العراق عشية زيارة البابا، كالغريق يتشبث في قشة

العراق عشية زيارة البابا، كالغريق يتشبث في قشة

كم كنت اود ان اكون متفائلا كصديقي الكاردينال لويس رفائيل ساكو حول النتائج التي ستتمخض عنها زيارة سعادة البابا الى العراق في الخامس من هذا الشهر. في وقت يمر به هذا البلد من تجاذبات ومماحكات سياسية اقتصادية ستراتيجية من جميع الاطراف ايرانية تركية سعودية او امريكية صينية اوربية تدور رحاها على ارض العراق. في الواقع نسمع جعجعة قوية لطاحونة تدور تكاد تصم الاذان لكن لحد هذه اللحظة لم نرى اي طحين يخرج منها.
قد تكون هناك حسن نية لبعض السياسيين كرئيس الوزراء الكاظمي لمحاولاته تغيير المسار. لكنه بقى وسيبقى رهينة بيد الاحزاب الطائفية منذ توليه السلطة. انه لا يتمكن حتى الوفاء بتعهداته الى انتفاضة تشرين. سواء التحضير لانتخابات حرة مبكرة او تأسيس مؤسسات مستقلة لضمان شفافيتها. العراق اليوم اضحى رهينا لتوازنات دولية كالرمال المتحركة. انه ينتظر دون طائل حل الخلاف الايراني الامريكي او تهدئة التدخلات التركية في شمال العراق او ترتيب اوراق الجار السعودي المبعثرة. بات العراق اذن بلد يدور في حلقة مفرغة لا تنتهي من الدوران حول نفسها. كل هذه الازمات مضافة اليها الاشكالية الاساسية في الداخل العراقي فيما يتعلق بغربة الطبقة السياسية الحاكمة عن محيطها العراقي. في ظل هذه الظروف من الصعوبة ايجاد حلول مرضية في الامد المنظور. فلا يزال قادة العراق الجدد يرجحون مصلحة الجار الشرقي بل يضعونه في سلم اولوياتهم.
لا ندري ان استوعبت الطبقة السياسية العراقية ضرورة تحريك الساحة وحل المعضلة العراقية عن طريق وسطاء. وهل سيقبل سياسي الاحتلال بهم اذا ما جاءوا من خارجً العملية السياسية. يتمنى الشعب العراقي ذلك لكن الشكوك تحوم حولهم بعد تجارب عديدة فاشلة حيث اثبتت رجال السلطة عدم نزاهتهم وان مجمل اهدافهم غير شريفة. من الصعوبة ان يتخلى الشيعة الطائفيون والاكراد العنصريون وذيول السنة المصلحيون عن مكاسبهم. هل سيقبلوا بوساطة البابا والمسيحيين العراقيين التي قد تكون اخر فرصة لتغيير المسار الكارثي.
من المعلوم ان القادة المسيحيين العراقيين لهم تاريخ ناصع في النضال للدفاع عن وطنهم. فهم لم يتركوا البلد ويهربوا الى المنافي كغيرهم. بالنتيجة لم يأتوا بمعية المحتل الامريكي. لم يشاركوا الشيعة الطائفيين او الاكراد العنصريين في مساندة الغزو ويقاتلوا المقاومة. لم يساهموا كذلك في كتابة الدستور الذي مزق طوائف العراق ومكوناته الاجتماعية.
من جهة اخرى فان البابا معروف بمواقفه الانسانية وصدقه في ما يقول ويفعل. كما ان صفته الدينية توحي بالاطمئنان من تحركاته فليس له مصالح سياسية او اقتصادية كامريكا او ايران في السيطرة على ثروات العراق. ان تاريخه يشهد بعلاقاته الودية مع المسلمين في كل مكان ودفاعه عن حقوقهم.
ان معرفتي بسياسي العراق ترجح بان سياستهم الولائية لدول الجوار اعظم بكثير من خدمة وطنهم. كما ان تعصبهم الطائفي والعنصري يمنعهم من العودة لسبيل الرشاد ليدافعوا عن مصالح البلد الذي يحكموه. لقد كانت ولا تزال مصلحة الطائفة او كردستان عندهم اهم بكثير من العراق ووحدته وحريته ورفاهيته.
لكن فرض المحال ليس بمحال كما يقال. اذ يبقى الامل بمعجزة من الله تغير النفوس وتعيد العراقيين الى رشدهم وتألفهم. فالمستحيل عنده جل جلاله يتحقق بكلمة كن فيكون. قد يجعل الله من هذه الزيارة سبب وفرصة لاحلال السلم الاهلي في العراق.
ان مسيحي العراق لم يخونوا وطنهم كالطائفيين الشيعة والعنصريين الاكراد عندما تحالفوا مع الغزاة. لم تتلوث ايادي المسيحيين بالدم العراقي بل هم انفسهم دفعوا ثمنا غاليا طيلة السنوات الماضية من ارهاب مليشيات الحشد الحكومية وداعش. ان ملف العراق في نهاية المطاف تحمله ايادي امينة قد تساعد البابا للنجاح فيما فشل فيه الاخرون. لنبتهل الى الله ان يكون البابا نفسه معول خير وبداية للشروع ببناء وطن مدني عادل لا يفرق بين ابناءه.
الدكتور نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here