الدول الحاكمة والمَحكومة!!

الدول الحاكمة والمَحكومة!!
دول الدنيا حاكمة ومحكومة , والحاكمة قوية مهيمنة على مصير الدول الأخرى , وهي دول قليلة العدد هائلة القدرات والإمكانات , والدول المحكومة كثيرة العدد ضعيفة منهوكة مُستلبة مُستنزفة منشغلة بتدمير ذاتها وموضوعها.
فالدنيا مضت على سكة أن تنفرد بمقدراتها دولة واحدة تتحكم بالدول الأخرى , وفي بعض الأحيان تكون هناك أكثر من قوة , لكن التنافس بينها يؤدي إلى إستحواذ قوة على إرادة الجميع , ولهذا كانت الإمبراطوريات وآخرها الإمبراطورية العثمانية ومن ثم الإنكليزية.
الأولى تهاوت على عروشها بعد الحرب العالمية الأولى , والثانية بعد الحرب العالمية الثانية , وبزغت قوتان كبيرتان في حينها هما القوة الأمريكية والسوفيتية , والأخيرة إنتهت في العقد الأخير من القرن العشرين , والأولى تواصلت وتفوقت , وفي أثناء ذلك بزغت قوى ة ناهضة , وتأتي في مقدمتها الصين والإتحاد الأوربي.
وما جرى في القرن العشرين يرتكز على منطلقات تشرتشلية (من تشرتسل) إنبثقت في مؤتمر القاهرة عام 1921 , والذي دفعت إليه ثورة العشرين في العراق , والتي على ضوئها صار العمل بالحكم بالنيابة أمرا محتوما , بمعنى تشكيل حكومات في الدول المحكومة بالإرادة البريطانية على أنها حكومات وطنية , لكنها تنفذ ما تريده بريطانيا وتحافظ على مصالحها بلا خسائر تذكر , ولذلك تم العمل ومنذ ذلك الحين على تنصيب القادة والدفع للثورات والتغيرات.
وعندما تسنمت الراية القوة المتفوقة مضى الحال على ديدنه , فالسفارة هي الحاكمة والسفير هو الذي يقرر , والحكومات بما فيها واجهات لتنفيذ الأوامر , ولهذا فربما لا شيئ يحصل في الشرق الأوسط إلا بتخويل وتفويض من سفارات القوى المُتحكمة بمصير البلاد والعباد.
وهذا المنهج يفسر لماذا تأخرت وتعثرت الدول العربية ماعدا القلة القليلة منها , رغم توفر القدرات والثروات الكفيلة بالإنتعاش والنماء والرقاء المعاصر , ذلك أن أي تقدم لا يكون بخدمة المصالح والتطلعات , ولا يتفق مع إرادة القوة الحاكمة المُستعبدة للبلاد.
أي أن العديد من الدول محكومة ومصادرة الإرادة , والوجوه التي تظهر ويجتهدون بتلميعها كارتونية سيتم إحراقها في لحظة زمنية مؤاتية , فما يجري من نتائج الإرادة الفتاكة القابضة على عنق الوجود العربي في كل مكان.
وبذلك نرى أن ما يخدم التوجه الخنوعي والرضوخي والتبعي يكون مبرّزا , ومسوّقا بأساليب مؤثرة وغادرة تضمن التأثير على العقل والنفس , وتُرسم خارطة السلوك المطلوب لتأمين المصالح وقمع الإرادات الوطنية الصادقة الحية , التي تريد للعرب أن يكونوا ويعاصروا ويتقدموا , مما جعل الواقع العربي يستلطف الخراب والدمار والإمعان بالإندساس في غوابر الأزمان.
وما دام العديد من العرب مؤهلين للعب دور المُستعبَد والمنفذ للأجندات ولا يعنيهم إلا ما سيغنمونه لحين , فأن الواقع العربي سيزداد سوءً وتدهورا بفعل أبنائه , لِما يقومون به من أدوار مناهضة لوجودهم الوطني والإنساني , بل أن الكثيرين منهم قد إستعملوا الدين كوسيلة لتمرير المشاريع العدوانية على العرب والدين , وتلك مصيبة أجيال وطاعون وجود مقيم.
فلن يكون العرب إن لم يعرفوا جوهرهم ويتمسكوا بإرادتهم الأصيلة المتحدية القادرة على أن تكون!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here