العدالة في عالم الحيوان، سلوك الحيتان المتجلًي بالتعاطف والحنان !

العدالة في عالم الحيوان، سلوك الحيتان المتجلًي بالتعاطف والحنان ! (*)
د. رضا العطار

ان الابحاث التي اجريت في اطار علم الاعصاب الاجتماعي والمعنية باستكشاف الاساس البيولوجي للسلوك الاجتماعي وكيفية تأثير الدماغ على السلوكيات الاجتماعية مثل الانتماء والثقة والتقمص الوجداني والعاطفي والاخلاقي للحيوانات والتي اظهرت مقدار قوة انتشار نقاط الاتصال بين البشر والحيوانات. في هذا المجال نشر عالم الاعصاب الشهير Donald pfeff الذي يعمل في جامعة روكفلر كتابا كاملا خصصه لعلم اعصاب (اللعب النظيف).

هناك مجالان في الابحاث الحالية في علم الاعصاب الاجتماعي يمكن ان يسهما اسهاما مهما في فهمنا لاخلاق الحيوانات. وهما العصبونات الانعكاسية Mirror neuron والخلايا المغزلية Spiddl Cells اكتشفت بالمصادفة في اوائل التسعينيات.
وفي عام 2007 افاد العلماء بان العصبونات الانعكاسية توجد في ادمغة البشر. كائنة في الفص الامامي للدماغ، تسمح لنا ان نفهم سلوك الاخر عن طريق تخيل انفسنا ونحن نسلك سلوك الاخر نفسه ثم نضع انفسنا مكانه في مخيلتنا.

يعتقد العلماء ان العصبونات الانعكاسية لدى البشر قد تلعب دورا في تطوير اللغة
وفي القدرة على فهم مشاعر الاخرين، فكما يعكس الدماغ الحركات، فهو يعكس العواطف ايضا.
وفي عام 2006 نُقل عن عالم العصبونات الانعكاسية Giacomo Rizzelatti في صحيفة (نيويورك تايمز) ان العصبونات الانعكاسية تسمح بفهم عقول الاخرين. لاعن طريق الأستدلال المفاهيمي بل عن طريق المحاكاة المباشرة. عن طريق الشعور لا التفكير.

وهناك اكتشاف آخر على درجة عالية من الاهمية في علم الاعصاب. فقد وجد الباحث
Von Economs العصبونات الانعكاسية داخل ادمغة الحيتان بانواعها التسعين، مثلما وجد العالم البارز Patreck Hof الخلايا المغزلية لدى الحوت الاحدب والحوت الزعنفي والحوت القاتل والحوت الازرق والحوت العنبر. الكائنة في الفص الامامي لأدمغتها كما في ادمغة البشر. تؤديان للحيتان دورا مهما في ردود الافعال التعاطفية التي تتطلب شعورية سريعة. كتقدير ما اذا كان حيوان آخر يعاني من ألم ام لا، والشعور بما اذا كانت تجربة سارة او غير سارة.

وعلى الرغم من ان البيانات التي يقدمها لنا علم الاعصاب الاجتماعي ثمينة جدا، إلا ان هذه الدراسات مثيرة للقلق بشكل خاص نظرا للألام والمعاناة التي تكابدها حيوانات التجارب، اننا نذكر هذه النقطة كلما زادت معرفتنا بادراك وشعور الحيوان زاد تعقيد هذا النوع من الابحاث من الناحية الاخلاقية.

يروي لنا مارك سيموندز الخبير في شؤون الحيتان قصة مجموعة من الحيتان التي ظلت بجانب حوت مصاب مدة ثلاثة ايام متتالية في مياه ضحلة جدا حتى عرضت نفسها للحروق الشمسية، لكن رغم ذلك بقيت متضامنة مع الحوت المصاب، حتى مات في نهاية المطاف. مما دلً على ان الحيتان لديها ملكة التقمص الوجداني والعاطفي.
بهذا المشهد نستعلم ان هذه الحيوانات لها احاسيس ومشاعر، تعبر عن حزنها وآساها بطريقتها الخاصة.

. ان الاعتقاد بان لدى البشر منظومة اخلاقية غير موجودة لدى الحيوانات فرضية قديمة جدا. بل يمكننا الادعاء بانها صارت طبعا من طباع العقل. فقد اكدت الدراسات المعمقة التي قام بها الباحثون طيلة العقود الماضية ان لبعض الحيوانات صفات البشر، لكن بمحدودية جدا و بدرجات متفاوتة كبيرة، فهي تحب وتكره، تصادق وتعادي، تفرح وتحزن، تبغض وتسامح، لها عواطف ومشاعر، وفاء وغدر وحتى خبث ومخاتلة، الى جانب تقوم الأم برعاية صغارها بحنان. انها تمارسها طبقا لمقاييسها الحيوانية، بيد اننا نلاحظ ان اغلب الصفات القريبة للانسان تمارس من قبل الثديات البحرية كالدلافين والحيتان بانواعها المختلفة. وهي اذكى اللبائن المائية على الاطلاق على وجه الارض..

لقد اكتشف جيمس هودنال من جزر هواي في السبعينيات من القرن الماضي بعد ان استخدم معدات الغطس وآلة التصوير التي تعمل تحت الماء وقدم صورة واقعية لحيتان تلك المنطقة التي وصفها بانها (كائنات رقيقة وذكية وهادئة وعقلانية).

* مقتبس من كتاب (العدالة في عالم الحيوان) لمؤلفه مارك بيكوف وجيسيكا بيرس. ترجمة فاطمة غانم، ط 1 2010 ، هيئة ابو ظبي للثقافة والتراث والكلمة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here