.. انت العلي الذي فوق العُلا رُفِعا .

محمد علي مزهر شعبان

في حرم من حجوا، في حضرة القبلة المحجه، قبل الاسلام وليومن هذا ولدت . أي إرسالية ربانية او قدريه، بعثت فاطمة بنت اسد بن هاشم الى ذلك الركن، وياتيها المخاض، لتولد جبلا ؟ بيت الله مولده، ورداء الكعبة ستره، فعلى بمكان مولده، واعتلى الشرف برفيع اصله ومنبته . نمى الرضيع وكان في صباه وشبابه الرفيق المفتدى، والرشيد المقتدى . صحبتة للصادق الامين، ورفقتة لسيد المرسلين، كانت بمثابة التاج الذي يزدان بمفرقي ذلك الشاب، للمعلم والمربي، وشعاع الدرب الى حيث اليقين .

يوم ميلادك، يأخذني مفترقان احدهما قصاد الاخر . الاول ان ميلادك كان ليس لمضة نيزك، او لمحة سراب، بل الشمس التي لا تحجبها الغيوم العابره . فانت ابا الحسن من حميلك ومن يدانيك، لا قياس لمن  قام بديلك كنت اول القوم اسلاما واخلصهم ايمانا واشدهم يقينا . اعظمهم عناءا، واكثرهم مناقب واكرمهم سوابق، وارفعهم درجه واقربهم من رسول الله واشبههم به خلقا وسمتا وفعلا . كنت اشرفهم منزلة واكرمهم عليًه . لم تهن وتستكن، حين ضعف اصحابه، وبرزت حين استكانوا ، ونهضت حين وهنوا . صنديدا لم تنازع ولم تضرع برغم المنافقين وغيظ الكافرين وكره الحاسدين . وقمت بالامر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيت بنور الله يضيء دربك . ديدنك عدل لا محيد عنه، وعدالتك صوت المظلومين والمستضعفين . وسياستك وان لم تجلس على  كرسي الحكم طويلا، فكنت الراعي وقلبه مع ابعد رعيته نأيا . تنورت بك الامم حين يبعث أمينها ” كوفي أنان ” الى كل شعوب الارض، رسالتك الى الوالي على مصرك، بأنها أعظم وثيقة لحقوق الانسان، وعلى مر الازمان .

الثاني ياسيدي، ورغم قناعتي بان يكون للبشرية رمز، تسطر الايات المذهبة بذكره، وتزدحم رفوف المكاتب بتمجيده، وهي ذي الاشراقة التي تتنفس فيها افئدة المناضلين، ودروب من اراد الحق والعدل دليلا في جهاده . اني ابكيك انك ولدت في امة كانت ولازالت، تعيش الدسيسة والاغتصاب للحق سلوكا وقد نمى كنبتة خبيثه . ابكيك لانك ولدت في امة لم تدركك، فقاتلك بهوى المطمع، ونأى عن طريق الحق سالكيه . رحم الله ابا ذر، وهو شهيد هديك ورحم الله عمار وهو في التسعين صريع نصرتك، ومعذرة لحجر بن عدي الذي قتل مرة اخرى في حبك ، والغيض الدفين في نصبك، هؤلاء هم صحبك .

ميلادك يازهو الدنيا وفحلها وفيلسوفها ونبراس عنفونها وزهدها ، يا صارع عمرو بن ود ويا قالع الباب التي عجزت عن هزها اكف اربعون واربع، دعني احتفل بميلادك بالاسى الذي اختزل في قلبي على امة فيها بسر بن ارطاة وعبيد الله بن زياد وممن فوقهم يزيد وابيه ابن اكلة الكبود .. تواصلا لكل طغاة الارض وبيادقها  . اذن دعني ارثي امة قتلتك واستابحة محبيك ايها الوافد اليها بارادة السماء فقتلتك ارادة اهل المناصب واولاد البغاء .

يا شهيد المحراب الذي ولدت فيه ، انت لم تمت الا جسدا والابدان الى حيث تؤوب كسدا ، لكنك حي ما بقى الانسان يتزود من منهل المعرفة ، وسمو وشموخ في الفكر والقلب والسلوك . فانت قمة في تاريخ الانسانية دون انفصال . نعم ذكرك الداني والقاصي، ولم يختلف فيك اهل الحق والعدل والسمو الا اهل الظلالة . حيث يقول فيك جورج جرداق : وما عطل على بصيرة المرء ، رؤية الرحاب الرحبة  والمسافات البعيده والقمم الشاهقه، الا غيوم ثقيلات، يتنفس الجهل بين لواعجها فتتراكم وتزدحم وتطغى وتسود . هم اولئك اللذين جحدوا حقك ، لان منزلتك لا يدانيها من هب عليها ، او يريد تلاقفها كتلاقف الكرة، ففازوا بكرسيها وفزت بالدنيا والاخرة، حين طوى التاريخ اوراقه السود، ليكتب بايات من نور بانك العظيم الذي لا يخص قومية، انما نموذج لسيد المخلوقات الانسان في ادراكه لماهية وجوده .

لقد كنت عظيما عند الله ، كبيرا في الارص، جليلا عند المؤمنين . لم يكن لاحد فيك مهمز ولا لقائل فيك مهمز ، ولا لاحد فيك مطمع ، ولا لاحد عندك هواده . الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تاخذ له الحق ، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تاخذ منه الحق ، والقريب والبعيد عندك سواء، شانك الحق والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم ، وامرك حلم وحزم . ورايك علم وعزم ، فيما فعلت ، وقد نهج بك السبيل وسهل بك العسير واطفئت بك النيران واعتدل بك الدين .

يا حكيم الحكماء ويا نطفة الاباء، كم من اللذين يعتلوا السلطة، يخالفك حين تقول : لا تزيدني كثرة الناس عني عزة، ولا تفرقهم عني وحشة، ولو اسلمني الناس جميعا، لم اكن متضرعا، اعتصمت بالله فعززت واثرت الاخرة على الاولى فزهدت . فايدك الله وهداك واخلصك واجتباك فما تناقلت افعالك ولا اختلفت اقوالك ولا تقلبت احوالك ولا ادعيت ولا افتريت ولا شرهت الى الحطام ولا دنسك الاثام ولم تزل على بينة من ربك ويقين من امرك تهدي الى الحق والى صراط مستقيم . يا صاحب الافضلية في التوحيد ، وثاني الافضلية يوم كنت فارسها الصنديد  .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here