بين بديلي النازية القومية والفاشية الاسلامية في العراق.. ماذا وراء رغد صدام حسين؟!

سمير عادل

في مدينة واشنطن  في أيار من عام ٢٠٠٥ وكنت مدعوا لإلقاء محاضرات عن جرائم الاحتلال في العراق، وبمناسبة سميت بعنوان (Eyes Wide Open) اي العيون مفتوحة على اتساعهما، نظمت في ساحة أمام مبنى الكونغرس الامريكي، حيث عرضت الاف من بساطيل القتلى من الجنود الامريكيين في العراق الى جانب كومة من أحذية الاطفال، ضحايا الغزو والاحتلال، حدث لقاء بالصدفة مع ريتشارد بيرل مساعد وزير الدفاع رامسفيلد وهم من ضمن الخمسة الذين وضعوا هندسة احتلال العراق إلى جانب بول فووليتز نائب وزير الدفاع وديك تشيني نائب الرئيس اضافة الى بوش الابن، تجمع الصحفيون حولنا وطرحوا سؤال عليّ “ايهما افضل ايام نظام حسين ام الان؟ فأجبت يجب أن يكون السؤال ايهما اسوء ايام نظام صدام حسين ام الان، مما دفع بريتشارد بيرل بالهروب مسرعا من امام الكاميرات هو وحمايته. ما نريد ان نقوله، ان ما دفعنا في كتابة هذا المقال هو رد على سؤال في خضم الصراع على السلطة السياسية ومطالب جماهير العراق في تحقيق الحرية والرفاه والامان والمساواة، هل قدر جماهير العراق ان يكون بديلها أما النازية القومية العروبية التي (صدعت رغد رؤوسنا بها طوال ٦ أجزاء من المقابلة: إن قضيتها وطن وبلد وحارس البوابة الشرقية والامة العربية) سنتحدث عنها وعشنا ٤ عقود نكتوي بنيرانها، او  قدرها الفاشية الإسلامية التي جاءت مع حراب المارينز الأمريكي واختبرنا فسادها وجرائمها التي مسحت كل آثام البعث وعائلة صدام حسين  ونظامه الاستبدادي وقامت بتبيض صفحته الاجرامية الملطخة بدماء مئات الالاف من جماهير العراق الى الحد تتجرأ شخصية مثل رغد وبكل صلافة ووقاحة ان تقول (ان الشعب اخطأ وهي لا تريد محاسبته)، في حين ان النظام البعثي وبزعامة ابيها وعائلتها وخصوصا عدي وقصي وحسين كامل وصدام كامل واعمامها اجرموا الى أبعد من السماء بحق جماهير العراق على صعيد قمع الحريات وعسكرة المجتمع وافقار الجماهير وإرساء نظام متخلف ورجعي لحد النخاع ومعادي لأبسط القيم الانسانية، وحوّل العراق الى اقطاعية لعائلة صدام حسين مليئة بالسجون والمعتقلات لكل صوت معارض او يريد أن يتنفس بحرية.

الضجة الاعلامية التي احدثتها مقابلة (الفضائية العربية) التابعة للسعودية مع رغد صدام حسين، من حيث التوقيت ومن جانب تصاعد التراشق الإعلامي والتوتر السياسي والعسكري بين النفوذ السياسي والاقتصادي في العراق بين السعودية -الامارات وبين ايران، والتي تتزامن مع ادعاءات الاستعداد لانتخابات مبكرة، تكشف عن عمق الازمة السياسية وصراع البدائل على السلطة السياسية وعدم استقرارها في العراق. 

ولكي تكتمل مجمل اللوحة السياسية امام القارئ ولكي نخوض في تشريح ما وراء اقوال رغد في المقابلة وما وراء ادعاءاتها ومن يقف ورائها، نضيف الى ان قوات التحالف الدولي قررت زيادة عديد قواتها من ٥٠٠ عنصر الى ٤٠٠٠ والتوسع الجغرافي والعسكري على صعيد العراق بشكل تدريجي حسب تصريحات امين حلف الناتو، وبغض النظر اذا كان قرار زيادة عناصر تلك القوات ردا على قصف مناطق اربيل او من عدمه، في الوقت الذي تشهد المنطقة تحولات على صعيد الاستراتيجية الامريكية في المنطقة بعد الادارة الجديدة لبايدن تجاه النفوذ الايراني وملفها النووي وإمكاناتها العسكرية التي يقف ورائه التمدد الصيني الاقتصادي والتسلح العسكري الروسي.

رغد المرأة العصرية وحملة صدام حسين الايمانية:

للوهلة الأولى، ما وراء ظهور رغد بإطلالة امرأة عصرية، لم يكن محض صدفة ابدا، وخاصة نعرف جيدا ان اببيها من أطلق الحملة الايمانية في عام ١٩٩٦ ودعا النساء الى البقاء في البيوت منذ نهاية الثمانينات كي لا ينافسن الرجال على فرص العمل حسب تصريحاته بعد الانتهاء من الحرب العراقية-الايرانية، والتشجيع على ارتداء الحجاب في المؤسسات الحكومية، وإطلاق يد العصابات الاسلامية الوهابية في المناطق الغربية برمي  النساء بالماء الحار  لو خالفت الشريعة الاسلامية البعثية الجديدة، وتحول العديد من مسؤولي حزب البعث المحليين الى أئمة للجوامع و ملالي ورجال دين واعظين ينثرون بذور الرجعية والتخلف في المجتمع، وكان واحد من العوامل في تمهيد البيئة لنشوء الارضية الاجتماعية والفكرية للإسلام السياسي في العراق بشقيه الشيعي والسني، ولا ننسى بتذكير رغد بقرار ١١١ لمجلس قيادة الثورة  لعام ١٩٩٢يحق للرجال من ذوي المرأة قتلها، سواء كانت زوجة او ام او اخت لمجرد الشك بها دفاعا عن غسل العار، او اعادة قانون العشائر في عام ١٩٩٤ الذي ألغي عام ١٩٥٩، نقول ان ظهور رغد بتلك الإطلالة هي من اجل اعادة تسويق القومية العروبية ومحاولة لإعادة الوهج (العلماني والليبرالي) لها التي كانت تتشح زيفا وكذبا بها في حقبة الخمسينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي بأثر المد اليساري والاشتراكي في العالم. 

ليست امريكا وحدها بل التحالف السعودي-الامارات ومصر الذي يقف في نفس الخندق، فشلوا في مواجهة النفوذ الايراني (الإسلام السياسي الشيعي) والتركي  الاسلام السياسي السني -اخوان المسلمين) على الصعيد الفكري والسياسي والتعبئة الاجتماعية. وقد جربت تلك الدول حروبها الاهلية في العراق ٢٠٠٦-٢٠٠٨ وداعش، ولم يفلحوا في لجم الإسلام السياسي وخاصة بعد نزول منحنى مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم. على العموم إن إحياء الفكر القومي العروبي بخزائن السعودية-الامارات وبدعم سياسي امريكي لمواجهة النفوذ الايراني والتركي في المنطقة عاملا مهما من عوامل اظهار رغد على شاشة القناة (العربية) الناطقة غير الرسمية للمملكة السعودية. بمعنى آخر أن تسويق القومية العربية التي خاضت حربا ضروسا مدة ثمان سنوات لحماية البوابة الشرقية هو تعبير عن فشل بدائل التيارات البرجوازية السياسية في المنطقة، سواء الطائفية او الاسلامية، او الديمقراطية وهي اخر يافطة كانت لتبرير غزو واحتلال العراق عام ٢٠٠٣.

وطن رغد ووطن التيار القومي العروبي والمحلي الوطني:

أن ترديد كلمة (وطن) على لسان رغد في المقابلة المذكورة هو تكرار لنفس النغمة البرجوازية المهترئة، وهي اختزال كل جرائمها وكل المطالب العادلة للانسان من اجل العيش بالحدود الأدنى لآدميته بعبارة (وطن) التي كانت حقا وطن رغد وعائلتها، ولم يكسب العمال فيه غير القوانين والأعراف العسكرية عندما كان زوجها حسين كامل وزير الصناعة والتصنيع العسكري طوال ثمان سنوات عجاف من الحرب، وكان يتفنن بجلد العمال أو سجنهم او تعذيبهم لمجرد اي اعتراض او خطأ نتيجة عملهم لساعات متواصلة تصل إلى ١٢ ساعة، ناهيك عن جماهير العراق بأغلبيته المطلقة كانت لا تحصل الا على فتات لإبقائهم احياء. 

ان رغد التي ترد على سؤال محاورها حول عثور بنادق مطلية بالذهب في قصور ابيها؛ وهي مسالة عادية وان العراق بلد غني والذهب مسالة عادية. وقد نسيت ان تضيف كيف كانت الاسر العراقية تعيش تحت الخط الادنى للفقر وكان معاش او الراتب الشهري للعامل أو الموظف في احسن احواله لا يتجاوز ٤ آلاف دينار في الوقت الذي كان معدل صرف الدولار ٣٠٠ الف لكل ١٠٠ دولار، بينما كان ابيها يبني الجوامع الشاهقة على الملايين من البطون التي تنخرها الام الجوع وينفق على الماجورين الذين يقدمون الى العراق لمباركة صدام حسين ومبايعتها على مواجهته للشيطان الاكبر، وكان يمنح مقابله كوبونات النفط مقابل الغذاء للحصول على أجر أبواقها الدعائية والاعلامية، من عرق عمال و كادحي العراق الذين كانت تطحنهم رحى الحصار الاقتصادي، وبفضله اي الحصار الاقتصادي اعاد تأهيل  نظام البعث الذي كان ايل للسقوط من جديد للاستمرار في السلطة. 

ان ترديد كلمة وطن هو نفس الوطن الذي كان واحد من الشعارات التي رفعها التيار القومي المحلي في انتفاضة أكتوبر وحمل الكاظمي الى سدة رئاسة الوزراء. ان رغد والبعث الجديد يريدان قيادة ذلك التيار اليوم، تيار نريد وطن، الذي اختزل بإنهاء نفوذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية عنه. 

إن جرأة التيار القومي الذي تحاول رغد وتقف ورائها الأموال  السعودية -الامارات وامريكا من تسويقها لم يكن لها احراز موطئ قدم على الاقل اعلاميا وحتى سياسيا لولا الضربات التي وجهتها انتفاضة اكتوبر للإسلام السياسي.  ونضيف نقطة مهمة اخرى وهي ان جيل اليوم، جيل العاطلين عن العمل، جيل العمال الاجور والعقود، جيل النساء اللواتي كسرن هيبة الاسلام السياسي في انتفاضة اكتوبر، هذا الجيل لم يختبر النظام البعثي-صدام حسين، الذي اذاب المئات من الشيوعيين والمعارضين في احواض الاسيد، النظام الذي اخفى من الوجود ١٨٠ ألف انسان وتحت عنوان اية قرآنية سمي بالأنفال، لانهم فقط يتحدثون لغة غير العربية، هذا ناهيك عن الابادة الجماعية في حلبجة، نظام امحى اهالي مدينة من الوجود وهي مدينة الدجيل وادين جميع اهالي المدينة لان نفر منها قام بعملية اغتيال فاشلة، نظام دفع أكثر من مليون شاب الى محرقة حروبها التوسعية وتحقيق أوهام الامة العربية، نظام ادخل الرعب داخل العوائل بحيث تحول مرض الانفصام بالشخصية إلى ظاهرة اجتماعية في المجتمع العراقي، يخاف احد افراد الاسرة ينطق اي كلمة سيئة بحق صدام حسين ورموزه المجرمة. أن جيل اليوم لم يعش ٤ عقود من جرائم البعث في العراق، ولذلك تراهن السعودية-الامارات على تجربة الجيل الجديد في العراق وعليها تحاول تأهيل ذلك التيار القومي العروبي النازي بكل ما تعنيه هذه الكلمة وتقديم كل اشكال الدعم له كما فعلت في سنوات الحرب العراقية-الايرانية، بينما نحن جماهير العراق دفعنا ثمن تطلعات وطموحات التيار القومي العروبي في العراق. وبعد انهيار ذلك التيار على يد الاحتلال الذي حمل لواء مواجهة الشيطان الأكبر انتقلت البندقية من كتفه الى كتف الإسلام السياسي في العراق، كتف مليشيات (محور المقاومة) الملطخة اياديها بدماء المئات من ضحايا انتفاضة اكتوبر. 

ان رغد مثل كل الانظمة القومية العروبية الفاشية في المنطقة تقايض الحرية والكرامة الانسانية والرفاه بالأمن. وهذا ما حدث في مصر بعد ثورة يناير وفي سورية وفي ليبيا وفي اليمن…فهي تقول للجماهير بأن امامها خيارين، اما استبداد السلطة ونهبها وفسادها والرضوخ لها مقابل حياتها، او انتزاع الحياة من الجماهير مقابل الفوضى الامنية والسياسية. هذا ما قالت لنا رغد بأن الانسان في العراق كان يعيش بأمان. اختزال الماهية الانسانية وتطلعات الانسان بالحرية والرفاه بوجود نظام اجرامي يحقق ذلك الامان المزيف. اي تصوير مخادع تسوقه البرجوازية لنا بجميع تياراتها في ردها على الثورتين المصرية والتونسية وهبوب نسيمهما على المنطقة ومن جهة اخرى محاولة لطمس الاحتلال وجرائمه وتداعياته، والتعمية عن دور الانظمة السياسية الخليجية التي ساندت كل السياسات الامريكية في المنطقة.

بين البديلين، النازية القومية والفاشية الاسلامية:

بالنسبة لقوى الإسلام السياسي الشيعية في السلطة، كان وما زال هاجس البعث يجثم كالكابوس على صدرها. وليس تغريدة مقتدى الصدر بإلغاء هيئة المساءلة والعدالة واعادة العمل بهيئة اجتثاث البعث بعد المقابلة المذكورة الا تعبير عن الرعب الذي يجتاح افئدة الاسلام السياسي وخاصة ما زالت اثار كدمات انتفاضة اكتوبر على وجهها. وهي تدرك جيدا ولها تجربتها، ان عوامل تهيئة الأجواء السياسية والاجتماعية لإسقاط النظام البعثي، متوفرة اليوم أكثر لإسقاط سلطة الإسلام السياسي على غرار سيناريو إسقاط النظام البعثي ولكن باليات مختلفة طبعا، وان التيار القومي العروبي يجهز اليوم على الصعيد الإقليمي والدولي للحلول محلها سياسيا واجتماعيا وحتى في مراحل معينة عسكريا، وخاصة بعد تراجع مكانتها اي الإسلام السياسي، مثلما ذكرنا اثر انتفاضة اكتوبر سواء في العراق او في لبنان. وهذا يكمن في سر رعبها من أصداء مقابلة رغد.  والحق يقال ان مساعي اذكاء نار (محور المقاومة) في العراق فشلت فشلا ذريعا، وأن النزعة المعادية للجمهورية الاسلامية في ايران وميليشياتها في العراق تضرب جذورها كل يوم في العراق، وقد بينت انتفاضة أكتوبر عن حجم الغضب والسخط لدى جماهير العراق تجاه المشروع الايراني عبر أدواتها في العراق. 

ليس خيار الجماهير بين النازية القومية العروبية والفاشية الاسلامية، وان الاول لم يستطع، ليس على صعيد العراق فحسب بل على صعيد المنطقة غير تقديم الحروب والقمع والسجون والمعتقلات والافقار سواء كان تيارا ناصريا أو عروبيا أو بعثيا، أما الثاني فكان اكثر التيارات البرجوازية حثالة وقذارة واجراما وخاصة في العراق وازدهر تشييد السجون والمعتقلات في عصرها مع الاستعارة من التاريخ أدوات تعذيب مثل الدريل و اليات حديثة هذا ناهيك عن حملات التطهير الطائفي والتغيير الديموغرافي وصناعة المقابر الجماعية. 

واخيرا نقول ان التيار الذي يرفع شعار تحقيق الحرية والمساواة والكرامة الانسانية والرفاه هو تيار آخر امام الجماهير، وهي من تدع قدرها ليس محتوما بتلك البدائل والتيارات البرجوازية المجرمة، وليس امامها الا باختيارها اذا ما اردت مجتمعا حرا ومرفها ويكون الانسان فيه أثمن رأسمال.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here