّاً] يوقِّعُ يوميّاً على [ميثاقِ شرفٍ] جديدٍ لنفسِ الغايةِ والهَدف، فتأَكَّد بأَنَّهُ بِلاشرفٍ!.

إِنَّهُ بذلكَ يخوضُ بشرفهِ ويسخر منهُ!.

وكلُّنا نتذكَّر مواثيق الشَّرف التي وقَّعها زُعماء الكُتل السياسيَّة في بغداد، والتي وصلَ عددَها إِلى ما لا يُعَدُّ ولا يُحصى، فما معنى أَن يدعُو واحدٌ منهُم اليَوم إِلى مواثيقَجديدةٍ أَو إِلى ما سمَّاهُ بـ [العقد السِّياسي]؟!.

هل بقيَ لهم شرفٌ ليمضُوا بهِ على وثيقةٍ جديدةٍ؟!.

والمُضحكُ المُبكي أَنَّ واحداً من تلكَ المواثيق وقَّعها [الزُّعماء] في مكَّةَ المُكرَّمة عندَ بيتِ اللهِ الحرام [تشرينُ الأَوَّل ٢٠٠٦] ليُلزِمُوا أَنفسهُم بميثاقٍ يشهدُ اللهُ عليهِ عندَ بيتهِالعتيق!.

لو أَنَّهم كانُوا جادِّين في الإِلتزام بأَيِّ عقدٍ إِجتماعيٍّ أَو ميثاقٍ وطنيٍّ أَو عقدٍ سياسيٍّ لالتزمُوا بالدُّستور الذي صادقَ عليهِ العراقيُّون عام ٢٠٠٥ وهو أَسمى عقدٍ بينهُمجميعاً!.

فهل التزمت الكُتل السياسيَّة وزعاماتها بالدُّستور وبالقوانين المُنبثقةَ عنهُ ليلتزمُوا بأَيِّ عقدٍ آخرَ يدعُون إِليهِ اليَوم؟!.

بمرورٍ سريعٍ على عددٍ من موادِّ الدُّستور سيتأَكَّد لنا بأَنَّهم لم يلتزمُوا بهِ وإِنَّهم ضربُوهُ عَرضَ الحائطِ، وإِذا عادُوا إِليهِ بالصُدفةِ تراهُم يلوُونَ أَعناق النُّصوص الواضِحةلتفسيرِها بالغمُوضِ ليخدِمَ أَجنداتهُم ومصالحهُم وسلطاتهُم ونفوذهُم.

وكدليلٍ على ذلكَ أَسوقُ ثلاثةَ أَمثلةٍ؛

أ/ تقولُ المادَّة (٤٨)؛ تتكوَّن السُّلطة التشريعيَّة الإِتِّحاديَّة من مجلسِ النوَّاب ومجلس الإِتِّحاد.

وتنصُّ المادَّة (٦٥)؛ يتمُّ إِنشـــاء مجلــسٍ تشـــريعـــيٍّ يُدعى بـ (مجلس الإِتِّحاد) يضمُّ ممثِّلين عن الأَقاليم والمُحافظات غَير المُنتظمةِ في إِقليم، ويُنظَّم تكوينهِ وشروطِالعضويَّةَ فيهِ واختصاصاتهِ وكلَّ ما يتعلَّق بهِ بقانونٍ يُسَنُّ بأَغلبيَّة ثُلُثَي أَعضاء مجلس النوَّاب.

السُّؤال؛ أَينَ هذا المجلِس؟! لماذا لم يتمُّ تشريعهُ؟!.

ب/ تقولُ المادَّة (٦٩) ثانياً؛ تُنظَّم بقانونٍ أَحكام إِختيار نائبٍ أَو أَكثر لرئيسِ الجمهوريَّة.

وقد حصلَ هذا بالفعل وتمَّ تشريعِ القانُون المعني.

أَمَّا المادَّة (٧٥) ثانياً فتقُول؛ يحلُّ نائب رئيس الجُمهوريَّة محلَّ الرَّئيس عندَ غَيابهِ.

السُّؤَال؛ هل لرئيسِ الجمهوريَّة الحالي نائِباً؟!.

دلُّوني عليهِ!.

علماً أَنَّهُ في الدَّورات السَّابقة كانَ للرَّئيسِ [٣] نُوَّاب!.

ج/ تنصُّ المادَّة (١١١)؛ النَّفط والغاز هوَ مُلك كلَّ الشَّعب العراقي في كلِّ الأَقاليم والمُحافظات.

وتنصُّ المادَّة (١١٢) بعدَ ذكرِ تفاصيل؛ ويُنظَّم ذلكَ بقانونٍ.

فأَينَ هوَ قانون النَّفط والغاز؟! لماذا لم يُشرِّعونهُ لحدِّ الآن؟!.

هذهِ نماذج دستوريَّة [من ٦٠ مادَّةٍ أُخرى] تمَّ خرقها وتجاوُزها والتَّغافلِ عنها لحاجةٍ في نفوسِ [العِصابةِ الحاكِمةِ]!.

فعن أَيِّ ميثاقِ شرفٍ وعن أَيِّ ميثاقٍ سياسيٍّ يتحدَّثُون؟!.

لو كانُوا صادقينَ فيما يقولُونَ لالتزمُوا بالدُّستور فهوَ لم يغفل عن شيءٍ، ولو كانُوا قد احترمُوهُ والتزمُوا بهِ لكانت البِلاد الآن تنعم بالكثيرِ جدّاً من الإِستقرارِ والتَّنميةِوالعدلِ.

يكفيهِم إِحترام الدُّستور لنأكُل مِن فَوْقِنا وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِنا!.

لذلكَ فإِنَّ كلَّ مشاكل البلد، ومنها المَشاكل بين بغداد وأَربيل، هي مشاكل مُستدامة لا تُحلُّ، لأَنَّ الكُلَ يُريدُ حلَّها بالمِزاجِ والمصالحِ الضيِّقة وليسَ بالدُّستور.

كلُّهم يتغنُّونَ بالدُّستور ويدعُونَ لحلِّ المشاكل في إِطار الدُّستور ولكن لا أَحدَ يفعل هذا الشَّيء على أَرضِ الواقعِ، ولذلكَ فإِنَّ آلاف الزِّيارات المُتبادَلة بينَ بغداد وأَربيلوعلى مُختلفِ المُستويات، وآلاف المُؤتَمرات الصحفيَّة المُشترَكة وآلاف المواثيق والبيانات ومُذكَّرات التَّفاهُم لم تحلَّ مُشكِلةً واحدةً، لأَنَّها كُلَّها خارج إِطار الدُّستور والقوانين.

٢/ في العراق لا تُوجد عِندنا [ميزانيَّة دَولة] بالمعنى المِهَني والحقيقي المُتعارَف عليهِ في دُوَل العالَم.

في العراق عندنا كميَّة من الأَموال يتمُّ تقاسُمها كُلَّ عامٍ بينَ الأَطراف على طريقةِ [قِسمة القِط والفأرتَين] ولذلكَ فعادةً ما تكون النَّتيجة هي أَن القِط يستولي على كلِّالكَعكة مِن دونِ أَن يتجاهلَ حِصَّة الفأرتَين فيرمي لها بعضَ الفُتاتِ!.

إِنَّ [ميزانيَّاتِنا] تشتهر بثلاث صِفات أَساسيَّة؛

أ/ إِنَّها سياسيَّة مُحاصصاتيَّة وليست مِهنيَّة.

ب/ إِنَّها إِستهلاكيَّة [تشغيليَّة] تعتمد على سعرِ برميلِ البترُول!.

تخيَّل أَنَّ مصير دَولة مرتبطٌ ببرميلِ البترُول فقط!.

ج/ إِنَّها إِنتخابيَّة، خاصَّةً كلَّ [٤] سنوات، وهو عام الإِستحقاق الإِنتخابي الدَّوري.

لذلكَ تُلاحظ أَنَّك تسمع وتُشاهد نوّاباً يناقشُون الميزانيَّة بالإِعلامِ بطريقةٍ إِستعراضيَّةٍ قلَّ نظيرَها، لم تسمع بهم أَو تتعرَّف على أَسمائهِم وأَشكالهِم طِوالَ الدَّورة النيابيَّة،ليظهرُوا مع فانوسهِم السِّحري في مثلِ هَذِهِ الأَيَّام وكأَنَّهُم خُلِقُوا للإِستعراضاتِ والبهلوانيَّاتِ والتَّهريج فقط ولأَداءِ دَورِ الكومبارس على المسرحِ!.

إِنَّ طريقة مُناقشة الميزانيَّة دليلٌ واضحٌ وقاطِعٌ على أَنَّ الدَّولة لا تمتلكُ رُؤيةً ماليَّةً واقتصاديَّةً واضحةً.

ميزانيَّةً نهضويَّةً وتنمويَّةً شاملةً.

فعلى الرَّغمِ من أَنَّ الحكُومة طبَّلت وزمَّرت لِما أَسمتهُ بـ [الورقةِ البيضاء] الإِصلاحيَّة، والتي جُزءَها الأَهم هو المالي والإِقتصادي، عندما تبنَّتها بالإِجماع.

وعلى الرَّغمِ من أَنَّ الحكُومة، التي تتمثَّل فيها كُل الكُتل السياسيَّة بوزراء، قالت بأَنَّ الميزانيَّة تمَّت المُصادقة عليها على ضَوء [الورقة البيضاء].

وعلى الرَّغم من أَنَّ [حكُومة الكُتل والأَحزاب] هذهِ ناقشت الميزانيَّة وصوَّتت عليها قبلَ أَن تبعثها للبرلمان لتشريعِها.

وعلى الرَّغمِ من أَنَّ مجلس النوَّاب كانَ قد صادقَ على [الورقةِ البيضاء] التي دُوِّنت على أَساسِها الميزانيَّة الحاليَّةِ.

إِلَّا أَنَّ مجلس النوَّاب اختلفَ على كلِّ شيءٍ وردَ فيها بإِيعازٍ من زُعماء الكُتل تحتَ الطَّاولة! لأَغراضٍ شتَّى معرُوفة.

وفي نِهاية المطاف فإِنَّ الميزانيَّة ستُرحَّل إِلى [زُعماء الكُتل والأَحزاب] لإِقرارِها ومِن ثمَّ الإِيعاز لنوَّابهِم بالتَّصويتِ عليها.

هل تصوَّرتَ دَورة المُفاوضات والمُحادثات؟!.

إِنَّها تشبه دَورة الماء في الطَّبيعةِ عندما يصِل المُكرَّر منهُ لحنفيَّات المنازِل!.

٣/ هذهِ المرَّة فإِنَّ مُشكلة الميزانيَّة ليست بين طرفَين [بغداد وأَربيل] وإِنَّما بَين ثلاثة أَطراف هي [بغداد وأَربيل والسليمانيَّة].

صحيح أَنَّها تجلِّي الصِّراع الخفي بين النَّجاح والفشل، النَّجاح النِّسبي الذي حقَّقهُ زُعماء الإِقليم، والفشل الكبير الذي بانَ مِن زُعماء الشِّيعةِ والسنَّة!.

لكنَّ المُشكلةَ أَكبر من ذلكَ بكثير.

فبينما تصرُّ السليمانيَّة على بغداد تسليمَها حُصَّتها من الميزانيَّة مُتَّهمةً أَربيل بأَنَّها تُساوِمها على حصَّتها عندما تُسلِّم بغداد كُل حُصَّة الإِقليم لها، تصرُّ أَربيل علىوجُوب أَن تُسلِّم بغداد حُصَّة الإِقليم كاملةً لها على اعتبار أَنَّ الإِقليمَ واحدٌ [دستوريّاً] فإِذا قسَّمت بغداد الميزانيَّة ببن طرفَين في الإِقليم فهذا إِجراءٌ غَير دستوري!.

٤/ أَستغربُ كيفَ يجرُؤ بعض السَّاسة الكُرد الطَّعن بديمقراطيَّة بغداد عندما يعتمد البرلمان التَّصويت بالأَغلبيَّة حسب الدُّستور وقانون مجلس النوَّاب مُعبِّرين عن ذلكَبديكتاتوريَّة الأَغلبيَّة، فيما لم يستهجنُوا أَو يعترضُوا على نفسِ الأُسلوب عندما يتمُّ التَّعامل بهِ في برلمان أَربيل!.

وما يُثيرُ الإِستغراب أَكثر عندما يُصدِّق بعضهُم أَنَّ في الإِقليم ديمقراطيَّةً تختلفُ عن ديمقراطيَّة بغداد!.

أَتمنَّى على أَمثالهِم أَن يُؤَشِّرُوا لنا على نظامٍ ديمقراطيٍّ في العالَم يرِثُ الابنُ أَباهُ أَو إِبنُ الأَخِ عمَّهُ في السُّلطة!.

أَتمنَّى على كلِّ السياسيِّين في بغداد وأَربيل أَن لا يضحكُوا على ذقونهِم وهُم يُمارسُون الديمقراطيَّة في السُّلطة.

فالعراقيُّون يعرفُونَ جيِّداً بأَنَّ نِظامَنا السِّياسي هو نظامُ الأُسر والعشائِر مُعطَّر بـ [عبقِ] الديمقراطيَّة!.

١٧ شباط ٢٠٢١

لِلتَّواصُل؛

Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ
Face Book: Nazar Haidar

Skype: live:nahaidar

Twitter: @NazarHaidar2

WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here