القوة النفسية والعقلية!!

القوة النفسية والعقلية!!
البشر تتنازع فيه قوتا النفس والعقل , ولكل منهما سيادته في ميادينه التي يتمكن فيها ويهيمن , ويمكنهما أن ينفصلا ويستكينا في مواضعهما , وقد يتشابكا ويتصارعا ويمتلك بعضهما البعض فيستعبده ويذله.
فهناك بشر النفس تذل عقله وآخر يحصل فيه العكس , وآخر تتوازن فيه القوتان , ويمكن أن تكون العلاقة بأشكال وديناميكيات لا تحصى ولا تُعد.
وكلما إنشغل العقل بما يرضيه ويجذبه ويطلقه , كلما إزداد تحررا من قوة النفس , والعكس صحيح أيضا.
ومن الواضح أن المعتقدات والإنتماءات تستند على آليات نفسية وتترسخ وتتوطن وتتعمق , فيكون العقل في منأى عنها , فلا يمكن المحاججة العقلية في أي معتقد , لأنه إرتباط نفسي مشحون بالعواطف والإنفعالات الشديدة , وتجد ذوي المعتقدات يؤهلون أصحابهم للتأجج العاطفي الإنفعالي , الذي لا يسمح لقوة العقل أن تتحرك.
فالقول بأن الإنتماءات العقائدية بأنواعها عقلية نوع من البهتان والتضليل , فلا تناقش صاحب معتقد بما يؤمن به , لأنه تمترسَ نفسيا في بودقة معتقده , وتخندق في ترس سميك فولاذي المواصفات.
وبعض المجتمعات تهيمن فيها القوة النفسية على القوة العقلية , لأن العقل غير مسخر لما خلق له , وهو التفكير والتدبير والإبتكار والتقدير والمعرفة والتطوير , فالناس تعيش في فراغ ولا تجد أمامها مشاريع وتحديات تقنية وعلمية وإبتكارية تحث على إعمال العقل , كما أن التعليم فيها جوهره تعطيل العقل وإلغاؤه , وتسويغ التبعية والإذعانية والقبول دون سؤال أو نقد وتمحيص , فالإنسان موجود تابع وقابع ومرهون بإرادة غيره , ولا يمكنه أن يكون بعقل فاعل ومنير.
وفي هذه المجتمعات لا ينشغل العقل بالعلم , ويكون عبدا مطيعا للقوة النفسية الفاعلة في المجتمع , والقائدة لسلوكه على مختلف المستويات والتوجهات.
بينما في المجتمعات المتقدمة تكون القوة العقلية متصدرة وفاعلة في الواقع السلوكي , فالناس منهمكة بإعمال عقولها , وإطلاق ما فيها من الطاقات والقدرات , وتتسابق نحو الأقوى والأقدر من المبتكرات والإبداعات والإختراعات اللازمة لتطوير الحياة.
فتجدهم في تنافس وتزاحم نحو أهداف لا محدودة وميادين ذات آفاق مطلقة , تزيد الحياة جمالا وبهاءً وقابلية على النماء والرقاء , فتنكمش القوة النفسية أو تنفصل عن القوة العقلية , وتبقى في مكامنها محكومة بما يتوجب عليها أن تقوم به وتؤكده في البشر الملتزم بإرادة عقله , والمنشغل بمعطياته المعززة لقيمته ودوره الإنساني المنير.
فلكي نبعد النفس , أو نقلل من دورها في تفاعلاتنا , علينا أن نشحذ عقولنا بما يشغلها بما ينفع الناس , فنكون من المجتمعات المقتدرة العطاء.
فأطلقوا قوتكم العقلية وأخمدوا قوة النفس السلبية!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here